يخصّ الإجابة والطلب في سؤال نتبادله عن كل شيء جاهز، وهذا الشيء، وذاك، وأشيائي، وأشياؤك، وهل أخذت شيئاً، وأفضل شيء فعلته، وأنا أعمل على شيء، ولم يتبقَّ لي شيء، ولا شيء يستطيع ردعي.. فما هو هذا الشيء؟ ألا ينبغي أن أجده وأُعرفه أولاً، أو يفاجئني بحضوره، أو يحضر على غفلة منّي، ليوفّر لي قدرة التأمل التي تساعدني على فهمه، والتمتع الفكري به، ومن ثم التعامل معه أم أني مشتاق للوصول إلى أطراف مجده، رغم أني أشعر بوجوده وأنه معي، وكذلك أنا معه، وهو موجود في بيئتي: في الهواء، والماء، والتراب، وكل ما يحيطني من بشر وناس وإنسان، وجبال، وبناء، وبساتين، وجداول وأنهار، وسهول وهضاب وما تحتويه تحتها وفوقها، وهو في المطر والسحاب وظُلل الغمام، ونحن نقف على حدود نسيانه بسبب الانشغال؛ بعد أن هِمنا على وجوهنا في مجاهل مادّياته التي نغوص فيها، لنجد أنفسنا على حافة الحياة، فنتفكر بماهية جميع معا ذكرناه قبل أن تتحول إلى أسماء وماهية وجودها كأشياء فنجد أن: "منطق ثق به" ليدلك على طريق السلام، وفي اعتقادي أن هذا ما ننشده مِن هو، وقليلاً ما نحصل عليه من أجل أن نتابع مسيرة حياة قابلة للخضوع لمنطق وجودنا، وبما أنه مسؤوليتنا الصعبة، فعلى عاتق الإنسان يقع عبء إيجاده والتمسّك به.
أبحث عن شيء ينضوي تحته السلام، وهو ما نرومه ورهط قليل هم الواصلون إليه، وغايتنا أن نتابع مسيرة حياة تقبل حياتنا فيها، وتخضعنا لمنطقها المسالم، بكوننا نحمل أفكار العنف تجاهها، فيغدو على كواهلنا مسؤولية صعبة، لذلك نبحث عن إثباته، حيث لا بناء دون التمسك به، وإرخاء ظلاله على المجموع البشري، وبما أن جميعنا في هذه الحياة مسافرون، ولولا إرادة الشيء لما استطعنا المسير قيد أنملة إلى الأمام، فكلّ ما يحكم مسارنا وأفكارنا ومشاعرنا نتاج إلهامات سالبة كانت أم موجبة، تتطور بفعل الحركة الإنسانية الاجتماعية؛ التي تحوِّلها إلى قشور سطحية تهمِّش دور الأحكام المنطقية، وتحدّ من حرية الأفكار المؤثرة في حياتنا، فلن نجد الشيء أيّ شيء إن لم نُزِل فعل القشرة، وندرك دور العقل والمنطق في تبادل الأسباب معه ضمن حرية الشخص وأسراره، وهكذا يسير العالم، ولولا ذلك لفَقَد قيمته، ولذلك علينا أن نتعلم قيمة الحياة، ونحفظ أسرارها المتأتية من ماهيتها وتنوّع امتلاكها لمفاهيم الحياة، فهي التي تحمل النقاش بين العقل والقلب، ويكون نتاجها ما تحتاجه الحياة بتنوعات وجودها الحي - بشكل خاص-، الحكيم لا يسعى إلى الحرب؛ ولكن عليه أن يكون مستعداً دائماً لها إذا ما فُرضت عليه.
