أبشع ما عند المفردات اللغوية التنكير.. وأصابع الأم جوليا لا تحتفل كثيراً بـ الـ(مناكير) لأظافرها.. وفي العلاقات العشقية النكرات تُشبه كثيراً الأحذية الشعبية المغشوشة التي تتفكك وعُورتها بسرعة أمام الوحل ووعورة الدروب.. تنسى أن عليها أن تتمسك بحقوق القسوة وشدة الجلد والخيوط، فنسقط في خديعة التراخي أولاً، ثم تتحلل من مواثيقها وارتباطاتها.. وجع كاسر التحلل والهرب من التماسك والانحراف عن مسارات الثقة التي بين الحال والحال ومرادات الحياة المرجوة.. النكرات خيبات بشرية.. والمعارف آمالٌ بشرية.. والنساء بكامل عذوبتهن قصائد النعومة، والرجال مخطوطات وتدوينات... أبو هلال لم يجد عنده رغبة النكرات، وأبوه الجدير بالثقة أكسبه مهارة حلوة في مقارعة الانحطاط والصغار:
لا تقبل أن تكسر شوكتك من أجل كذبة أو وردة ليست قابلة للعطر والورد.. اعتذر يا ولدي عن النكرات التي في جسدك وروحك ما أمكنك الاعتذار.. الكراهية نكرة ووحشة بال لا تُفسح لها المجال لتسطو على بساتين ذاتك ودنياك الضيّقة والواسعة.. واحترف فنَّ العلو.. الخالق عليٌّ قدير، ومحبٌّ منير.. والمخلوق إبداع من إبداعات الأعلى المحب المنير القدير..
الزهو معرفة، لكن لا تدعه يسرقك من وعيك ورأفتك وأيامك وأمنيات عيشك الموقرة والراجعة إلى الرُّشد.. الأمنية واحدة من المعارف المغرورة يخطر على بالها خواطر بعيدة المدى والصدى..
الطمع نكرة.. وتصير نكرة النكرات إذا قرنها أصحابها بالجوع الشديد.. ويتلون ويتلوى.. جوع النفوس جاهز وتفصيل كالألبسة والعباءات.. وكالمناديل: منديل منسوج لأية جديلة وأية نسمة، ومنديل فيه ما فيه من العناية والرعاية وتدابير الأنامل والقلب..).
أبو هلال، كما يروق للجيران ولصاحب مطعم الجبل تسميته: متعهد حب ومهندس أشواق و(متعقّب) علاقات غرامية وعواطف مبنية للمجهول، أو فاقدة للسلامة القانونية والصلاحية.. لكنه يفعل ما بوسعه لإنجاحها.. يُحبّ النجاح أو التأمل..
لا يود المغامرة الجانحة للسقوط.. ولا ينجرّ وراء الأبهات الضارية والأقاويل.. يُحلل ويُؤوّل ويفلسف الأمور بشهامة وبساطة ككروم الزيتون والمطر المناسب.. بيته معرفة ووراثة عاطفية ووجدانية واجتماعية ووطن في أعالي تلة ذكريات وزمن وأهل وأحباب جاؤوا وتركوا أصواتهم ونظراتهم وحكاياتهم وأحلامهم.. ونسوا أن يتركوا في زحمة الغياب غير الغياب.. ونسوا آلات عزفهم العشقي وموسيقا التوق البلدي.. جيل الفراقات والنباهات والطيبة.. مواويل على الشرفات وقصائد (مفلوشة) وقُبلات (فرط) مثل حبات العناقيد التي تفقد التواصل مع حالها، فتسقط في شتات الانفراط.. ومثل أقراط الأمهات التي تتيه عن الأذنين دهراً كاملاً..
(عقليات) مستمدة من وعي التلال ومفاهيم المواسم والغلال وأبّهات التراب الحلال.. ومن غموض المنكر والإجابات والسؤال..
أبو هلال وبيته وذكريات السنين معارف تقول للأصدقاء والجيران: صباح الحب يا أصحاب القلوب والدروب..
