يقتضي منّا هذا البحث أن نقف على التطور القانوني لهذه الجرائم لأن القاعدة القانونية هي دائماً انعكاس لإحساس المجتمع لظاهرة ما تحل بنظامه أو تهدد أمنه وسلامته، فيهب المشرع لتحريم الفعل ثم يضع الخبراء على مخالفته، وبذا تتكون القاعدة القانونية.
فالظاهرة التي تكون المشكلة هي دوماً أسبق تاريخياً على القاعدة القانونية تمتزج بها تكويناً بحيث لا يبدو على مر الأيام إلا القاعدة القانونية، فإذا تتبعنا التشريع الذي حاصر هذه المشكلة منذ البداية أمكننا تحديد السياسة التشريعية في مختلف الأوقات الماضية حتى ظهور السياسة الجنائية في مواجهة مشكلة المخدرات ورسم السياسة التشريعية لمعالجة المشكلة حاضراً ومستقبلاً.
إن الغاية من تشريع قانون المخدرات هي مكافحة الاتصال غير المشروع بالمواد المخدرة، والمواد المخدرة أنواع متعددة منها طبيعية وأخرى تصنيعية، وعددها يتجاوز مئة نوع، كما أن هناك موادّ أخرى تتشابه مع المواد المخدرة بخصائصها وآثارها.
إن غالبية التشريعات سواء كانت دولية (1)، أو محلية تفادت تعريف المادة المخدرة وعمدت إلى حصر المواد المخدرة في جداول تلحق بالقانون، بينما نجد بعض التشريعات ذهبت إلى ذكر صفة المخدر التي تلحق بالمادة وتترك للقاضي حرية التقدير في تحديد طبيعة المادة المخدرة على ضوء ما يثبت له نتيجة لإجراء التحليلات من قبل الخبراء (2).
ونجد لكل من المسلكين محاسنه ومساوئه، فبالنسبة للمسلك الأول أي حصر المواد المخدرة في جدول تلحق بالقانون فإنه يمتاز بالوضوح والتحديد لأن الحكم الجنائي في جوهره أمر أو نهي، ويجب أن يكون هذا الأمر والنهي واضحاً محدداً لا يقبل التأويل ولا الغموض وخاصة فيما يتعلق بموضوع هام مثل جرائم المخدرات.
أما الطريقة الأخرى والتي تكتفي ببيان صفة (المخدر) التي تلحق بالمادة، فإنها تعطي للقاضي الحق في التقدير عند تحديده طبيعة المادة ويستطيع الاستعانة بالخبراء والاستناد إلى نتيجة التحاليل، وهكذا تتميز هذه التشريعات بأنها تحقق الحماية الكاملة بتحريم كل المواد المخدرة، فلا يتقيد القاضي فهو يحكم متى ثبت لديه إنها مادة مخدرة.
وتتجه أغلب التشريعات الحديثة إلى حصر المواد المخدرة في جداول تلحق بالقانون، فقد نهج كل من المشرِّعَين المصري والليبي هذا النهج، كما ذهبت الاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 الموقع عليها في نيويورك بتاريخ 3/3/1961 إلى اتباع هذه الطريقة في بيانها للمواد المخدرة.
وقد حذا المشرِّع العراقي حذو الآخرين باتباعه طريقة حصر المواد المخدرة في جداول تلحق بالقانون، ولم يعرف المخدر في قانون المخدرات رقم 68 لسنة 1965 تعديل الجداول من حين إلى آخر وفقاً لأحكام المادة الثالثة عشرة (3).
ولدى البحث والرجوع إلى الكثير من المراجع والمؤلفات التي تناولت موضوع المخدرات لم نجد تعريفاً عاماً جامعاً يوضح المادة المخدرة، ولكن يذهب الدكتور عوض محمد في كتابه، جرائم المخدرات والتهريب الجمركي والنقدي الصادر في عام 1966 في تعريفه للمادة المخدرة إلى القول إن "المادة المخدرة كل مادة تُحدث في جسم الإنسان تأثيراً من نوع خاص، له أعراض معيّنة حددتها مؤلفات الطب سواء تناولها الإنسان عن طريق الفم أو الأنف أو بالحقن أو عن طريق آخر، ولما كانت المواد المخدرة جميعها سواء كانت طبيعية أو تصنيعية تشترك في خاصية واحدة.
