إنَّ الإرشاد النفسي أحد قنوات الخدمة النفسية، التي تُقدَّم للأفراد أو الجماعات بهدف التغلب على بعض الصعوبات التي تعترض سبيل الفرد أو الجماعة وتعوق توافقهم.
والإرشاد النفسي خدمة توجه إلى الأفراد والجماعات الذين ما زالوا قائمين في المجال السوي ولم يتحولوا بعد إلى المجال غير السوي، ولكنهم يواجهون مشكلات لها صبغة انفعالية حادة، أو تتصف بدرجة من التعقيد والشدة بحيث يعجزون عن مواجهة هذه المشكلات بدون عون أو مساعدة. والإرشاد النفسي يركز على الفرد والجماعة بهدف إحداث التغيير في النظرة وفي التفكير وفي المشاعر والاتجاهات نحو المشكلة ونحو الموضوعات الأخرى التي ترتبط بها ونحو العالم المحيط بالفرد أو الجماعة.
ومن هنا فإن هدف العملية الإرشادية لا يقف عند حد مساعدة الفرد أو الجماعة في التغلب على المشكلة، ولكنه يمتد إلى توفير الاستعداد للفرد وللجماعة في حال الإرشاد الجماعي الذي يمكنه من التحكم بانفعالاته وزيادة معرفته بذاته وبالبيئة المحيطة به، وزيادة قدرته على السلوك البنَّاء الإيجابي، ومما لاشك فيه أن القدرة على إتيان السلوك البناء والإيجابي يمكّن الفرد من مواجهة المشكلات في المستقبل، والعملية الإرشادية تعمل على تعديل أفكار الأفراد وسلوكهم تجاه ذواتهم ونحو الآخرين والعالم الذي يعيشون فيه، فالإرشاد الناجح يكسب الفرد خبرةً ونمواً وارتقاءً نفسياً في الوقت ذاته.
والأفراد لهم مشكلاتهم المتعددة، وتختلف شدة المشكلات بحسب نظرة الأفراد لها فهناك من يرى الكمـال في نفسه ولا يجد مشكلة لديه وأن مصـدر المشكلات نابع من الآخـرين فيسـقط مشـكلاته عليهم وآخـرٌ يتهم ذاته ويُبرِّئ الناس، وهذه الاختلافات في المعايير التقويمية هي ما يحتاج إليه الأفراد ليتوحدوا في العملية الإرشادية مع وضع القواعد اللازمة لاتباعها في الإرشاد؛ إلا أن الكثير من الأفراد لا يخضعون لهذه القواعد والمعايير ويجدون صعوبة في تنفيذها، رغم أهميّة الالتزام بها لجذب المجموع إلى المركز..
وبالخطوات الإرشادية التالية نستطيع الاستدلال على ملامح تعديل السلوك:
أولاً: التبعات تدعم القواعد
لاشك أن السلوك الإيجابي يحتاج إلى تدعيم وفق القواعد المتبعة في تنفيذه، فنعلِّم الأطفال تبعات كيفية اتخاذ القرارات، حيث تنتج القرارات السديدة عن التبعات الإيجابية، والعكس صحيح، فهي تعلّمهم بأن ثمة ارتباطاً بين السبب والنتيجة، فحينما تشرح للطفل تبعات أيّ سلوك، فيجب أن تكون محددة ومعقولة، ويتم هذا عندما يدرك ما سيحدث.
إن تطبيق القواعد والتبعات في تعلم الأطفال ليتبنّوا مواقف جيدة ولينتهجوا سلوكاً قويماً، هو نتاج اختياراتهم، وتحدد هذه الاختيارات تبعات سلوكهم، وإخبار الأطفال عن السلوكيات التي المرغوب تأديتها، واستخدام التعليقات الإيجابية عند تنفيذ الأطفال السلوك الجيد وفي حال لم يتبعوا القواعد سيجدون التبعات السلبية في انتظارهم.
ونلاحظ أن الأطفال يحبون الرسم والغناء واللعب ويفضلون ممارسته على كل شيء، فهذه الحركات التي تصدر منهم ما هي إلا إشارات تؤكد أن في داخلهم كيانات تريد الظهور على أي شكل، فيرسمون على الجدران والكراسي والمقاعد والثياب ولمعالجة هذه السلوكيات:
1- يُنصح بـوضع القاعدة في إطار السلوك الطيب، وذلك بقولنا له أن يرسم على الورق فقط.
2- في حال عدم التزامه بالقاعدة وتابع بالرسم على ثيابه وجدران المنزل فيجب تذكيره بالقاعدة وبعد ذلك يقوم بتنظيف ما قام به.
ثانياً - زيادة السلوك الإيجابي
في حال كان الطفل يمتثل السلوك المضطرب فينبغي التقليل من العوامل أو المثيرات المنفرة التي من شأنها أن تزيد بظهور السلوك المضطرب أو تطوره فيعمل القائمون على رعاية الطفل بإيجاد مواقف للتفاعل والاحتكاك الاجتماعي بالطفل لعدد يتراوح بين مرتين إلى أربع مرات في الساعة لمدة تتراوح بين 15 إلى 35 ثانية في كل منها.