وغرفة البيت الكبرى تتسع لعطر نظافته العشيقة الممتلئة بالغيم وصداح الأنوثة وشجرات المحاسن، التي لا تعرف أن تشيخ أو تتحالف مع العطش والخوف.. وتعتنق أفكاراً عن بيته وعنه وعن عشقه تُشبه الكثير منه: بيت كروح المطر، وغرفة كنعاس شتوي عاطل عن البرد أو الهمِّ.. بيتك ناطور دلال قديم جديد، وأنت سيّد النواطير.. تحمل في صدرك العالم (أتزعم أنك جرمٌ صغير وفيك انطوى العالم الأكبر؟).
ومن محاسن الأقدار أنك جبلٌ على جبل، وبيتك ملتقى العتق والعشق.. ويقابل بيتي كما يقابل القلب القلب والدرب والدرب.. لكني وحياة عينيك ووجدك، بعد غياب النديم حبيبي وأمير قصائدي وحطّاب غابتي، لم أذق طعم نعاس إلا عند وسادة شوقك، ولم أوافق على قُبلة إلا لشفتيك.. هل يعجبك أنني وحيدة قلبك وأنت وحيد قلبي؟! ويُسعد نظراتك أنَّ البيتين متقابلان كالتهمة والمتهم؟!
- مالك توقفت عند حد التهمة والمتهم؟
ابتعدي عن حدود المخاوف..
- ما فيني إلا خاف على حبّي وعلى..
- وعلى الوطن.. وهل الوطن إلا حب كبير، يتسع للأحباب الكثيرين وأنواع الوفاء..؟!
- قد يكون الخوف وطناً ضعيفاً.
- وقد يكون قوة.
- الخوف المخلوط بالحب، وطن يتجدد، رغم المصائر القلقة التي نراها بعد كل أفكار سيّئة وسوداء.. لابد من خوف مع حب ووطن..
- نكرات دامسة فجّرت عبوة حاقدة في ساحة باب توما.
- سمعتُ وبكيت.. وتأكدت من مصائر الأحزان التي نعرفها وتعرفنا.. وهذه تنكيرات تقتل المعارف بأوامر تنكيريين.
- زوج ريما هناك بيته.. ولعله يجفل قلبه عن خيانة ريمه.
- وأم رشا بيتها هناك.. وبيت سهام الجديد، وصالة الفن..
- والخياط العجيب قريب من هناك..
- الهنا والهناك وما بينهما من علاقات وتواشجات وتمتمات وتمنيات.. يلزمنا ناطور أكبر من الأوقات الوسخة؟!
- مجنونة أوقاتنا ومجنونة الهنا في حبنا، والهناك في الغياب والفوق والتحت في توضيحات القامة والكيان.
- كأننا – فقط- حين نُحب ونشتهي تحت وصاية الأحباب نقتلع الأشواك من مصائر ورداتنا، ونشرح لأحوال الهنا بالهناك.
- البيت يُشرف على الجهات كما يشرف قلبٌ على عشقه، ويُطل على النبع الحافي كإطلالة شفتين على مستقبل قُبلة وحاضرها.. الربى والكروم ونبع على أهبة الغناء والسهل وشفاعات التلال.
- يتبقى من زماننا أننا العشقُ والسطرُ الخير في حبر الأماني ودفتر الوعد.. أنت أنا، لا نقلُّ أو نكثر إلا بالنداء..
- ريما أليست هنا؟ ألا تزورها؟
- والحسناء والسمر: (تتماشى مع الحروف وتتراءى قدودهن الجبلية (المنغّمة) على معزوفة رقة الاخضرار وغوايات البحر الممتد في البعيد المرئي.. ليس أبهى من قدود النساء)..
- حلوة أنت، وتعرفين اللواتي أعرفهن.. معلوماتك حسناوات كأنت وأنات المدى المشتاق لسريان مفعول الهواء..
- والدوير وصاحب المطعم في مستهل الجبل والسيدة الأم ريما.. (مزهريات) وجدانية على مد البصر..
- بيننا من سنين الشوق أيام وأحوال..
- وها أنت وعدتني بحياكة منديل لجدائلي ونسمات شعري وتراخيت، ثم تناسيت.. ثمّ..؟
- النول والحياكة من نصيب أعشى عائلتنا.
- ومن هو هذا العاشق الذي يتفوق عليك عشقاً وحياكة وتعبيراً وتصويراً؟
- في الأسفل صوت يصعد باتجاه الفسحة المترامية الامتدادات والاعتدادات، حولها الأشجار، والدرب مرصوف الأحجار..