هي خاصية التخدير، وتتمثل خاصية التخدير في أنها إما أن تكون منبّهة أو مسكنة وتنطوي هذه الخاصية على أضرار تصيب الفرد نفسياً وجسمياً واجتماعياً، وفي ضوء هذا التحديد يمكن تعريف المادة المخدرة بأنها "كل مادة منبهة أو مسكنة تؤثر في الفرد تأثير ضاراً نفسياً وجسمياً واجتماعياً واقتصادياً" لأن هذه المواد تنطوي جميعها على الإضرار بالفرد والمجتمع، لذلك نرى أن ما ينطوي من أضرار مادة الحشيشة المخدرة مثلاً من الناحية النفسية على الفرد المتعاطي لها إلى اضطراب الإدراك الحسي وبخاصة فيما يتطابق بالحواس السمعية والبصرية حيث تتعرض الحاستان للحساسية الشديدة ومن ثم يحدث التحريف في المدركات، كما أنه يؤدي إلى التشتت في الأفكار وضعف التركيز أو حصر الانتباه وبطء التفكير وصعوبته أحياناً، ويخلق حاله انفعالية أو وجدانية معينة توصف أحياناً بالشعور بالرضا كما توصف بالسرور والمرح والسعادة وهذه الحالات رغم أنها تجلب المتعة والسرور للمتعاطي إلا أنها مؤقتة وتعمل على تدمير الشخصية.
أما الأضرار الجسمية فهي جفاف بالفم والحلق، دوار أو تطبيق بالأذن وهبوط النشاط الحيوي وانخفاض المستوى الوظيفي لكافة أجهزة الجسم الفسيولوجية وأضرار تلحق بالجلد والأسنان والمسالك النفسية والجهاز الهضمي.
وكذلك هناك أضرار اجتماعية بأنها تجعل من الفرد عنصراً خاملاً مريضاً لا نفع له للمجتمع. وتساعد على انتشار الجرائم وخاصة جرائم السرقات والجرائم الجنسية ومتى انتشر تعاطي المخدر وابتلي المجتمع به أدى إلى تأخره وتخلفه عن ركب الحضارة والتقدم.
ولابد لنا ونحن بصدد التعريف بالمخدرات أن نبيّن مفهوم تعاطي وإدمان المخدرات، حيث أن هذين المصطلحين أصبحا رديفين للدلالة على المخدرات، فعندما يقال تعاطٍ أو إدمان، يفهم من ذلك تعاطي المخدرات أو الإدمان عليها.
وينشأ التعاطي عن التعود على المادة المخدرة، والعادة بصورة عامة هي مجرد سنّة مطردة يتبعها الأفراد اتباعاً لا يقوم على دافع إلزامي في ضرورة مراعاتها والعمل بموجبها، وإنما هو محض اتباع اختياري من جانبهم يُدفعون إليه، إما بدافع الإحساس بضرورة هذه العادة وإما بدافع الاستحسان لها وإما بدافع التقليد لغيرهم في اتباعها. ويعرف الدكتور هارلد شراياك العادة بأنها أسلوب من التفكير أو السلوك وتأتي بعملها تلقائياً بعد مدة من نشوئها وتطورها، فإذا ما كرر الشخص تناول المادة المخدرة فإنه يتعود عليها، ومتى تعود ينشأ عنده بالإضافة إلى عامل التكرار عوامل تحمله بدورها على الاستمرار في تناولها، وهذه العوامل تعود إلى خاصية المادة المخدرة نفسها، وخاصية المادة المخدرة هي إنها إما منشطة أو مهبطة لمراكز الجملة العصبية، وهكذا كلما انتهى مفعول المادة المخدرة فإن الشخص يبحث عنه ليعيد إليه انتعاشه ونسيانه للهموم. وهكذا يصبح من المتعاطين.. إذن فالتعاطي مرحلة لاحقة على الاعتياد سببها عامل التكرار وحاجة إلى المادة المخدرة، حيث تؤدي إلى رغبة نفسية ملحة نحو تعاطي المخدرات.