أبحث عن شيء، أستدل به عن ماهية السلاح وأسباب وجوده وأنواعه: المال، والدين، والجنس، والسياسة، وأدوات القتل الاستثنائية الخاصة بها، إضافة إلى الأسلحة التقليدية والنووية والكيميائية، هل هو من أجل الدمار الذي يحوِّل الشيء إلى اللاشيء، أم من أجل حماية التكوين والبناء القادم من لا شيء ليصبح شيئاً، وهل كذلك يحمي الطموح الأناني ليتحدا فينجزا التسلط والسيطرة وتدمير الآخر؟ وبما أننا نعتقد أن الأنا لغة زوال، والـ (نحن) إيمان بشيء، والإيمان يعني قوة التغيير، والتغيير يحتاج التضحية، فكيف يتحكّم الإنسان بالإنسان، وكذلك، نتوقف عند دور الذي "ليس كمثله شيء" وأسباب إنجازه لظاهرتي الخير والشر وإنجازه في عالمه الكلي أي جيوشه المؤلفة من جنوده المجندة وأنظمته الاستخباراتية الدقيقة التي تتابع في اللامادي من الإنسان كل صغيرة وكبيرة تحصيها تحت مسمّى الملائكة والشياطين والجان ومنها تولدت الأفكار وزرعت في عقل الشيء خليفته، حيث استفاد كثيراً من أفكار كل شيء إضافة إلى القادمة من غنى المحيط الإبداعي التي لا تقتل بالرصاص، ولا تفنى ولا تموت، وتستفيد منها كامل الأشياء، وكيف تتحول الكلمة إلى رصاصة تنفجر في وجه الآخر؛ حينما تكون حامله لحقيقة الشيء من أجل ولادة جديدة وخلاّقة، وحينما نعتقد أن لكل واحد من جنس الإنسان قدَرَه الخاص فكيف تلتقي الأقدار، وهل يمكن أن تنمو العداوة البشرية في قدرية الفرد؟ لنتفكر في انتقال العداوة بين الأفراد فما هو المصير؟
أبحث عن شيء يشكِّل مسألة إنسانية، اسمها "مساحة العمر" أو الزمن الممتد، حيث نمرّ منه ونسأل إن كان لنا فيه نصيب، وعن نوعه: تجميعي أو تحليلي أو تركيبي أو إبداعي، فهل طولها أو طوله لعنة، وإذا كانت إيجابية أو إيجابي، كيف يستطيع المرء أن يرى من يحبّهم يتساقطون أمامه ليغدو وحيداً، وماهية طلباته حينما يطلب أن يطول عمره، أليس في انتهاء العمر حكمة؟!! وهي قضية القضايا، تسكن أعماق البشرية كأسرار بديهية ومركبة في آن، تنتج الإبداع السري الكوني الحامل لمفاهيم الخلود والبقاء بين الغيبي والافتراضي، فزمن الشيء مضغوط ومنحصر ومنتهٍ، مهما بلغت المكانة أو انعدمت، فالحكم بين نقطتين لا فراغ بعدهما، إنما هي حالة ذاكرة مستمرة سلباً أم إيجاباً .
أبحث في شيء يتواجد ضمن شيء في حالة تعايش قسري، والتعايش لغة التضاد، يكمن فيها الانتظار والاستعداد للانقضاض على بعضهما، طبعاً أتحدث عن الحب والكراهية، الخوف والأمان، النجاح والفشل، الموت والحياة، التدمير والبناء، الجهل والعلم، محاولاً فصلهما عن بعضهما، فلا أجد لذلك سبيلاً؛ لكني أجده في شيء مشترك بينهما، وعليهما تقع مسؤولية ما يجري في عالمنا، ومنهما يُنجز سؤال: كيف يستطيع العقل أن يؤمن بأنهما معاً شيء، وطالما أن أيّ شيء هو شيء لا نستطيع تعريفه أو إننا لم نجد له بعْد توصيفاً؛ فكيف بنا نطلق عليهما أسماء أو معاني أو مفاهيم أو قيماً، ألا يمثلان الخير والشر، وهما أشياء تخصّ الشيء؟ وهنا أعني أننا لم نمتلك صيغ الإثبات أو النفي في تعريفهما، فهو موجود وغير موجود، فإذا كان موجوداً فينبغي علينا أن نعرفه، أما إن كان غير موجود فندخل في جدلية اللامنطق، وهذا ما يسود أفكارنا.
وبما أن جميعنا خاضع لنظرية عبودية الشيء، وقدرنا على اختلاف تنوعاتنا المظهرية والجوهرية أن نكون كذلك، فالجميع يبحث عن حريته، والحرية شيء من شيء، فأين ومتى يتم الوصول لهذا المفهوم؟ فلا أحد من الإنسان وعبْر كل الأحقاب التي مرّ بها ومرّت عليه استطاع أن يبني مجداً؛ إلا من خلال عبوديته لشيء، وتحوّله إلى عبد مخلص لهذا الشيء، باستثناء الأحد الكلّي، صاحب المجد الكوني الأعظم، المسكون في البناء الفكري الحي، وما نراه ونحياه ونعيشه هو عبادةٌ مطلقةٌ لشيء، وقد تكون هذه العبودية قابعة أيضاً تحت شيء، والجميع يبحث عن السبيل الصحيح إلى ذلك من أجل صناعة التفوق، وبالتأكيد ليس سهلاً، حتى وإن امتلكتَ كامل مقومات الصدق الحامل لمعتقد الخلاص والنجاة؛ إن لم تكن عبداً أمينا له فلن تنجو- وضمن الحوارية المنشأة - هل بإمكانك فعل شيء غير مُعَرَّف، وما هي آليات إثباته، ومن ثم إطلاقك عليه تعريفاً، وأنت الذي مرّ عليك حين من الدهر لم تكن شيئاً مذكوراً!! لماذا؟ لأنك لم تكن دخلت مرحلة عبودية الشيء، وحينما حصل وتحولتَ إلى عبد سُجِّل لك الحضور، فتحولتَ من شيء إلى إنسان لتبقى في ماهية الشيء.
