*محمد حسام الشالاتي
في 14 تشرين الأول من عام 1947م، اخترق الطيار الأمريكي "تشارلز ييجر" حاجز الصوت لأول مرة في تاريخ البشرية بطائرته "Bell X-1", وذلك فوق مطار بكاليفورنيا. وقد تم ذلك على مرحلتين, الأولى: عندما طار هو وطائرته معلّقاً بطائرة من طراز "B-29", والثانية: عندما انفصل عن الطائرة الأم عند ارتفاعٍ عالٍ, وشغّل صواريخ دفع طائرته التي اندفعت وراحت تضاعف سرعتها حتى زادت عن سرعة الصوت. وبذلك بدأ عهد جديد في تاريخ الطيران.
وكما هو معروف, تبلغ سرعة الصوت في الهواء في الحالات العادية 762 ميلاً في الساعة, وتسمى اصطلاحاً "ماخ 1". فإذا كانت سرعة الطائرة 2 ماخ, فهي تساوي 1524 ميلاً في الساعة, وهكذا... و"الماخ" (أو رقم ماخ) هو وحدة قياس للسرعة - ويعرف على إنه نسبة سرعة جسم ما إلى سرعة الصوت. يستعمل هذا الاصطلاح مع الأجسام التي تسير بسرعة كبيرة كالطائرات النفاثة مثلاً، بالإضافة إلى سرعة الهواء داخل القنوات الهوائية ومطاحن الرياح. وتكون سرعة الماخ على مستوى سطح البحر 1225 كيلومتر/ساعة، أي 765.6 ميل / ساعة (340 متراً في الثانية تقريباً). ويتغيّر هذا الرقم أيضاً باختلاف الحرارة وضغط الجوّ. ولعلّ الملاحظة صحيحة، بأن السوط هو أوّل جسم أنتجه الإنسان وتزيد سرعته عن سرعة الصوت. ولأن الماخ عديم الوحدة، يوضع عدد المرّات لسرعة ماخ خلف الكلمة، فنقول مثلاً 1- ماخ و2- ماخ و3- ماخ... إلخ.
ويعود إيجاد هذه الوحدة للعالم النمساوي "إرنست ماخ" الذي ولد في 18 شباط من عام 1838 في مورافيا بالنمسا، وتوفي في 19 شباط من عام 1916 في هار بألمانيا. وهو فيلسوف وعالم رياضيات عمل أستاذاً للفيزياء التجريبية في جامعة تشارلز في براغ من عام 1867 ولمدة 28 عاماً، وفي عام 1887 أنشأ مبادئ العدد الماخي وهو ما يعادل سرعة الصوت أو ما يعرف ب "سوبر سونيكس" اعتماداً على النسبة بين سرعة الجسم إلى سرعة الصوت.
وفي بداية عهد الطيران الفوق صوتي اعتقد العلماء أن الطائرات الفوق صوتية تملك حاجزاً مادياً، وظنوا أنه كلما قاربت سرعة الطائرة سرعة الصوت، أصبح من الصعب عليها أن تطير، فهي تحتاج إلى طاقة هائلة للمرور من حالة الطيران بسرعة أقل من سرعة الصوت إلى سرعة تفوق ذلك، وهو ما يسمى "خرق جدار الصوت" الذي لا يوجد له - في الواقع – جدار مادي.
لنرى ما هي خواص الصوت، وكيفية انتقاله عبر الأشياء المادية، وما الذي يحدث عند خرق جداره (الوهمي):
الذبذبات الصوتية
إن تأثير جسم يتذبذب على الوسط المحيط به مثل الهواء، أو أي وسط آخر ينقل جسيمات الهواء من أماكنها، وهي بدورها ستضغط الطبقات التي تليها.. وهكذا في النهاية سنجد أن كل الهواء المحيط بالجسم قد بدأ بالحركة، ونقول عن هذه العملية إن الهواء قد تذبذب، أو إنه حدثت ذبذبات صوتية في الهواء. ويُعرف العلم الذي يدرس الذبذبات الصوتية عادةً بـ "علم الصوتيات". ولوصف خواص الذبذبات الصوتية يستعمل مفهوم تردد الذبذبة.
إن الذبذبة أو الدورة أو الهيرتز أو السايكل تعني شيئاً واحداً، ولمّا كنا كثيراً ما نلتقي في الفيزياء بكميات للذبذبة أكبر بكثير من الهيرتز، فإننا نستعمل وحدات تسمى كيلو هيرتز أو كيلو سايكل (و هي 1000 دورة)، وكذلك ميغا هيرتز أو ميغا سايكل (1000000 دورة).