وهنا جرارٌ وهنا (مزهريات) وأزرار.. وهناك دالية وعنقود ومزمار.. والموقد النعسان ولا نارُ أين العصافير؟! أغصان وأطيارُ؟
يقترب الصوت وينتعش الخبر:
- زوجة الحائك أعطتكم عمرها..
- ما هذا يا أبا هلال: أعطت عمرها؟
- مريضة وملقاة على عاتق حائكها الأعشى، الذي ذكّرنا بالأعشى الكبير الشاعر المخمور:
(ودّع هريرة إن الركبَ مرتحلُ وهل تطيقُ وداعاً أيها الرجلُ؟
- وهل تُطيق وداع أم جوليا يا أبا الهلال؟!؟
- وقت بلا أنتِ مضيعة للوقت، ومشاع وملتقى وهم وضجر.. الحبقات والنسرينات والعرائش والخابية والأواني والسرير والغرفة والشباك والباب..
دونك البقاء ضجرٌ بكدر.. ولهذا لا أطيق بعداً عنك أو توديعاً أو بقاء مفرداً.. التفرد بالحب سياسة عقلية وقلبية جيدة جداً.. ومن غير سياسات الحب تتضاءل مفاهيمنا وقدراتنا ونتأزم.
- وأنا يا عصفورة الشجن مثل عينيك بلا وطن.
فيروز فنانة الوجد الراقي والعشق الباقي..
- حنونة كلماتك وحنون صوتك وعيناك سيدتا النطق والصمت والحكايات.. سياسي أشواق ومندوب عبق..
- لا أحيا بغيرك.. ولا أطيق نأياً عنك.. تسعدني أفكارك وتضيئني أنوارك.. البقاء جميل بالشراكات الجميلة: حبيب وحبيبة، وكروم صغيرة وكبيرة ونواطير و.. وهل أجملُ من داري ودارك؟! غابتي واعدَت بالوهج نارك!؟
- هل أدركت أن الذي حمل خبز رحيل زوجة الحائك من عائلة زوج سمر.. جاؤوا هرباً من ضجة الصدامات.
بين النكرات القاتلة والمعارف.. حائط بيتهم وبيت الحائك متلاصقان.. غرفتان وفسحة دار، وبعدهما المقهى المقابل للغيمة والجبل وخطابات المطر.
- مدارك المنكرين غبية وتأتمر بأوامر الكسرات والحركات المريضة، التي تصدع عافية لغة الناس وتبادلاتهم الفكرية ويوميات العيش والتشارك..
- منذ عدة أسابيع لم أزر المقهى لأشرب القهوة أو الشاي أو كأس نبيذ بلدي..
- الحزن البلدي الآن أكثر من أي أنخاب أخرى: زوجة القريب رحلت، وأخبار محشوة بانفجارات الغباء والأحقاد والكراهيات..
- مع الكراهية لا تولد المحبة ولا تحيا المعرفة..
- ومع الحب لا تولد النكرات ولا تصعد الأخبار المحشوة.. بالانفجارات سلالم موسيقا اللحظات..
تتوتر الأسرار بتوتر العلن.. وتهرم الأفكارُ ببشاعة التنكير الدارج والدائر بين أقبية الأذهان وملاحق العقول المهمومة بالعتمة.. أقدار العتمات والظلام تحتاج معالجة وتصاميم من نوع جديد كألبسة المرأة.
- كأن العتمة القديمة تتقاوى بعتمات حديثة بالغة القباحة والتكالب على محميات النور والتنوير.. أية فكرة يطول أمد بقائها في قبو ذهن مظلم، تتعفن، وتغدو سامة ومصيبة..
- على هذا الأساس: البيت الذي تدخله الشمس لا يدخله الطبيب ولا تدخله الأفكار السوداء..
المراهقون لا يتمالكون أعصابهم وعواطفهم لأن النور الذي تعلمته حواسهم وأذهانهم لا يكفي لمواجهة الغبش وتعابير الظلام، فيسقطون في تعب التوجهات ومعايير التخبط والخيبة (الدوخة).. وقد يحصل لبعضهم شعاع ذكي مباغت يعتدي على حدود الظلمة ويكتشف مخازين أُلفة احتياطية.
