فقدَ كامل مقوّمات الوجود الإنساني، عائداً دون مواربة وبشكلٍ فاضحٍ إلى ذلك البشري المتجلي في Cain الذي يعني قابيل قاتل Killer ومعه بدء الشر، مستنداً إلى لغة القاف: قتل Killing .قمع. قاهر Compelling . قهر Conquer . قبر. قرد. قسوة Cruelty .قوة. قيامة. قلب. قعود. قنبلة. قرف. قاع. قرعة. قصعة. قواد. قائم. قرع على ذلك الظاهر الأجوف. مبتعداً عن قيمة سورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، والقائد Commander القوي بما يملك من حلم ورؤية ورعاية ولغة الكفاية، المتشكل بصورة قارب يحلم في المبتدأ والمؤخر أن يصل بالإرادة والتصميم بحِمْلهِ إلى شاطئ الأمان، دون التفكير بما تحملُه صفات الغدر، وغير آبه لذاك القابع وراء الأكمة، وإرادة اصطياد الخبر في جوهر الحياة الإنسانية؛ التي تتحول رويداً رويداً إلى عالم مادي، تسوده لغة القاف دون شفقة أو رحمة أو تفكير في تلك اللغة الإنجابية القادرة من قادر على فعل الخير، عالم تحوّل وبشكل نهائي إلى عالم مادي تحكمه ندرة مادية مقابل الكثرة العالمية من البشر، لقد بلغ عدد سكان الأرض مع نهاية الألفية الثانية ما يزيد على سبعة مليارات نسمة، يحكمهم ليس أكثر من مليوني ملياردير، يقودون بضع مئات من ألوف المشتغلين في السياسية، حيث يستفيدون منهم من خلال إدارتهم لمجتمعاتهم، يتقلّصون رويداً رويداً من خلال تحويلهم إلى رأسماليين، وبالتالي هذا يعني أن حكمة السياسة وسياسة الحكماء تفقد حضورها أمام تحوّل العالم إلى مادي، وكذلك مئات الألوف من الخبرات الاقتصادية والعلمية تتّجه لخدمة حركة رأس المال ومالكيه عالمياً، بينما مفكروه ومبدعوه ومثقفوه مبعدون عن أيِّ قيادة أو مشاركة حقيقية أو استشارة إرشادية، أما النتاج العلمي، وفي نظرة متفحّصة أو حتى عابرة، نجد أن جميع المنتجات على اختلاف محاورها: إلكترونية كهربائية ميكانيكية خدمية تتجمع في أيدي أفراد أو مجموعات صغيرة - الواحدة تسمى شركة- تتحكم مثلاً بإنتاج الطائرات، وأخرى بالسلاح، وكذلك تحصر ملكية الذرّة، أو الطاقة النووية، أو السيارات وحتى الأقمار الصنعية، والهواتف النقالة، أو الحاسبات لصالح أفراد، أما باقي العالم فهم بشر عوام مسخّرون لخدمة تلك الأرقام المذكورة، فهذه المجموعات البشرية ودون وعي منها تشتري هذه المنتجات، وتستهلكها، ضمن دورة الإنتاج دون أن تدري تحت تأثير التشويق بوابل من صور الدعاية والإعلام، تلهث عاملة من أجل اقتنائها؛ بنوك تقرض بفوائد علمانية ودينية؛ ولكن الناتج العام يذهب لأفراد.
لنتفكّر كيف يتم استراق كامل الجهود الإنسانية، واستلاب طاقاتهم العلمية والعملية،علاوة عن الروحية، والتي غدت استباحتها علنية ولكامل الأديان، من باب تجييرها لخدمة العالم المادي في المطلق.
عالم مادي لا يؤمن بالثقافة، ولا بالحضارة، ولا بالتاريخ ولا بإنسانية الإنسان؛ بل يؤمن بثقافة الاستهلاك التي تجني المال لتكوين رأس المال، وتحويل المثقف السياسي إلى اقتصادي، ومن ثم إلى رأسمالي، والإنسان الاجتماعي إلى آلة للإنتاج، فإذا تعطلت يتمّ إصلاحها على عجل، وإن لم تستجب فإلى النهاية، ومن يملك المال هو المالك، فالثقافة علم الجمال، والجمال فنون سبعة: أدب. موسيقى. رسم. نحت. مسرح. سينما. ورقص، وهذه جميعها تنفق المال من أجل إحداث الجمال، فكيف بها تلتقي معه؟ وإن أحبّها فمن باب التسلية وملء الفراغ والمظاهر التي تنسبه إلى المجتمع المخملي لا أكثر ولا أقلّ، وظهوره ضمنها كي يمنح الألقاب الاجتماعية لا الإنسانية، عليه نجد أن التنافر حاصل بينهما، أي: بين العالم المادي والعالم الجمالي، من باب أن العالم الروحي - وكما ذكرت- بدأ يدخل تحت أجنحة العالم المادي؛ الذي يريد أولاً وأخيراً السيطرة على كل محاور العالم، والبحث عن كل بارقة إنسانية لتحويلها إلى مادي، ولذلك غدونا نرى عالماً قائماً على الحروب المباشرة، العسكرية، وغير المباشرة: حصار اقتصادي أو ضغط نفسي اجتماعي أو على شاكلة التهديد والوعيد.
لم يعد في عالمنا اليوم إبداع ذاتي؛ وإنما جميع ما ينتجه العالم المادي قسري، أي: أدفع لك وأوفّر كامل مستلزماتك شريطة أن يكون العائد الإبداعي لي، أي ليس لك، وبقدر ما يحقق من عوائد مادية محسوبة ومدروسة مسبقاً أعتبره ناجحاً، وإلاّ فلن يكون ويدفن في مهده، كيف يحدث هذا اليوم، ولماذا أتحدث بهذا الشكل - ربما الإنذاري-؟ وقد يكون الأخير إن لم يتمّ الانتباه وبشكل سريع وعاجل، وإني لأؤكد بأن القرن الواحد والعشرين الذي مازلنا في بدايته قد يحمل نهاية هذا العالم، من خلال لغة التسلّط المادي الهائل، والذي عاجلاً أو آجلاً لن يُبقيَ ولن يذر لشعوب الأرض وأممها قاطبة أيّ شيء، مما سيؤدي إلى عودة الفقر المدقع للمليارات السبعة من البشر، فبغضّ النظر عن الحروب القادمة حول الماء. والغذاء. ومقاومة بناء الفكر. وضياع الأخلاق. وانتشار الترقي بالنظم المادية لا بالقيَم أو التقويم، بالإنجازات العلمية والعملية أو الفكرية.
دعونا نبعد حرف القاف العربي مع حرف الكاف الإنكليزي الأمريكي العالمي المادي؛ ونَعُد إلى حرف الباء الذي يكمن به البراء من كل ذلك، بكونه بداية beginning وبناءً Building وبهاءً Baha، دعونا نتأمل تشابه بدء الكلمات.
د.نبيل طعمة
المصدر : الباحثون العدد 69 أذار 2013