والهدف من هذا التفاعل هو تدعيم ومكافأة أي سلوك آخر يقوم الطفل به يكون مختلفاً عن السلوك المضطرب، ويأخذ التفاعل أشكالاً بسيطة كالابتسام والتحية وتبادل الحوار بطريقة ودية والعمل على:
أ - تدعيم أي سلوك بديل هادف:
العمل على إشراك الطفل في نشاط يتسم بالتعاون، أو المشاركة في إنجاز عمل معين يحتاج تنفيذه إلى فترة تتراوح بين دقيقتين إلى خمس دقائق، ومن المطلوب أن يتم ذلك عدد من المرات خلال اليوم الدراسي أو خلال فترات الاحتكاك التي كان السلوك المضطرب يتزايد خلالها على أن يتم ذلك مرة كل ساعة على الأقل، وهنا يتوجب أن تكون النشاطات مبتكرة وملائمة لظروف الطفل وبيئته.
والهدف من هذا: تدعيم أنواع السلوك البديلة للسلوك المضطرب إذ لا يمكن أن يكون مضطرباً ومتعاوناً في الوقت نفسه فالمشاركة نقيض للسلوك التدميري.
ب - جدولة النشاط الدراسي:
من المفيد أن نضع جدولاً يتضمن النشاط الدراسي بالتعاون مع الطفل بحيث يشمل على الأقل أربع ساعات للدراسة بما في ذلك إعداد الواجبات المنزلية والإعداد للدرس المقبل ومراجعة المعلومات السابقة، وبعد نجاح التجربة الأولى، لا بأس من وضع برنامج من قبل الطفل ومراقبته بشكل غير مباشر..
ثالثاً - التحكم بالسلوك اللاتوافقي
عند ظهور السلوك غير المرغوب فيه «التحطيم والتهديد والحركة الزائدة وإيقاع الأذى بالنفس» العمل على:
أ - التدخل والمقاطعة: كثير من الأطفال يتصرفون بطرق غير لائقة ومريحة مما يجعل من سلوكياتهم غير مرغوبة اجتماعياً؛ عندئذٍ ينبغي التدخل ومقاطعة الطفل على سبيل المثال: عندما يحاول تحطيم لعبة فنتدخل لإيقاف هذا السلوك بأقل قدر ممكن من التهديد والإثارة، وذلك بشرح أبعاد سلوكه هذا فنعمل على:
- إشراكه في نشاط مفيد: باستخدام المدعّمات للخروج بالطفل من المواقف الانفعالية المحتدمة.
- التّماس البدني: كأن نضع يدنا على كتفه مع توجيه انتباهه لنشاط آخر أو تشجيعه على الاستمرار في نشاط إيجابي.
- التدخل الناجح يُضعف من المواقف الانفعالية ويقلل من تفاقم المشكلة.
ب - التوجيه لنشاط بديل: الهدف من هذا السلوك توجيه الطفل لنشاطات أو استجابات بديلة «افعل هذا بدل ذاك» وعندما يتم ذلك بنجاح يفهم الطفل أن الاستجابات السابقة التي سبق إيقافها والتدخل فيها لم تعد مجدية أو مثيرة للانتباه ويجب أن يستخدم الأسلوب بتلاحم شديد مع أسلوب المقاطعة والتدخل أي إن التوجيه لنشاط بديل يتم أثناء مقاطعة السلوك غير التكيفي ويحسن أن يتم ذلك بصمت دون كثير من الجدل والنقاش ومن خلال الحثِّ البدني والتربيت على الكتف والإيماءات والاستمرار في التواصل والحوار.
جـ - التجاهل: الهدف من التجاهل في خطط التعليم الملطف هو إطفاء الاستجابات غير المرغوب فيها بتجاهلها، وفي مثل هذه الأمور من المطلوب أن نتصرف كما لو كانت الاستجابة غير مرغوبة، وفي مثل هذه الحالات العمل على:
- تجنب مشاهدتنا للطفل أو الاتصال البصري به.
- عدم الاحتكاك به أو لمسه (كاللمس أو التربيت).
- الحفاظ على المسافة بيننا (بحيث نكون بعيدين عنه إلا إذا كان قربنا منه ضرورياً ومفروضاً).
- التدخل بطريقة يكون فيها الجدل قليلاً.
د - الدعم والمكافأة: بعد التدخل في إيقاف السلوك المضطرب، وتوجيه الطفل لنشاط بديل أو جديد، علينا دعمه وذلك من خلال مشاركتنا له والتعاون معه، والانتقال به من نشاط إلى آخر حتى يتلاشى هذا السلوك المضطرب.
