إن ثورة المعلومات والتكنولوجيا في العالم تفرض علينا التحرك من أجل اللحاق بركب هذه الثورة، والتفكير بطريقة تساعد على مواجهة هذا التحدي والتعامل مع معطياته، حيث يلحظ المتتبع لحركة التقدم السريع في مجال تكنولوجيا المعلومات من ناحية، ومجال تكنولوجيا التعليم من ناحية أخرى أن تزاوجاً قد حدث بين المجالين، وقد أدى حدوث هذا التزاوج إلى ظهور آفاقٍ جديدة رحبة للتعليم تمثلت في وجود العديد من المستحدثات التكنولوجية ذات العلاقة المباشرة بالعملية التعليمية، ومن أهمها التعلم الإلكتروني.
تعريف التعلم الإلكتروني:
التعلم الإلكتروني هو طريقة للتعليم باستخدام آليات الاتصال الحديثة من حاسب وشبكاته ووسائطه المتعددة من صوت وصورة، ورسومات، وآليات بحث، ومكتبات إلكترونية، وكذلك بوابات الإنترنت سواءً كان عن بعد أو في الفصل الدراسي المهم المقصود هو استخدام التقنية بجميع أنواعها في إيصال المعلومة للمتعلم بأقصر وقت وأقل جهد وأكبر فائدة.
ومما سبق نرى أن التعلم الإلكتروني لا يستلزم وجود المباني المدرسية أو الصفوف الدراسية، بل إنه يلغي جميع المكونات المادية للتعليم.
المتعلم إلكترونياً:
كما شاع استخدام مصطلح التعلم الإلكتروني، فقد شاع أيضاً مصطلح المتعلم إلكترونياً. وقد يكون من الضروري الإشارة إلى أن: مصطلح المتعلم إلكترونياً مصطلح غير مستقر، فقد يطلق هذا المصطلح ويراد به المتعلم الحقيقي (Actual Learner)، وقد يطلق ويراد به الوكيل الإلكتروني الذي يحل محل المتعلم في الجلسات التعليمية عند عدم تمكنه من حضورها، أو رفيق الدراسة الإلكتروني، وهؤلاء في الحقيقة ليسوا طلاباً ولا رفقاء حقيقيين، فالوكيل أو الرفيق الإلكتروني هنا عبارة عن برنامج إرشادي وتعليمي ذكي يتفاعل معه المتعلم الحقيقي، ويتشارك معه في الوصول إلى حلول للمشكلات، ويتبادل معه الأدوار، وكما أن هناك متعلماً إلكترونياً فهناك أيضاً المرشد الإلكتروني، مساعد المعلم الشخصي الإلكتروني.
المعلم إلكترونياً:
وهو المعلم الذي يتفاعل مع المتعلم إلكترونياً، ويتولى أعباء الإشراف التعليمي على حسن سير التعلم، وقد يكون هذا المعلم داخل مؤسسة تعليمية أو في المنزل، وغالباً لا يرتبط هذا المعلم بوقت محدد للعمل وإنما يكون تعامله مع المؤسسة التعليمية بعدد المقررات التي يشرف عليها، ويكون مسؤولاً عنها وعن عدد من المتعلمين المسجلين لديه.
ويتداخل التعلم الإلكتروني مع معانٍ أخرى للتعليم تستخدم للوسائط الإلكترونية ومنها:
• التعليم المعتمد على الكمبيوتر Computer Based Learning: وهو التعليم الذي يتم بواسطة الكمبيوتر وبرمجياته ومنها برمجيات التدريس الخصوصي Tutorial Instructional Softwares، والتدريب والممارسة Drill and Practice Softwares ويكون فيه المحتوى مُخزناً عادة على أحد وسائط التخزين مثل الأقراص المدمجة (CD)، وأسطوانات الفيديو (DVD)، والقرص الصلب (Hard Disk) ويتيح هذا النوع من التعليم إمكانية تفاعل الطالب مع المحتوى التعليمي دون التفاعل مع المعلم وأقرانه.
