المهندس فايز فوق العادة
تفضي التجارب التي يجريها العلماء بشكل مستمر إلى زيادة مطردة في عدد الجسيمات الأولية المكتشفة.. يعمد العلماء إلى تصنيف هذه الجسيمات بهدف إلقاء الضوء على الارتباطات القائمة بينها.
ظن العلماء في عشرينات القرن الماضي أن عدداً محدوداً من الجسيمات الأولية يشكل القاعدة الأساسية لبنيان المادة. كانت الجسيمات المعروفة إذ ذاك: البروتون والإلكترون والفوتون إن الفوتون هو جسيم طاقة. تتميز الجسيمات المذكورة بكونها جسيمات مستقرة. نشير هنا إلى حقيقة أن النيوترون يحافظ على استقراره داخل النواة، أما النيوترون الحر فإنه يتحلل عبر تفاعل بيتا إلى بروتون وإلكترون ونيوترينو مضاد. لم تعد الجسيمات المكونة للمادة محدودة العدد وفق الرؤية المعاصرة، لقد هيأت المعجلات الجسيمية الضخمة لتوليد طيف واسع من الجسيمات، وتجاوز عدد الجسيمات المكتشفة مئة جسيم.
يلجأ العلماء إلى التناظرات التي توفرها الفيزياء بهدف تصنيف الجسيمات الأولية، نذكر في هذا السياق أن الجسيمات تصنف في نوعين. إن كان اللف الذاتي للجسيم عدداً صحيحاً دعي الجسيم بوزوناً. أما إن كان اللف الذاتي للجسيم عدداً كسرياً عادياً سُمي الجسيم فرميوناً.
تتشكل جسيمات نواة الذرة بفعل قوة متميزة من قوى الطبيعة هي القوة النووية الشديدة.
نخلص من هذه الحقيقة إلى تصنيف للجسيمات.
إن الفرميونات التي لا تشارك بأفعال القوة النووية الشديدة تصنف باعتبارها ليبتونات.
تُعرف الفرميونات التي تخضع للقوة النووية الشديدة بالباريونات. يُنظر إلى البروتون والنيوترون باعتبارهما أبسط الباريونات. إن الإلكترون والميون هما أبسط الليبتونات. تنتمي جسيمات أخرى إلى قائمتي الهادرونات والليبتونات.
لا تقف آليات التصنيف عند هذا الحد
إن مراجعة الأرقام الكوانتية للجسيمات وقوانين الانحفاظ الخاصة بها تفتح مجالاً واسعاً لتوسيع التصنيف وتوظيف آليات رياضية بغية تثبيته في صيغ متماسكة محددة. إذا تحدثنا عن الأرقام الكوانتية فعلينا أن نتعود أسلوباً جديداً في التناول يتجاوز ما تقدمه المعلومات الحسية المباشرة. نتحدث عادة عن الشحنة الكهربائية، لكن أحداً لا يدري ما الذي يعنيه هذا الحديث بالضبط. هكذا تحول العلماء إلى القبول بالشحنة الكهربائية على أنها مفهوم مجرد يعبر عنه بأعداد وعلاقات.
إن الشحنة الكهربائية هي رقم كوانتي وهي تشارك الأرقام الكوانتية المختلفة طبيعتها المجردة. ترتبط الأرقام الكوانتية بقوانين انحفاظ خاصة بها كما هو الحال في القانون الخاص بانحفاظ الشحنات الكهربائية. نتوقف على سبيل المثال وليس الحصر عند رقم كوانتي آخر هو الشحنة الباريونية. يمتلك كل من البروتون والنيوترون شحنة باريونية تطابق الواحد الصحيح. أما الشحنة الباريونية للإلكترون فهي تساوي الصفر. توجد بالمثل شحنة ليبتونية. يستنتج المتابع مباشرة أن الشحنة الليبتونية لكل من البروتون والنيوترون معدومة، في حين يربط العلماء بالإلكترون شحنة ليبتونية تكافئ الواحد.
تتحكم قوانين الانحفاظ لمختلف الأرقام الكوانتية بتوجه التفاعلات المختلفة وإمكانية بعضها واستحالة البعض الآخر نتطرق هنا إلى ذرة الهيدروجين التي تتكون من نواة تضم بروتوناً واحداً ومن إلكترون يدور حول النواة. إذا شئنا توخي الدقة نقول إن الإلكترون لا يدور حول النواة بل يتواجد في سوية طاقية معينة منتشراً في هيئة موجة واقفة أشبه بموجات الهواء ضمن آلات النفخ الموسيقية والتي تتكون من عقد وبطون. نلاحظ موجات مشابهة إذا ثبتنا قطعة مطاط إلى جدار ثم قمنا بشدها من طرفها الحر وضربناها ضربة خفيفة عند إحدى نقاطها، سرعان ما تنتشر على امتداد قطعة المطاط موجات واقفة مكونة من عقد وبطون. قد تبدو صورة الإلكترون المنتشر حول النواة في هيئة عقد وبطون منافية لما هو مألوف، لكن العلم، وهو نهج متجدد، يواجهنا على الدوام بأطروحات تبدو غير معقولة كي نزيد من دهشتنا.