وفي حال مواجهة صعوبات بالانتقال بالطفل إلى النشاط البديل الذي يرتبط بالمكافأة والتدعيم، فيُنصح أن نركز على أي سلوك يصدر عن الطفل ونجعله موضوعاً للمكافأة والتدعيم ممكنين بتوجيههما لأي نشاط أو سلوك آخر لائق يصدر عن الطفل، وإعطائه مكافأة عندما ينفذ النشاط بطريقة جيدة.
هـ - عدم إحراج الطفل: ينبغي ألا يسبِّب العقاب الإحراج، أو الشعور بالخزي، أو الإهانة للأطفال لأن إحراجهم يخلق لديهم مشاعر النقص مثل الشعور بالذنب والخجل، وربما يخافون لو أنهم بقوا بمفردهم في المنزل بحيث يعتبر أن العلاقة العاطفية التي تربطك بهم قد انقطعت ويشعرهم بأنك ظالم وأناني وعند ذلك لن يكون بمقدورهم أن يتخذوا القرارات الجيدة، أو التعاون مع زملائهم، ويتصرفوا بسخط مع الأسرة والمدرسة، وهنا نكون قد أدخلناهم في دائرة مغلقة أو نسمعهم كلمات مؤذية «أنت غبي» أمام أصدقائهم وضيوف المنزل.
وفي حال اضطررنا لمعاقبتهم علينا أخذهم بعيداً عن زملائهم وأن نتحدث معهم بشأن سوء تصرفهم وعواقبه بهدوء ونحاورهم حتى نصل معهم إلى السلوك الجيد المتوازن اجتماعياً.
وينصح بأن لا تكون العقوبة نتيجة المزاج الشخصي بل نتيجة السلوك، وأن نكون ثابتين في عقابنا، لا متردّدين فيه، فالثبات مهم هنا، فالعقوبة يجب أن تكون سريعة، فالأطفال ينسون بسرعة ما قد قاموا به.
إليك سيدتي مجموعة من الطرق والنشاطات للتعامل من خلالها مع أبنائك:
- نشاطات اجتماعية: التحية باليد - الرد على التليفون - رعاية حيوان أو طفل آخر. مرافقته في تناول الطعام. التنزه بصحبته..
- نشاطات ترفيهية: كَرُكُوب دراجة، الذهاب للأراجيح، الجري، ألعاب رياضية أخرى كالسباحة أو كرة القدم، قراءة مجلة أو كتاب، مشاهدة تليفزيون، حضور مسرحية يرغبها الطفل وهكذا...
- نشاطات منزلية: كأن ينظِّم غرفته الخاصة به، مشاركته في تنظيف المنزل وأدوات المطبخ، الإسهام في إعداد المائدة...
إشراكه في إعداد ميزانية المنزل، تجليد كتبه وكراساته ويحتاج الأطفال إلى القواعد التي تنظم علاقة الأفراد ببعضهم كما يحتاجون إلى الحب والحنان، حيث تعمل على توفير النظام والإرشاد لهم، كما تدلهم على الأمور التي يريدونها.
فعليهم أن يتعلموا عدم مقاطعة الآخرين عند التحدث والمشاركة في اللعب والطلب والاعتذار المقبول وتعلم قواعد النظافة والاعتناء بالمرافق العامة، وتعليمهم قواعد الأمن والسلامة أثناء عبور الشارع.
- التحديد: يعرّف بأنه طلب أمر محدد للقيام به، كأن تطلب من الطفل بالضبط ما تريده أن يقوم به، غير أن الآباء لا يطلبون من أطفالهم إنجاز أشياء محددة واضحة فلو قلت له" اذهب لتنظيف المنزل" فلسوف يكون طلبك غامضاً، هل بمقدوره أن ينظف كل المنزل فالطفل غير قادر على فهم هذا الطلب؟.. مثال:
إذا طلبت من طفلك أن يرتب غرفته، فيدخل إلى الغرفة ويشاهد الكتب على الأرض والملابس خارج الخزانة والسرير غير مرتب والألعاب مبعثرة فسوف يصعب عليه من أين يبدأ، لذا لا بأس أن تبدأ معه في المشاركة وتعليمه كيف يبدأ ومن المستحسن أن نضع قائمة في غرفته أو صفِّه مثل:
1- ضع الملابس في الخزانة.
2- عدم الكتابة على الجدار.
3- ضع اللعبة في الصندوق بعد الانتهاء منها.
ولا ننسى أن نكتب هذه العبارات على قوائم ملونة وجيدة المنظر ولا بأس أن توضع على الطاولة ضمن إطار مزركش.
وهنا علينا أن نحرص على طلب طلبات معقولة، حتى لا نرهقه بأعمال أكبر من سنِّه، كأن نطلب منه الجلوس لمدة ساعة، فهذا مستحيل تنفيذه بالنسبة لطفل بل نطلب منه أن يجلس دقيقتين إلى خمس دقائق.
المصدر : الباحثون العدد 71 أيار 2013