• التعليم المعتمد على الشبكات Network Based Learning: وهو التعليم الذي توظف فيه الشبكات (الشبكة المحلية، وشبكة الويب، والإنترنت) المحتوى للطالب ويتيح له عادة فرصة التفاعل النشط مع المحتوى ومع المعلم والأقران بصورة تزامنية ولا تزامنية، ويندرج تحته فروع أخرى مثل:
- التعليم المعتمد على الشبكة المحلية: والتي توظف فيه الشبكة المحلية LAN في تقديم المحتوى التعليمي للطالب، وتتيح له فرصة التفاعل تزامنياً ولا تزامنياً مع المعلم وأقرانه.
- التعليم المعتمد على الشبكة العنكبوتية (الويب) Web Based Learning: وهو التعليم الذي توظف فيه الشبكة في تقديم المحتوى للطالب وتتيح له فرصة التفاعل تزامنياً ولا تزامنياً مع المعلم وأقرانه.
- التعليم المعتمد على الإنترنت Internet Based Learning: وهو التعليم الذي توظف فيه شبكة الإنترنت، وأدواتها، وتطبيقاتها (الشبكة النسيجية، والبريد الإلكتروني، غرف الحوار، مجموعات الأخبار... إلخ) في تقديم المحتوى التعليمي للطالب وتتيح له فرصة التفاعل تزامنياً ولا تزامنياً مع المعلم وأقرانه.
• التعليم الرقمي Digital Learning: وهو التعليم الذي يتم من خلال وسائط تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية (الكمبيوتر، وشبكاته، شبكة الكابلات التلفزيونية، أقمار البث الفضائي.. إلخ).
• التعليم عن بعد Distance Learning: وهو التعليم الذي يتم من خلال كافة وسائط التعلم سواء التقليدية (المواد المطبوعة، أشرطة التسجيل، الراديو، التلفزيون... إلخ) ويكون فيه الطالب بعيداً مكانياً أو زمنياً أو الاثنين معاً.
الحدود بين أنواع التعليم الإلكتروني
مبادئ التعلم الإلكتروني:
يستند الواقع الإلكتروني في فلسفته إلى عدد من المبادئ تختلف في مفهومها عن المبادئ التي ينطلق منها التعليم التقليدي وهي:
- مبدأ ديمقراطية التعليم.
- مبدأ برمجة التعليم وتفريده.
- مبدأ إثارة الدوافع الذاتية.
- مبدأ تطوير التعليم واستمراريته.
أنماط التفاعل في بيئة التعلم الإلكتروني:
يتمثل التفاعل في بيئة التعليم الإلكتروني في مستويين وهما (المستوى البشرى فقط والمستوى البشري المادي).
أولا: التفاعل على المستوى البشري فقط:
1- معلم- متعلم: هو ذلك النمط من التفاعل الذي يتم بين المعلم والمتعلم بشكل مقصود وموجه قد يكون متزامناً من خلال غرف الدردشة أو غير متزامن من خلال البريد الإلكتروني.
2- معلم- معلم أو مجموعة: هو ما يحدث عند عمل مؤتمرات عبر الكمبيوتر Computer Conference بين مجموعة من المعلمين للتشاور في أحد القضايا التعليمية أو لتبادل الخبرات في بعض الموضوعات الدراسية، ويتم تشجيع المعلمين على الاستفادة من نمو المعرفة في أوساط العلماء من المعلمين.
3- متعلم- متعلم أو مجموعة: هو نمط تفاعلي يتم بين متعلم وآخر أو مجموعة من خلال مجموعات النقاش Discussion Group أو من خلال البريد الإلكتروني ويسمى تعلم الند للند والتفاعل في التحقيق التعلم التعاوني واكتساب المهارات الاجتماعية حيث يتم إرسال واستقبال بعض المعلومات أو الصور النادرة التي يكون الهدف منها المشاركة في خبرات قد لا تتوفر للبعض.
4- معلم - ولي الأمر: هو ذلك التواصل الذي يتم بين المعلم وولي الأمر للتعرف على مستوى الأبناء وإبداء الرأي في بعض المشكلات التعليمية إما من خلال البريد الإلكتروني أو الدردشة.
ثانيا: التفاعل على المستوى البشرى المادي:
أ- المادي (الموضوعي):
1- متعلم - محتوى: هو نوع من التفاعل الذي يتم بين المتعلم والموضوعات (المعارف) التي تقدم إليه حيث تترك له حرية اختيار النقطة التي يبدأ بها دراسته، إضافة إلى إمكانية إعادة صياغة بعض المعلومات بشكل يتناسب مع بنيته المعرفية.