مصير النكرات همجي ويرجو نشر سطوته على معارف الحب وخيرات العهود.. ويستثمر مراهقات ومراهقين في طور الأعصاب المرتبكة والعواطف المتحفزة للتوتر ونشدان الأسف.
- الأفكار المفخخة باللؤم واحتقار من لا تعرفهم أبشع أنواع التنكير؟!
- الجهل كراهية وقلة ثقة بالمعرفة: (اللي ما بتعرفو بتعاديه).. وهؤلاء المفخخون بأفكار الاحتقار متلبسون بمراهقة عمياء وصمّاء وشوهاء..
- الشاب في مستهل بلوغه سنّ المراهقة يبحث عن تعابير تعرفه وتشير إليه كالعشق مثلاً أو كالأصوات العالية أو الرفض غير المعني بالتدابير والتفاسير أو لفائف التبغ.
وفي زحمة الإمكانات وتحصيل المال وتحسين توصيفات الحال، وبسط نفوذ ثروة الأطفال والشباب والرجال، صارت تعريفات المراهقين تتم بأدوات الحاضر ومنجزات التقانات والتطور الصناعي: (التشفيط) بالسيارات الحديثة ونشر ثقافة الترعيب بـ(التشفيط) بالسيارات الحديثة ونشر ثقافة الترعيب بـ(الشفط) ابتداء من (شفط) دهون المترهلين، والمتثاقلين بالعجائز والبطون، ومروراً بـ(شفط) الأرزاق، وسرقة العناقيد والعرائش والأوراق، والتحايل على طمأنينة النظرات والأحداق.. وصولاً إلى النهب الذي يتخطى (الشفط) الاعتيادي والسلس..
(التشفيط) تعريف مراهق وثقافة مراهقة تسكن أقبية التفكير وأوكار الأذهان، دون تلاقيها بالتنوير..
ومن جانب متقارب مع هذا يأتي الفكر المفخخ بالعدوانية والاعتداء على النور.. فكرة مليئة بألغام الكراهية والتعريفات السوداء يُعبِّر عنها (بارود) الجهل، والقباحات الناسفة والتآمر على الألق المقبل من مناور الأفكار وشرفات الرؤى والحياة..
لابد يا حبيبة القلب من حماية منارات الأذهان وتنويرات الأديان والأكوان والأزمان.. بهذه الحماية (ننطر) تعريفاتنا وتعابيرنا الوطنية والعشقية..
المراهقة المتعادية مع التنوير لا تُطل على بساتين الاشتياق..
ولا يروق لها الغرام الحنون، ويفوتها أوان الخيرات العشقية والرغبات المورقة والمثمرة كالمزارعين الكسالى والواهمين الذين يسبقهم وقت الموسم والثمار والقطاف والسنابل.. ويبقى عيشهم مفتقراً ومتقهقراً وفقيراً معدماً لا يقدر على رغيفِ تآلفٍ أو (قمحية) وجدٍ أو وليمة فروض عائلية..
- تصوّري يا أم المحاسن واللياقات الفصيحة والمحكية: الجغرافيا تُجيد تعتيق أشواقها وعبقها وكرومها وشجرات التين والزيتون والعرائش؟! وكم تُجيد العقول المتكاسلة عن فهم النور وفصاحات الأرض والبقاء والكرامات (خريف) وتخريب المعارف واللطائف والخصال الحميدة؟! تناحرات الكون وأوصاف الكائنات: أرض تُنبت عشبها وظلالها وخيالها وتلالها وسهولها وبناتها ورجالها، وأرض تتورط بالعقوق.. كيف يفعل السواد ببياض النهار؟ وكيف يغتال عافية المساء بغباء الغرائز وهمجية الطمع والفطرة الموحشة المتأخرة عن إملاء النضارة وهمزات وصل الهواء والماء والسماء؟
- نعم أيتها الحبيبة: باب توما والحارات وأقراط الزمان وسلسال جواهر وعقيق الأمان والمكان.. كلُّ حلم في مهب رياح الخطر، وكل ألفة وذاكرة في صراع مع البطر.. وكل الكل: الوطن.. الشوق والنهر والزهر ونهدات الحجارة وكلمات الشوارع وحكايات الأزقة تحت خط الخوف والحذر.. كائنات في جانب حبِّها وأخرى في جانب جهل غرائزها..