أبحث عن شيء أجده في المهيمن، والهيمنة على الشيء هي محاولة امتلاكه، والفرق بين المهيمن والهيمنة، أن الأول على كل الأشياء يحيطها، ويتداخل معها، ويمسك بزمام أمورها، فيكون لهُ قرارُ بدايتها. ونهايتها. وتجديدها. وبقائها. وإفنائها، أي أنه ينهي ولا ينتهي، والثانية تنتهي من باب أن الهيمنة جزئية ومؤقتة، ومهما طالت فهي منتهية بحكم مبدئها ومآلها منحصرين بين نقطتين.
أيها السادة هل تحتاجون لشيء، فإذا كان لكم رغبة فعليكم تحديده وتأطيره، ومن ثم محاكمته عقلياً، كي يتحول من شيء مجهول إلى معلوم.. ولكن دعوني قبل أن تتطلّبوا أوضح لكم بعضاً من مفهوم الشيء، وعلى جميعنا أن يعلم أن الحرية والديمقراطية. والسياسة. والمال. والدين. والجنس. وأية أيديولوجيا أو عقيدة فكرية استكشافية لن تدخل ولن تصل إلى مغزى مفهوم الشيء، ولو وصلت لكانت ذات قيمة، وإنما حضورها تناقلي ومظهري لا جوهري، مؤقت وزائل بزوال حاجتها، باستثناء كلية الشيء؛ الذي يمتلك قيمة اللاشيء، وكل شيء، وليس كمثله شيء.
وبما أن الإنسان خليفة الكلي صاحب الصفات الكلية، والإنسان نسبيّ في كل واحد منه نسبة، حيث نجد فيه شيئاً، ولا يتّحد مع تسلسله الذي يفقد سِمة الكلية ليبقى شيئاً فيكون منه شبيه في نسبة من نِسَبِه المتعددة، فلم يمنح كُلّيته لأيِّ مخلوق، بناءً على نظرية الخليفة والشبيه، وحينما حاول الخليفة تقليده في أشيائه بقي ناقصاً، على الرغم من الإيحاء الكبير إلى المخلوق الشيء المتحول إلى كائن مسمّى؛ كالطير والحوت والطائرة والغواصة، وأيضاً في نظام المهيمن والهيمنة والسيطرة والإدارة والامتلاك، فأدرك بذلك نسبيَّته، وبأنه يمتلك شيئاً نسبياً لا كلياً من شيء يسكن العقل والقلب، ندعه حينما تنتهي نسبيّته.. والسؤال: بما أننا شيء معرّف وغير معرف؛ ما الذي ينبغي علينا أن نتركه قبل أن نغادر؟ فما نمتلكه من الوقت الحيّ قليل، لنتفكر وبعدها نجيب، علّنا نقدر أن نتحدث عن مدنية الإنسان وبنائه المدني؛ الذي نسأل عن آليات حركته ومنابع حريته التعبيرية، وحدودها البصرية وآرائها الصائبة أو الخائبة، أو بين بين، وخيالها التأملي المنجب للإبداع والتطور، أو التقهقر والتخلف والانهزام.. وحينما نعلم أن الوجود شيء واللاوجود لا شيء واتحادهما يمنحنا نتيجة نطلق عليها كلّ شيء، وليس لهما مثيل أو شبيه؛ فنصل إلى أنهما وجود في الموجود، متعلقان بعملية الإثبات والنفي، أي: ليس كمثلهما شيء.
أبحث عن شيء يشكِّل الفاصلة بين الحبِّ والحرب، وهي حرف "الراء" حينما تتكون في الشيء تنهي رؤاه ورفعته وروحانيته ورقيّه، وتتمكن منه من خلال تضخم أناه لينحدر إلى العالم السفلي في رغبات التملّك والتسلّط والقهر ليطلق رصاصة على الشيء، تحوّله إلى حالة حرب وصراع على الموجود من أجل إثبات الوجود أو الحفاظ على الممتلك من شيء، وقيامتها تحدث بين قادة يعرفون بعضهم جيداً، ويخططون لها بامتياز، ولا يموتون فيها بل يدفعون بأشخاص ليموتوا من أجلهم دون أن يعلموا لماذا يموتون، وكذا الحب ينشأ بين أناس لا يعرفون بعضهم أبداً، تجمعهم الآذان والعيون في لحظة ترقّق تُشعرهما بغسل الذنوب؛ إلا أنهما يفترقان، يحيون مؤقتاً إلى أن يموت الحب أو يضيع في اللانهاية، فلم تذكر الأشياء أن حباً امتلك ديمومة في الوجود بين الموجود باستثناء الحب الذي وصل إلى توحّد الشيء باللاشيء، فكان منه كل شيء صاحب الخلود الأزلي.