ومجموعة المخدرات المنشطة هي على سبيل المثال وليس الحصر الكوكايين والبنزدرين ومشتقاته والمكالين، أما مجموعة المخدرات المسكنة هي الأفيون ومستحضراته ومشتقاته مثل الأفيون الخام والمحبب والبودرة والسائل، ومشتقات الأفيون هي المورفين والهيروين والكوادايين، وكذلك مجموعة حمض الباربيتريك وبرميدات.
أما التعريف الشائع للإدمان على المخدرات فقد عرّفه الدكتور سعد المغربي في الندوة الدولية العربية حول ظاهرة تعاطي المخدرات في القاهرة عام 1971 أنه "حالة تسمم دورية أو مزمنة تلحق الضرر بالفرد والمجتمع وتنتج من تكرار تعاطي عقار طبيعي أو مصنوع".
ولقد حاول الدكتور سعد المغربي بعد أن أورد التعريف المذكور، أن يوضح المقصود من الإدمان، فأضاف إلى تعريف الإدمان، خصائص الإدمان، وأردف يقول: وتتضمن مميزات الإدمان ما يأتي:
1- رغبة غلّابة أو حاجة قهرية للاستمرار في تعاطي العقار والحصول عليه بأية طريقة.
2- ميل إلى زيادة الجرعة المتعاطاة من العقار.
3- اعتماد نفسي (سيكولوجي) وجسماني بوجه عام على آثار العقار.
4- تأثير ضار بالفرد والمجتمع.
ويصف فؤاد القوس حالة منع الهروين عن أحد مدمنيه فيقول: بعد 12 ساعة تقريباً من آخر جرعة تبدأ اليدان بالارتجاف، ويبدأ التعرق وتدمع العينان ويسيل الأنف بشدة ثم يتغير بؤبؤ العين ويقف شعر الجسم أما الجلد فيغدو كجلد الطير المذبوح ويبرد الجسم ثم يزداد حبيب الأنف وتبدأ الأمعاء بالتقلص، ويبدأ الألم الحقيقي الذي لا يحتمله بشر، ثم تنتابه نوبات من الإسهال العنيف ونوبات من الإقياء الشديدة ويترشح القيء أحياناً بشيء من الدماء نتيجة الاحتقان والتشنج وتأخذ عضلات البطن بالتقلص، ثم يزداد المغص والتشنج فيبكي ويصرخ ويستنجد ويستعطف وتستمر هذه الأعراض أسبوعاً وأكثر، وقد يموت الشخص.
وجاء في تقرير لمنظمة الصحة العالمية تحت عنوان الصحة النفسية عند الشباب والمراهقين حول الإدمان "إن مشكلة الإدمان على المخدرات والمشروبات الكحولية عند الشباب والمراهقين مشكلة خطيرة جداً في كثير من بلدان العالم، ومشكلة الإدمان على الكحول تكاد أن تكون عالمية، أما مشكلة الإدمان على المخدرات فتختلف من بلد إلى آخر كما تتفاوت في الحجم والخطورة ومن غير المعقول أن يقال هناك بلد في العالم منيع على هذه العدوى؛ إن جميع بلدان العالم عرضة لأن تقع في نفس المشكلة إن لم تكن لديها مشكلة بالفعل ولنأخذ مثلاً بلاد السويد، هذه البلاد لم تكن تعرف مشكلة المخدرات، وفجأة وفي سنوات برزت هذه المأساة لديها وتبيّن أنها خطيرة جداً وصعبة الحل، خصوصاً تلك المخدرات التي تؤخذ حقناً في الوريد، وفي الوقت نفسه ظهرت مشكلة الإدمان على الأفيون ومشتقاته في بريطانيا بالإضافة على الإدمان على الحشيش".