2- معلم – محتوى: هو ذلك التفاعل الذي يتم بين المعلم ومحتوى المقررات الإلكترونية. حيث يتم إعداد موضوعات الدراسة وصياغتها بشكل يلائم طبيعة المتعلمين مع الحرص على التحديث المستمر للمحتوى والتعديل بالحذف والإضافة وفق متطلبات الموقف التعليمي.
ب- المادي (الشكلي):
1- متعلم - واجهة الاستخدام: تعدّ واجهة الاستخدام من أبرز العناصر التي يتم التفاعل معها والاحتكاك بها أثناء التعلم فإما أن تكون سبباً في دعم التعلم أو سبباً في الانصراف عن برنامج التعلم وهذا يتطلب بساطة وجودة في التصميم حتى يتمكن المتعلم من (الإبحار – البحث - التقدم – العودة...) داخل صفحات الموقع.
2- معلم - واجهة الاستخدام: يتفاعل المعلم مع واجهة الاستخدام عند التواصل مع طلابه والردود على الأسئلة وعمل مجموعات نقاش، وتطبيق الاختبارات الإلكترونية، لذا يحتاج إلى واجهة استخدام تعينه على تحقيق ما سبق بسهولة وسرعة.
إيجابيات التعلم الإلكتروني:
للتعلم الإلكتروني العديد من الإيجابيات التي تنعكس بشكل مباشر على الطالب والمجتمع، أهمها:
- إتاحة الفرصة للطالب للجمع بين العمل والدراسة بحيث إنه يستطيع متابعة دراسته أينما كان وفي أي وقت.
- إتاحة تطبيق المفهوم الجديد الذي عُرِف في سوق العمل مؤخراً وهو "التعليم مدى الحياة" والذي يتطلب من العاملين في جميع المستويات القيادية والتنفيذية متابعة التعلم بشكل مستمر لتطوير قدراتهم بهدف مواكبة التطورات في سوق العمل على الصعيدين المحلي والدولي.
- إتاحة مناهج متعددة تضمها الجامعات الافتراضية المختلفة مما يتيح للطالب خيارات متعددة لاختيار أفضل المواد لإتمام المساقات المطلوبة.
- تخفيف العبء المادي المترتب من عمليات الانتقال والإقامة في دول أخرى، إضافة إلى بقاء الطالب في محيطه العائلي والاجتماعي، وإفساح المجال أمام الطالب لاختيار ما يناسبه من تكاليف دراسية.
- التفاعل مع عدد كبير من الطلبة وأعضاء هيئة تدريس من مختلف الجنسيات والخلفيات الحضارية، مما يعطي للطالب خبرة في التعامل مع مختلف الجنسيات مما يؤهله للعمل في سوق عمل مفتوح على مستوى عالمي.
- تعمل مراكز الأبحاث العالمية في الجامعات وشركات تكنولوجيا التعليم على استخدام آخر ما توصلت إليه تكنولوجيا المعلومات والوسائط المتعددة والحقيقة الافتراضية من أجل تطوير مختبرات عملية افتراضية متوفرة للطالب على الإنترنت.
- توفر المراجع عبر الإنترنت، حيث يمكن للطالب الدخول إلى عدد كبير جداً من المكتبات الإلكترونية المتخصصة التي توفرها الجامعات الافتراضية حسب الاختصاصات.
- كما توفر الجامعة الافتراضية الكثير من الخدمات التعليمية والإدارية مثل عملية الإرشاد واختيار التخصص وتوفير فرص العمل.
الصعوبات التي تواجه التعلم الإلكتروني:
على الرغم من المزايا الكثيرة لنظم التعلم الإلكتروني، إلا أنه يعاني من بعض الصعوبات وخاصة في الدول النامية، ومن أبرز هذه الصعوبات:
- النقص الكبير التي تعاني منه مؤسسات التعليم المهني والعالي فيما يتعلق بالتقنيات الرئيسية لمثل هذا النوع من التعليم.
- عدم إطلاع المجتمع (الأسرة، سوق العمل) بشكل صحيح على مفهوم التعلم الإلكتروني والجامعة الافتراضية وإيجابيته، مما ينعكس سلباً على نظرتهم للتعلم الإلكتروني.