ما علاقة مسألة ذرة الهيدروجين بقوانين انحفاظ الأرقام الكوانتية؟ نظراً لأن الإلكترون يمتلك شحنة كهربائية سالبة بينما يمتلك البروتون بالمقابل شحنة كهربائية موجبة فقد يتساءل البعض ما الذي يمنع اندثار البروتون مع الإلكترون وتحولهما إلى جسيمي طاقة. إن جسيمي الطاقة لا يملكان أية شحنة كهربائية، بالمثل إن مجموع شحنتي البروتون والإلكترون يكافئ الصفر، نعني هنا بالطبع الشحنتين الكهربائيتين البروتون والإلكترون. بكلمات أخرى، إن قانون انحفاظ الشحنات الكهربائية لا يمنع من حيث المبدأ حدوث الاندثار المشار إليه، إذا عدنا إلى قوانين الانحفاظ في الميكانيكا التقليدي خاصة قانون انحفاظ الطاقة وقانون انحفاظ كمية الحركة، نجد أن كلا القانونين يسمحان بحدوث الاندثار المذكور. لكن الاندثار لا يحدث، ولو حدث لما كنا موجودين ولما كان الكون موجوداً، إن الذي يحول دون الاندثار هو قانون انحفاظ الشحنة الباريونية، تساوي الشحنة الباريونية للبروتون الواحد الصحيح بينما الشحنة الباريونية للإلكترون صفر.
هكذا يكون إجمالي الشحنة الباريونية للجسيمين المندثرين مطابقاً الواحد. أما جسيمي الطاقة المتخلفين عن الاندثار فليست لهما شحنة باريونية، يعني ما تقدم أن تفاعل الاندثار قيد البحث يخرق قانون انحفاظ الشحنة الباريونية بالتالي إنه تفاعل مستحيل الحدوث، يمنع قانون انحفاظ الشحنة الليبتونية تحلل النيوترون إلى بروتون وإلكترون بينما تسمح قوانين أخرى بحدوثه، طبعاً لا يقع مثل هذا التحلل أبداً لأن الشحنة الليبتونية للنيوترون معدومة، بينما إجمالي الشحنة الليبتونية لناتجي التفاعل يساوي الواحد، حيث أن الشحنة الليبتونية للبروتون معدومة، بينما الشحنة الليبتونية للإلكترون تطابق الواحد.
نستعرض فيما يلي بعض الأرقام الكوانتية، هناك اللف الذاتي المعياري ومسقطه على محور معتمد، طرح العلماء رقماً كوانتياً غريباً هو رقم الغرابة، يوجد رقم كوانتي يدعى الشحنة الفائقة، تساوي الشحنة الفائقة مجموع الشحنة الباريونية وشحنة الغرابة. أما الشحنة الكهربائية فتساوي مجموع مسقط اللف الذاتي المعياري على أحد المحاور ونصف الشحنة الفائقة إن الطاقة بحد ذاتها هي شحنة تمثلها الكتلة.
تفيد قوانين الانحفاظ الخاصة بالأرقام الكوانتية في التنبؤ بإمكانية أو استحالة تفاعل معين.
يأخذ العلماء بمبدأ عقلي هو مبدأ البساطة
يقرر المبدأ أن الأبسط هو الأصح، هكذا لا نستطيع القبول بفكرة أن كل الجسيمات المكتشفة أولية بمعنى أن كلاً منها لا يتكون بدوره من مركبات أصغر، إن البحث وفق هذا النهج قد لا ينتهي عند حد، لكن التصنيف الذي يعتمد قوانين التناظر يوجه إلى احتمالات معينة خاصة بالمكونات الأدنى، نذكر الكواركات من المكونات الأدنى، حيث تتكون الجسيمات في النواة كالبروتون والنيوترون والميزون من الكواركات.
نراجع في عجالة تاريخ الفصل من علم الفيزياء الخاص بالجسيمات الأولية، اكتشف العالم ويلهلم رونتجن عام 1895 الأشعة السينية وتلاه العالم هنري بيكريل باكتشاف النشاط الإشعاعي عام 1896. في غضون سنوات قليلة استطاع بيير كوري وزوجته ماري كوري عزل عنصرين مشعين، اكتشف ثومسون عام 1897 الإلكترون وأثبت أن الذرات تحتوي إلكترونات، أسهم ماكس بلانك عام 1900 بفهم طبيعة الضوء. أما نظرية النسبية الخاصة لأينشتاين والتي أعلنت عام 1905 فقد كشفت عن تكافؤ المادة والطاقة وأن تفسح المجال لفهم أعمق لعالم الجسيمات الأولية، أثبت أرنست روذرفورد عام 1911 أن الذرة معظمها فضاء فارغ وأن الجزء الأكبر من كتلتها يتركز في نواتها، تلاه نيلز بور بصياغة نموذج لذرة الهيدروجين، أبدع هنري موسلي عام 1913 طريقة جديدة تفيد بتحديد عدد الإلكترون في الذرة.
أكد روذرفورد عام 1919 أن نواة الذرة تتكون من جسيمات أصغر منها وأن البروتونات تسهم في ذلك التكوين، أضاف روذرفورد فكرة مفادها أن العناصر يمكن أن يتحول أحدها إلى الآخر أثبت جيمس شادويك عام 1932 أن النواة تضم نوعاً آخر من الجسيمات إلى جانب البروتونات هي النيوترونات. تعرف العلماء إلى الجسيمات المضادة وبنوا ذرة مضادة تقبع في نواتها بروتونات سالبة الشحنات وحولها إلكترونات موجبة الشحنات.
ذهبت تصورات العلماء بعيداً إلى طرح نموذج لذرة نواتها إلكترون موجب ويوجد بالقرب من النواة إلكترون سالب، تسهم المعجلات الجسيمية في تقريبنا أكثر من حقيقة الجسيمات الأولية.
المراجع:
1- فايز فوق العادة (ترجمة): أزمة الطاقة والدراسات الكونية: 1992: دار المعرفة: دمشق.
2- Robert l.forward, joel davis: mirror matter: 1988: wiley: new york.
3- j.e. dodd: the ideas of particale physics: 1984: Cambridge university press: London.
4- walter greiner: quantum mechanics (anintrduction): 1994 berlin.
المصدر : الباحثون العدد 70 نيسان 2013