لقد اجتمعت التشريعات المختلفة على تحريم المواد المخدرة وحظرت استخدامها إلا للأعراض الطبية والعلمية وبترخيص قانوني.
ولأجل الوقوف على التطورات التي طرأت على هذه التشريعات من حيث تجريم المواد المخدرة ومن حيث العقوبة فنبدأ بتسليط الضوء على التطور القانوني لجرائم المخدرات في الشريعة الإسلامية، حيث أثار الجدل حول موقف الشريعة الإسلامية من المخدرات، فذهب البعض إلى القول بأنها غير محرمة شرعاً لعدم ورود نص أو حديث نبوي بتحريمها. وذهب الآخرون إلى أنها محرمة بالقياس على الخمر.
ولا يمكننا أن نقف على مفهوم المخدرات في الشريعة الإسلامية إلا بعد أن نحدد مفهوم الخمر في الشريعة الإسلامية، وبعد الرجوع إلى القرآن الكريم وردت أربع آيات في القرآن الكريم تتعلق بأحكام الخمر، حيث قال تعالى: (من ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً، إن في ذلك لآية لقوم يعقلون)(4)، وقال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما)(5)، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعملوا ما تقولون)(6)، وقال تعالى: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون)(7).
وقد وردت في حكم الخمر أحاديث نبوية عديدة، واختلفت في روايتها، كما اختلفت الفقهاء المؤسسون للمذاهب الفقهية في القرنين الثاني والثالث الهجري في الأخذ بها، ولكننا نورد أهم هذه الأحاديث والتي تتعلق بحكم الخمر وهي ثلاثة:
1- حديث "ما أسكر كثيرُه، فقليله حرام" الذي ورد في كتاب التاج للأصول في أحاديث الرسول (صلى الله عليه وسلم)، للشيخ منصور علي ناصف.
2- حديث "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" الذي ورد في تفسير الرازي في الجزء الثاني.
3- حديث "كل مسكر حرام" الذي ورد في سنن ابن ماجة تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي في الجزء الثاني، بالإضافة إلى ما تقدم فقد تداول الفقهاء عبر السنين أحاديث نبوية كثيرة عن حكم الخمر في الشريعة الإسلامية، قسم منها مستمرة وأخرى قد أدخل عليها بعض التحريف.
أما في كتب الفقه، لقد عالج معظم الفقهاء الموضوعات التي تتعلق بحكم الخمر والأنبذة والنباتات المخدرة في (كتاب الأشربة)(8)، أو (كتاب الطعام والشراب)(9) وفي (كتاب حد الخمر) (10)، و(كتاب حد السكر)(11)، أو في (باب حد الشرب)(12).
وتعريف الخمر بعد الإجماع بين الفقهاء القدامى، فيما عدا أبي حنيفة ومعظم أصحابه في أن الخمر هو "كل شراب خامر العقل فستره وغطى عليه)(13)، وعلى ذلك فكل شراب يؤدي إلى السكر فهو خمر عندهم، وهو حرام.
أما أبو حنيفة ومن تابعه من بعض أصحابه الأوائل فالخمر عندهم من (ماء العنب) فقط وهو حرام، ولا يحرم من باقي الأشربة أو الأنبذة إلا ما أسكر، والأنبذة هو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذاك وسواء كان مسكراً أو غير مسكر فإنه يقال له نبيذ(14)، وحين يسكر فقط، حيث جاء في المبسوط للرخي بأنه: عرف الفقهاء حالة السكر بأنها الهذيان وعدم التمييز بين الرجل والمرأة والسكر عند أبي حنيفة أن لا يعرف الأرض من السماء ولا الأنثى من الذكر ولا نفسه من الحمار، وعند أبي يوسف ومحمد أن يختلط كلامه فلا يستقر في خطاب ولا جواب، واعتبر العرف في ذلك فإن من اختلط كلامه بالشرب يسمى سكران في الناس إلا أن المتأخرين من فقهاء المذهب الحنفي قد عدلوا عن رأي أبي حنيفة وأصحابه وأخذوا برأي محمد صاحب أبي حنيفة الذي يتفق مع رأي جمهور الفقهاء.