عقلُ الهمجيات مهما أحاط به المال لا يعلو فهمه عن الجوع ونثريات الغرائز وثرثرات الفطرة المخدوعة بالكراهية والمختنقة بالتزوير والخيانات..
هذا العقل المختلط بالنكرة والنكران مفخخ بعبودية الجشع ونسف الحياة؟!
- بيتك الزاهي والتلة الخضراء والساحة الأعجوبة..
والمحيط الأخضر والجهات الشمّاء.. هل ننسى أن نذهب إلى الجبل وأم ريما وسمر؟ وأمرّ وتمرّ نظراتك أيضاً على بيت الشاعر..
- أكاد أحزن من كثرة القتامة والغمامة السوداء المتلبدة بالأحقاد القاتلة والإشارات القاحلة، والهموم الفاشلة.
- كأنك بقلبي: هموم الحقد فاشلة مثل طالبات يرسبن في امتحانات المحفوظات وإملاء الغنج والدلال..
- أما هموم العشق فناجحة.. وخذي هذه القُبلة الناحلة على شرفة صدرك الآهلة.. ما أرق وجدان جسدك أيتها الأميرة!؟ وما أبهج عطر نظافتك يا عاشقة من تفاح وحبق!؟
- كما قال لك صديق سرمد المؤلف الكبير فراس سواح: تشبه أميراً أوغاريتياً.. وأقول لك: تُقبِّل قُبلة مبللة بموج الشوق وندى العذوبة والذوق.. إنك أمير وسليل إمارات وجدية ووجدانية، وبيتك أميرة وأمير.. والشجرات العتيقة أميرات الزمان، والحاجات المنتقاة والمتروكة من عهد الأب والجد والأم والست تُوحي بالإمارة والرشاقة الملوكية.
- لا أتعب من سماع كلماتك ومرور صوتك..
منذ أحببتك والشذا في مفارق النهدين لا ينام..
وكل لقاء يُوقظني على طريقة نهديك وإطلالة الشفتين.. أودُّ السفر الدائم في شذاك وعواطفك الطفلة..
- قل: وتودّين الضياع في قلبك وجهات رياحك وحصون رغباتك.. على رأي الكبيرة جداً فيروز والشاعر جوزف حرب.. (خذني على قلبك معك..).
- و(يا حلو شو بخاف إني ضيّعك)..
- العاشق والعاشقة ضيعتان من ترف الذوق وملكات التوق.. أنت وأنا قريتان عاشقتان..
- وقولي: جبلان من تفاح ومواعيد أفراح، رغم ما في القلوب من أسى ورماح..
- بيتك ذاكرة لا تستريح.. ولا يمكن قراءة فصولها بعشق واحد.. ووقت شوق موجز..
- الذاكرة بقدر انسيابها ورونق إنسانيتها تتسع وتكبر وتتعدد معانيها ومطالعها وخواتيمها.. لكن بالحب يمكن التعبير عنها، ويمكن البقاء البهيُّ بين عتباتها وأشجارها وحيطان أسرارها..
- هو ذا بيت الشاعر النديم، الذي قادتنا قصائده إلى ترف الحلم والقبلة الأولى.. بعد أن سافر قلبك طويلاً بإزاء قلبي، وصعد تلال النبض والطول والعرض أملاً بالعشق الفرض..
- بعد عشرين شهراً من التفاؤل العشقي وأمطار الغمزات سمحت لي بتقبيل الشفتين وراء هواجس نهار مشمس وشجرة تفاح الشباك..
- قُبلتُك اختلطت بالتفاحة والنهار الشمس وغدت طاقة فأل وآمال قلب ودرب: أرقب في الدروب التي بين سفحك وبيتي قامتك وإطلالات ضحكاتك التي تُحيط بصوتك وفمك كالتلال حول بيوتنا والقرى..
- بعد عشرين انتظاراً سمحت لميثاق الاشتياق أن يُصبح نافذاً ومجدياً وحقلاً مثمراً.. أصعب ما يعانيه الحبيب دورة الانتظار ودروس الترقب والمحاولات.. كنت هاجساً صعباً وكنت منتظراً.. وكانت القصائد التي يُغنيها جسدك في حضرة صديقي الشاعر الكبير وبيته وأنا.. جسدك أمير شعراء وأنا جمهورك وعاشقك المؤبد.. قرية من بهاء ونهار من ضوء وقافلة من بساتين ضوع وتلات سوسن ورُمان وزهر ونبع ونهر وجداول..
