يتهاداه الإنسان ضمن المجتمعات، كذلك تفعل الأمم والدول لقداسته، وقوة تأثيره في البنية الشخصية للإنسان، يفيده في حياته ويعالج الكثير ممّا يصيبه من أمراض، بكونه رسم صورة القداسة وتجلّيات نورها عليه، لذلك أجدني أبحث في مزاياه الجُلّى، وأناشد مجتمعنا أن يفيء إلى رشده، فالإله الأعظم مهندس الكون وناظمه ومُسيِّرُهُ كُلٌّ بِقدر أَقسم به (التين والزيتون)، ومن مقامه نسأل من يعكّر صفوه وصفو حياتنا، وثلاثية أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومن يحاول التلاعب بمثلث الديانات ورسالاتها الحقّة، من يحاول إرخاء ظلال الإحباط على جماهير جمهورياتنا المتنورة، هل هناك من معترِف بأن زيته عكر ولماذا حينما يُترك لفترة طويلة يترسّب العكر من منّا بلا خطيئة..؟! أعتقد إن تمّ ذلك وحدث الاعتراف نكن قد اقتربنا كثيراً من إيجاد الحلول لمجمل المعضلات التي تمرّ بنا ونمرّ بها. فمن خلال التدقيق البسيط يتضح مباشرة لحظة إيماننا بالواقع ومجرياته وإحداثياته وألوانه؛ أن لدينا زيتاً ولدينا عكراً، الإشكال الحاصل أنه شكَّّل طرفي المعادلة؛ غير المتكافئة والتي لا تقبل التجانس أي إنه لا يمكن أبداً أن يكون هناك ناتج جديد منه، ليتكون لدينا الهمّ الذي يحتل الترتيب الأول والأخير في الكيفية التي نفصل بها الزيت عن العكر.. وبالتأكيد، إن الزيت هو العنصر الأكثر والعكر الأقل؛ بل القليل، وإنهما غير قابلين للتعادل أو التكافؤ، إنما ارتجاج مادة الزيت هو الذي يعكّر صفوُه كما يتعكّر المزاج حينما تختلط الأمور لحظة افتقادنا لرأس خيط الفكرة الإيجابية وقت تزاحم الأفكار، الهدوء والتبصّر والبحث بعين العقل يعيده إلى حضورنا.
لنلاحظ أن الزيتون لونان: أخضر وأسود، الأسود منه أصله أخضر، أي:يتحول الأخضر إلى أسود، لكن المشكلة في أن الأسود لا يستطيع التحوّل إلى أخضر، كما أن نُظم الاستفادة منه غذائياً تحتاج إلى عملية طويلة، فحباته ومن أجل التخلص من مرارتها نخضعها للرحى للتجريح، وإذا أردنا الحصول على الزيت علينا القيام بعصره جيداً، وهنا نتوقف لنسأل عن جودته وعكره، فإذا كانت رعاية أشجاره المباركة التي لا تعرف الشرق أو الغرب؛ من مبدأ الآية الكريمة في سورة النور من الكتاب المكنون (زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) بمعنى أنها وسطية تجمع الشمس إليها من مشرقها إلى مغربها، وكذلك تحدّث عنه الكتاب المقدس في العهد الجديد ( أمريض أحد بينكم فليدع شيوخ الكنيسة فيصلّوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب) "يعقوب 5:14" وأيضاً تحدث العهد القديم (أطلق نوح الحمامة ليرى إذا كانت المياه قد جفّت عن الأرض فعادت إليه الحمامة وفي فيها ورقة زيتون خضراء). لنعلم أن الزيت القادم من عصر الزيتون سيكون جيداً، وكذلك تجريحنا له بعد رصِّه قليلاً من أجل تحويل مرارته إلى حلاوة، بعد نقعه في الملح المقدّر وغمره بالزيت الناتج عنه، وحينما يتعكّر الزيت بعد الخضِّ أو الارتجاج علينا تهدئته ومراقبته، ومن ثم سحْب العكر منه بتصفيته، بشكل دقيق كيما يعود شفافاً ونقياً، ولا ضير من تحويل بعضٍ منه إلى وقود إضاءة، وبعضٍ آخر إلى صابون بعد إضافته إلى ورق الغار، بكونه يساعد على نظافة الإنسان، وأنواع عديدة من الحيوان كالخيل والقطط والكلاب، ومنه ما يستعمل في الطهي والطعام، والعلاج، وتطرية الأيدي والأعضاء الخشنة، ومحركات الآلات والأبواب، قبل صدئها ومفاصل الإنسان حين جفافها وسماع صكيكها؛ علّها تلين وتعود إلى نعومتها وفاعليتها والتداخل مع بعضها بانسيابية، المطلوب أن يكون أداؤها جاهزاً للقاء الآخر.
إننا نعتز بقداسة زيتنا، ونؤمن بزيتوننا المقدس، ولا نخون ملحنا وخبزنا، كما نتمسّك بليموننا، وزهر زيزفوننا، وسنابل قمحنا، وعناقيد عنبنا، وباقي ألوان منتجاتنا؛ لكني اخترت الزيتون والزيت، بكون جميعنا يتناوله أو يتعامل به دون استثناء، ولكونه يتوسط كامل الأشياء داخلاً إلى القلوب الجرداء؛ التي تُضاء حينما ينسكب فيها، والقلوب الغلف المربوط على أغلفتها الأنا فيزيل رباطها، والقلوب المنكوسة المنافقة والمنكرة والجاحدة يصلحها، وكذلك القلوب المصفّحة المتقلّبة بين الكفر والإيمان بين أن تكون مع أو أن تكون ضد؛ يأخذ بها إلى عين البصيرة، أما القلوب الجريحة فإنّ زيت زيتوننا الصافي يتكفّل بمعالجتها، فلنعمل معاً على إزالة عكره دون توان.
ومن كلّ ذلك أقول إن زيتنا ممتاز وزيتوننا أميَز لنتهاداه ونتبادله، بعد أن نبعد الشوائب منه فتصفى قلوبنا، ولنلتفّت لأدائنا ففيه يكمن الخير لجميعنا ويظهر مدى ولائنا وانتمائنا.
د.نبيل طعمة
المصدر : الباحثون العدد 67 كانون الثاني 2013