أبحث عن شيء يسكن مفهوم الموت الذي يجده الجمع الإنساني صعباً دون أن يتفكر بأنه يستر كامل النهايات، فالموت بالدّم لا طعم له، والموت بالسُمّ لا طعم له، والموت بالخيانة لا طعم له، فقط موت النهاية الذي يترك وراءه الانتصار على الحياة، أي: إن الإنجاز والإبداع هما اللذان يمنحان الأثر، حيث يسجّل الاستمرار بين الموت والفناء ما نسميه البقاء، ولذلك كانت نسبية الموت حقيقة واقعة لم يدركها الشيء قبل أن يتحول إلى إنسان.
أبحث عن شيء أطلقوا عليه الضمير، فهل هو شيء؟ وما أحوج إنسان عصرنا إليه بكونه المرسال الاستثنائي بيننا كبشر وبين الكلي الأزلي؛ كأمل فيه حلم الإنصاف والطلب، لذلك نجده يسكن في مكان ما بين جنباتنا وأدواتنا المسيِّرة لجسد كل واحد منّا يستذكر بما ينبغي أن تكون عليه، فهو الروح الطاهرة، والإرادة الخيِّرة، والكينونة الآمنة، والحركة السليمة، والإيمان بإنسانية الإنسان.
أبحث في شيء أعني به الغنيمة، والتي دائماً تخصّ الفائزين، فأيّ نوع من الغنائم التي تضمّ الترقيات والجوائز والإغراءات على ما يتم تحقيقه في مساحات المعارك الإنسانية. الاجتماعية. المدنية. الاقتصادية. الدينية. والسياسية؟ وإلى أن يصير أولئك الغانمون أئمة كهنة، مؤمنين وملحدين، فصحاء وخطباء، أغنياء وأثرياء وفقراء، وكلهم لكل ذلك عبيد عابدون، حيث يتضخم شعورهم، فيغدون في أناهم أكثر من أي شيء، أين هو الإنسان الحقيقي، أي: الشيء المُكَمَّل من اللاشيء، ليصبح معه كل شيء، وبما أن الأقل نوعٌ من أنواع الغنيمة يتحوّل إلى وليمة؛ لكن طالما أن هناك أمل، فإذن هناك فرصة جديدة للحياة على المرء أن يغتنمها؛ وإلا فلن يكون شيئاً مذكوراً.. إذاً، هي قوة الحرية التي تصنع الشيء الذي يكون مساحة صغيرة مقنعة للحياة فيها كل شيء تتحرك على شكل إنسان ومن أجله تكون؛ إن لم يسيطر عليها تأخذه إلى حافة الهاوية، فإما أن تعيده إليها بعد صحوته من هول المفاجأة، أو تأخذ به خوفاً إلى أعماق ظلمته التي يسكن بها جحيمه أو نهايته.
لنبحث في أشيائنا المؤسِّسة للحياة بتنوعاتها، والمتكونة من أشياء ما كنّا لو لم تكن، بعيداً عن أفكار الجنان والنار التي لا نعرف عنها شيئاً، وكذلك القبور وعذاباتها، والمفسرين منجبي الخوف لا الحب الذين ينتظرهم السواد الأعظم من البشرية المتعبة بهموم أشيائها، ولنتفكر في الملائكة، وأقصد الأطفال الصغار، فهم وحدهم الإنسان الحقيقي، قبل تحوّلهم إلى شيء، ومن ثم إلى أشياء، أي: إن طريقهم مستقيم؛ لكن مغريات الانزياحات كثيرة، بالتأكيد يستخدم جميعنا مفردة الشيء ونجيب كثيراً بلا شيء، ونمتلك في عقولنا ونتحدث بأفكارنا عن أشياء وأشياء، وهذا ما أخذ بي للبحث في مفردة الشيء وكل شيء، وأدع بين أفكاركم قِيَم التوغل والتعمق في بساطة ما تناولت، وليكن على رأسها "ليس كمثله شيء".
المصدر : الباحثون العدد 69 أذار 2013