وعرف القرطبي الخمر في كتابه الجامع لأحكام القرآن بقوله: "والخمر ماء العنب الذي غُلي أو طبخ وما خامر العقل من غيره فهو في حكمه"، وقد أجمل القرطبي الخلاصة بين جمهور الفقهاء من جميع المذاهب، وبعض فقهاء المذهب الحنفي، فقال "والجمهور من الأمة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب، فمحرم قليله وكثيره والحد في ذلك واجب".
ونلاحظ هنا أن القرطبي قد حصر الموضوع عن المسكر من غير خمر العنب لأنه موضع الخلاف، وأما خمر العنب فالإجماع تام على تحريمها، لذلك استقر الرأي عند الفقهاء كما تبيّن على أن الخمر هو "كل شراب خامر العقل فستره وغطى عليه" وهو محرم بالإجماع والحد في ذلك واجب.
أما التطور في أحكام المخدرات فإنها لم تكن معروفة قبل نزول القرآن وفي عهد الرسول، كما لم تكن معروفة في عصر الخلفاء والأئمة المؤسسين للمذاهب الفقهية لذا لا نجد أية أحكام خاصة بالمخدرات في تلك العصور، ويقول ابن عابدين في حاشية ابن عابدين، الجزء الخامس "سئل شمس الأئمة المسرحي عن النبج وحرمته وهو الحشيش، فقال لم ينقل عن أبي حنيفة شيء إذ لم تشتهر في زمانه فبقي على الإباحة، ولم يرد عن السلف فيه شيء إلى زمان المزني تلميذ الإمام الشافعي "وأضاف ابن عابدين قائلاً: "دائماً لم يتكلم فيها (الحشيش) الأئمة الأربعة لأنها لم تكن في زمنهم".
وقد ظهرت النباتات المخدرة في القرن الثالث عشر الميلادي، وتحدث الفقهاء عن الكثير من هذه النباتات، حيث يقول ابن تيمية في كتاب شرح الخطاب على مختصر خليل الجزء الثالث "دائماً ظهر في الناس أكلها (أي الحشيشة) قريباً من نحو ظهور التتار" ويذكر ابن عابدين أن الحشيشة ظهرت في آخر المئة السادسة وأولى المئة السابعة حين ظهرت دولة التتار.
فذكر كل منهم ما عرف في بلده ووجد في عصره، وبعد أن انتشرت هذه النباتات المخدرة وكثرت استعمالاتها ظهرت أخطارها وأضرارها وتبيّن أنها لا تقل في آثارها عن المشروبات والأنبذة إن لم تزد عليها.
وكان لابد من مواجهة أخطار هذه النباتات المخدرة والحد من انتشارها ومنع الناس من استعمالها، فثارت التساؤلات حولها، هل أنها محرمة أم لا.
ونستطيع أن نقسّم التطورات التي طرأت على أحكام المخدرات إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى، حكم المخدرات هو الإباحة.
تبدأ هذه المرحلة في بداية انتشار استعمال النباتات المخدرة وظهور آثارها واحتار الناس في أمرها هل هي محرمة أم لا، حيث لا توجد أية أحكام تتعلق بأمر هذه النباتات، ولم ينقل عن الأئمة مؤسسي المذاهب الفقهية شيء بصدد حكمها، ولكن بعد أن تفاقم الأمر وازداد انتشار النباتات المخدرة، وأخذت تهدد المجتمع نجد أن الفقهاء أفتوا بتحريمها قياساً على الخمر، ولكنهم ذهبوا إلى أن حكم المخدرات هو دون حكم الخمر.