- توقف عن الغزل: أطربت أنوثتي وأيقظت نباتات جنون الاشتهاء.. توقف: ريثما نصل إلى مطعم الجبل أو بيت أم ريما أو بيت سمر.. وحصة غرامنا تحتاج انتباهاً كاملاً وتحضيرات محفوظات، وإنشادات قصائد متبادلة بين حصن وحصن..
- كرمى لعينيك تُلقي الحصون أبوابها: (تملُّ الحصون الشمُّ طول نزالنا فتلقي إلينا أهلها وتزولُ).
- ملت الحصون طول نزالك وأهدتك المفاتيح والقاطنين..
أنت جميع البيت والسكان والزمان والمكان.. وأنت المتن والشرح والتفسير والإنفاق والتوفير..
- بيت الشاعر على حاله..
- لا تتوقف عنده كيلا تسقط علينا الأحزان والذكريات
يكفي ما عند القلب من ندوب وجراحات حاضرة..
فكر الجوع والنهم والطغيان يمطر وطن القلب بلعنات الليل والأحقاد.. الحارات والمدن والبلدات التي تخبّئ في صدرها آلاف الوجدانات والأمنيات والحياة تسقط عليها اليوم أمطار الطعنات والهمزات المفرقات والقاطعات..
- لا تخشى كثيراً: الوطن المليء بروح إنسانه واحدٌ من المتمرسين بالجراح القديمة والأوجاع الأليمة والخلاصات الحكيمة.. وطن فيه زحمة حب تاريخي وفيه النبوءات واختلاجات الحنين والإيمان لابد أن يرتد إلى عافيته ومواثيق شرف كراماته..
- لديك مخزون جيد من التفاؤل النضر كالبستان القريب من النبع يظل يستمد قوة الاخضرار من العذوبة التي تربطه بالنبع القديم..
- ولولا الينابيع العتيقة والعريقة لا تولد البساتين الجديدة والجداول والسواقي..
- الينابيع أمهات وآباء اخضرارنا ونباهة الأرض.
- تصوّري: الجغرافيا المبدعة التي تشيل على كاهلها كل هذا الرونق والرضى والأناقات والمنحنيات والمرتفعات والنساء العاليات هل تعجز عن تربية فن الحب؟
- في قلوب الأبناء والبنات والترابات والنبات؟
- مطعم الجبل حديقة أسرار على أهبة الكلام والتحيات والترحيب.. وفي المقابل بيت أم ريما فوق النبع وشجراته.. وفي الأعلى بيت السمر..
- وها هو بيت الشيخ خليل عاشق ليلى..
- ليلى التي شاهدناها في المدينة: إنها عرجاء.؟!
- لكنها قوية.. وخبيرة بأحوال وتبدلات القلوب.. وتتخيل تخيلات واقفة مدركة راشدة واعدة.. وإذا دعت الدواعي فإرادتها راعدة..
- قالت سمر: إنها أرسلت للشيخ خليل رسالة عاطفية..
- لا يُفكر بها الآن لأنه من الذكاء بمكان يجعله يفكر بالحب طويلاً قبل أن يرسو قاربه على شاطئ النساء.. منديله من أليق مناديل القرى والمدن.. وعيناه لا تُبصران جداً، لكن بصيرته حادة: تستخبر عن أنوثة هذه وقامة تلك وملافظها وأحاديثها..
- وقد استبشر خيراً بعلاقة تنشأ بينه وبين أم ريما، لكنها صدّته بإحكام وكلام قطعي لا مجال بعده للتواصل والعشق: كسّرتُ دف الغرام يا شيخ خليل وبطلت الغناء!!؟
- تأكدي أنني حيّكت لك منديلاً بارع اللياقة كنسمة جديلتك..
- أوقفت النسائم عن الذهاب في البريات والآفاق..
أقفلت باب الهوى واسترحت..
- بيته قريب الشبه من بيتك:
فوق فسحته الظلال، وقصيدة ريح جبلية..
وفي جهات المدى تتربع الأشجار والطبيعة والأسرار..
وحوله الحاجات وجدار بيت الدجاجات وأمامه النول البارع في حياكة أجمل مناديل القرى والجميلات..