- صعوبة اختيار الطالب للاختصاصات والجامعات بسبب الكم الهائل من هذه التخصصات الموجودة عبر الإنترنت وبغياب مرجعية ذات مصداقية وغير منحازة لأي من هذه الجامعات، وعلى علم بحاجات السوق المحلي.
- عدم تمكن الطالب من إتمام عمليات القبول والتسجيل بسهولة بسبب عدم اطلاعه على الأنظمة الجامعية الأمريكية والأوروبية.
- صعوبة تسديد الرسوم والتعامل مع جهات بعيدة وغير معروفة في مسائل مالية حساسة.
- ضعف اللغة الانكليزية واختلاف الثقافات والمفاهيم الحضارية بين الطالب وأعضاء هيئة التدريس مما يجعل التفاعل والتفاهم صعباً ومنقوصاً.
وعلى ضوء ما تقدم ولأهمية التعلم الإلكتروني لا بد أن تعمل الجهات ذات العلاقة على تجاوز معظم هذه الصعوبات، من خلال:
- توفير البنية التحتية والدعم التكنولوجي لإفساح المجال أمام الجامعات والاستثمارات في الدخول بمشاريع في التعليم الافتراضي.
- توعية المجتمع والمؤسسات التعليمية بمفهوم التعلم الإلكتروني والتعلم الافتراضي.
- اعتماد ودعم البرامج التعليمية التي يوفرها هذا النمط من التعليم.
تجارب التعلم الإلكتروني في الجمهورية العربية السورية:
قامت وزارة التربية بالتعاون مع منظمة اليونسكو بخطوة مهمة وضرورية وهي إعداد الاستراتيجية الوطنية لإدخال المعلوماتية في جميع مراحل التعليم ما قبل الجامعي.
ثم قامت وزارة التعليم العالي بإضافة مادة المعلوماتية على إنه مقرر إلزامي يُدرس في الاختصاصات كافة، وأنشأت المختبرات اللغوية للتعلم الإلكتروني للغات ومنها مركز تعليم اللغات التابع لجامعة دمشق الذي يستقطب الطلبة من اختصاصات مختلفة وجنسيات مختلفة، وكذلك الجامعة الافتراضية السورية بوصفها بادرة أثارت دهشة العديد من المتابعين لموضوع التعلم الإلكتروني في المنطقة العربية، حيث أعلنت وزارة التعليم العالي في سورية إطلاقها أول جامعة افتراضية في المنطقة العربية، وهي الوحيدة في المنطقة العربية التي تلقى دعماً حكومياً يتمثل بوزارة التعليم العالي في سورية، وتم الاعتراف بمساقاتها الدراسية من قبل وزارة التعليم العالي في سورية، والعديد من الجامعات العالمية التي ترتبط معها الجامعة الافتراضية السورية بشراكات تعاون أكاديمي، لتقديم خدمات التعلم عن بعد، حيث وقّعت على اتفاقيات شراكة مع (16) جامعة عالمية، جميعها معترف بها دولياً، وتعاقدت الجامعة الافتراضية السورية مع (40) جامعة عالمية من أمريكا وأوروبا تمنح شهادات لحوالي (300) اختصاص سواء في البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة، وتوفر الجامعة الافتراضية للطالب المسجل فيها أستاذاً مشرفاً يتابعه حتى التخرج، كما توفر الجامعة مكتبة إلكترونية تضم حوالي (300) مليون عنوان، وأما رسوم التسجيل فهي تتراوح مابين (4500- 7500) دولار سنوياً وذلك تبعاً للجامعة والاختصاص.
المراجع:
- حسين، سلامة عبد العظيم. 2008. الجودة في التعليم الإلكتروني. دار الجامعة الجديدة. الإسكندرية. مصر.
- حمدان، محمد سعيد والعبيدي، قاسم موسى. 2007. التعليم الإلكتروني المفهوم والخصائص. سلسلة إصدارات الشبكة العربية للتعليم المفتوح والتعليم عن بعد. ط1. عمان. الأردن.
- إبراهيم، جمعة حسن. 2010. أثر التعلم الإلكتروني على تحصيل طلبة دبلوم التأهيل التربوي في مقرر طرائق تدريس علم الأحياء. مجلة جامعة دمشق للعلوم التربوية والنفسية. مجلد 26، العدد الأول + الثاني.
المصدر : الباحثون العدد 69 أذار 2013