المرحلة الثانية- حكم المخدرات دون حكم الخمر
ذهب الفقهاء في هذه المرحلة إلى أن المخدرات محرمة ولكن حكمها دون حكم الخمر حيث قال ابن عابدين بعد أن ذكر أن أكل النبج والحشيشة والأفيون حرام ولكن دون حرمة الخمر فإن أكل شيئاً من ذلك لا حدّ عليه وإن سكر منه بل يقرب دون الحد.
ويذهب ابن تيمية إلى القول: "وأما تعاطي النبيج الذي لم يسكر ولم يغيّب العقل ففيه التعزير"، وجاء في الروض النضير، للضعاني "إسكار الخمر يتولد عنه النشوة والنشاط والطرب والحمية، والسكران بالحشيشة وغيرها يكون فيه ضد ذلك فيتقرر من ذلك أنها تحرم لمضرتها للعقل ودخولها في المفتى عنه، ولا يجب الحد على متعاطيها، لأن قياسها على الخمر قياس مع الفارق، مع انتقاء بعض أوصافه.
المرحلة الثالثة- حكم المخدرات هو حكم الخمر
وفي هذه المرحلة ذهب الفقهاء إلى التشديد في أحكام المخدرات وكان ذلك نتيجة لما اتضح بأن خطورة المخدرات لا تقل، إن لم تزد، عن خطورة المشروبات والأنبذة، وبغية المحافظة على روح الشريعة الإسلامية وكيان المجتمع ا لإسلامي اجتهد الفقهاء وقالوا بأن حكم المخدرات هو نفس حكم المسكرات.
حيث يقول الخطابي وتخصيص الأمر بهذه الأشياء الخمسة، حيث جاء عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) أنه قال على المنبر، منبر النبي (ص) إن الله حرم الخمر وهي من خمسة أشياء من الحنطة والشعير والعنب والتمر والزبيب. والخمر ما خامر العقل، ليس لأجل أن الخمر لا يكون إلا من هذه الخمس بأعيانها، وإنما جرى ذكرها خصوصاً لكونها معهودة في ذلك الزمان، فكل ما كان في معناها من ذرة أو سلت أو عصارة شجرة فحكمها حكم هذه الخمسة.
وقد بلغ التطور في تحريم المخدرات في الشريعة الإسلامية أوجه في فتوى صدرت عن دار الإفتاء المصرية حيث شمل التحريم جميع المواد المخدرة وتعاطيها والاتجار بها وزراعتها.
هوامش:
1- الاتفاقيات الدولية تفادت تعريف المادة المخدرة واكتفت بتصنيفها في جداول ملحقة بالاتفاقية.
2- وهذا ما ذهب إليه المشرع الليبي عند إصدار قانون العقوبات سنة 1953 حيث نص في المادتين 311- 312 على المواد المخدرة دون أن يضع جداول يحصر فيها ما بعد مادة مخدرة.
3- تنص المادة الثالثة عشرة من قانون المخدرات رقم 68 لسنة 1965 على أن لوزير الصحة إصدار البيانات اللازمة لفرض تسهيل تنفيذ هذا القانون أو تعديل الجداول الملحقة بها.
4- سورة النخل، الآية 67.
5- سورة البقرة، الآية رقم 218.
6- سورة النساء، الآية 42.
7- سورة المائدة، الآية 9.
8- انظر، صحيح المسلم، مطبوعات صبيح، الجزء السادس، ص 58.
9- انظر، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد القرطبي، مطبعة صبيح، الجزء الأول، ص373.
10- انظر، الروض الغفيرة، لصفاقي، مطبعة السعادة 1349هـ، الجزء الثالث، ص149.
11- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، للدرديري الجزء 4 ص352.
12- الفتاوى الكبرى، لابن تيمية، دار الكتب الحديثة، الجزء 4، ص300.
13- انظر، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، مصر، 1373هـ- 1954م، الجزء الثاني ص 356.
المصدر : الباحثون العدد 70 نيسان 2013