- لكن بيتي عاشق غنوة.. وقلبي ناطور صيف وضيف وطيف.. سافرت إلى المدن القصيّة وأحببت المرأة في البعيد، لكنك الألطف:
- تعلمت من سيادة روحك فن التأنق والتألق، ودربتك الغربة على الرؤى والمكاشفات..
- وهو ذكي بيئته وقريته وحالته: يعتاش على خبرة أصابعه في الحياكة..
- وخبرة الأصابع هل تكتفي بخيوط الحرير؟!
- حرير الجسد أحنّ من أي حرير.. وقراءة لحظة في كتاب خصر أو مطلع صدر أو خواتيم ردفين..
ومشية ساحرة تساوي جميع القراءات في الخيوط والخطوط والمرافئ والشطوط..
هي أم ريما لم تزل تعجن لحن جسدها بالنعومة كما تعجن القمح بالماء والملح.. وفيما بعد تخبره على نار الحطب المجنون برغبات الأرض والحطّابين..
- أنت حطّاب جدير بالأشواق وغابة النظرات والأحداق..
- أحبّ فيك صدقك ووضوح الأنوثة:
أنوثة واضحة تساوي الألغاز الفاترة المتعثرة بالبؤس النفسي جميعها.. والأنثى كاللآلئ تنضدها المحاسن والتدابير واللياقات الزاهية.. بعض الأنوثات لا تتلاقى فيها اللالئ فتضيع في قشِّ الرغبة الراكدة..
- عاشق مثلك يعدل عندي كل الآخرين..
- وكما قالت الأيام: صادق في قرية يساوي قرية كاذبين..
- بل أفضل من جميعها.
- الأم والبنتان والريما والولدان.. لكن دعينا نصافح السمر أولاً ونسائل عن حسنها الحُسن.. ما رأيك؟
- لكن لا تكن كالأستاذ: ريما الحبيبة والزوجة والمترعة بالأنوثة كالساقية المقبلة من فم النبع.. وحين رأى مؤخّرة سهام داخت عيناه وروحه وداخ عقله، وصار في إثر مؤخرتها:
أستاذ ملحق بمؤخرة امرأة نضرة..
- المؤخرات قوافي القصائد يا ست الكياسة والملاحة.
- القصيدة بقافية رخيّة وحسناء والشاعر واحدها وواعدها ومتأملها ونبيلها وسيّد جمالها وناطور براعة بهائها.. ما رأيك: هل نترك القافية للعديد من الشعراء؟!
- أنت في غاية الرونق..
قبل مطعم الجبل بيت الأم ريما.. ما هذا الكون الوردي؟
وما هذه السيدة النادرة الأحلام؟
كل حبة تراب تُبدع وردة، وكل حائط دمعة دُريب يتفاءل بلقاء غصن عليّق، أو ورقات حبق؟
ما هذه الأنثى المورقة رغم كثافة أحزانها؟ تتوصى حباً بالورد وأمطار الجبل ومياه النبع وعذوبة أمومتها وقيامات ألقها.. لا تمنح اليأس أمجاداً إضافية رغم الكثيرين المزورين والمرعبين والمفخخين بالآمال الوسخة ونعمة المال الناسف للحياة وأنفة الناس؟ وهي لا تنسى وهي ترتب دفاتر الصباح وظهيرة عطرها وألحان الوردات وموسيقا الزهر المتفاصح بنعومته ورقة ناطورته وحامية حماه.. لا تنسى أن تتساءل وتتماشى مع استفسارات وجدها ووجدانها ووقتها النبيه: الناس السيّئون أزمة كالعوز والفقر الشديد.. والجهل حرب يومية في كل مكان..
قال الجد المؤمن يوماً: الوطن الكريم أب طيب للفقراء الطيبين!!
وهؤلاء المفخخون بالأحقاد، وينفجرون وسط أحلام البشر الفقراء البسطاء هل يسعنا أن نعتبرهم أبناء الوطن الكريم؟!؟
عُدْ إلينا أيها الجد، وأبحث معنا عن أفكار جديدة تردع القتل والتكفير الجهوري مثل صوت غربان، لا نعرف كيف تُوجع الحب ومن أين لها بهذا الوباء الرهيب؟!
يتبع............
المصدر : الباحثون العدد 70 نيسان 2013