هناك حقيقة علمية تقول: "لا يجب أن نخاف من الصاعقة بعد أن نسمع صوت الرعد". والأمر يتلخص في أن الضوء ينتشر لحظياً، والرعد والصاعقة يحدثان معاً في لحظة واحدة، إلا أننا نرى البرق في لحظة حدوثه، أما صوت الرعد فيصل إلينا بسرعة كيلو متر واحد كل ثلاث ثوانٍ تقريباً. وهذا يعني أن خطر ضربة الصاعقة سينعدم بعد سماع دوي الرعد. وبمعرفة سرعة انتشار الصوت في الهواء (330 متراً / الثانية) يمكن تحديد البُعد الذي توجد عنده العاصفة الرعدية، فإذا مضت 12 ثانية بين لحظة ظهور البرق وبين لحظة سماع دوي الرعد، فهذا يعني أن العاصفة تبعد عنا أربعة كيلو مترات.
إن السوائل توصِل الصوت بسرعة أكبر من الغازات، ففي الماء ينتشر الصوت بسرعة 1450 متراً في الثانية، أي أنه ينتشر في الماء أسرع من انتشاره في الهواء بأربع مرات ونصف. كما أن سرعة الصوت في الأجسام الصلبة أسرع من ذلك بكثير، فسرعة الصوت في الحديد مثلاً تساوي 6000 متر/ الثانية تقريباً.
وعندما ينتقل الصوت من وسط إلى آخر فإن سرعة انتشاره تتغير، ولكن يحدث بجانب ذلك ظاهرة هامة وهي الانعكاس الجزئي للصوت عند الحدود الفاصلة بين الوسطين. إن ظاهرة انعكاس الصوت تستعمل في الملاحة على نطاق واسع، وجهاز قياس الأعماق (السونار) مصنوع على أساس استخدام هذه الظاهرة. وبما أن سرعة الصوت في الماء معلومة، فإننا بحسابات بسيطة يمكننا معرفة البُعد الحقيقي للقاع. وبتوجيه شعاع الصوت إلى الأمام أو إلى أحد الجوانب، يمكننا معرفة ما إذا كانت توجد بالقرب من السفينة صخور أو كتل جليدية أو أية أجسام أخرى.
وتتذبذب جسيمات الهواء على امتداد اتجاه انتشار الصوت دائماً، كما في حالة الموجة الصوتية الطولية.
الصوت المسموع
ما هي الذبذبات الصوتية التي يستطيع الإنسان سماعها بالأذن؟ لقد ظهر أن الأذن قادرة على استقبال الذبذبات التي تقع في حدود من 20 إلى 20000 هيرتز أو سايكل/ الثانية، والصوت ذو الذبذبة الكبيرة يسمى بالصوت العالي، وذو الذبذبة الصغيرة يسمى بالصوت المنخفض، وباستخدام العلاقة السابقة نجد أن أطوال موجات الصوت المسموع تقع في الحدود من 15 متراً (لأشد النغمات انخفاضاً) إلى 3 سنتيمترات (لأشد النغمات علوّاً)، والكيفية التي نستطيع بها سماع هذه الذبذبات هي ظاهرة الرنين التي تعمل على أساسها الأذن البشرية، حيث يوجد داخل الأذن البشرية ما يقرب من 4500 شعيرة ذوات أطوال مختلفة لاستقبال كل النغمات الممكنة، وغشاء طبلة الأذن ينقل الذبذبات إلى هذه الشعيرات الدقيقة، ولكن لن يتذبذب منها سوى تلك التي تتوافق ذبذبتها مع الذبذبة الخارجية. ويتم تمييز النغمة الموسيقية عن طريق تحليل الصوت إلى مركباته التوافقية، أي إلى النغمة الأساسية والنغمة التوافقية.
اضمحلال الصوت بالمسافة
تنتشر الموجات الصوتية الآتية من مصدر الصوت في جميع الاتجاهات، وتضعف شدة الصوت كلما زاد مربع البُعد عن مصدر الصوت، أما السعة فتتناسب عكسياً مع البعد عن مصدر الصوت. والصوت في واقع الأمر يضعف بسرعة أكبر، لأن جزءاً من الطاقة يُمتص أثناء الطريق للتغلب على الاحتكاك اللزج الذي ينشأ عندما تتذبذب جسيمات الوسط، إلا أن هذا الفقد ليس كبيراً، وهو السبب الرئيس في أننا نسمع الصوت ضعيفاً على المسافات البعيدة، وهو قانون التناسب العكسي مع مربع المسافة.
الهدوء والضوضاء
إن أعضاء الإحساس عند الإنسان أتم وأفضل من أحدث وأحسن الأجهزة، ويصدق هذا بشكلٍ خاص على الأذن. والإنسان يملك المقدرة على استقبال موجات صوتية أقوى صوت فيها يختلف عن أضعف صوت بعشرة ترليونات مرة، وهذه قدرة مدهشة للغاية حيث تفتقر أدق الموازين السمعية الحساسة إلى مثل هذه الخاصية الفريدة التي تمتاز بها أذن الإنسان. وبهذا فإن طاقة الموجة الحاملة للصوت القوي أكبر بعدد هائل من المرات من طاقة الموجة الحاملة للهمسات، ولذلك فإن تحديد ارتفاع الصوت عن طريق الطاقة غير مريح، وإنما يستعمل مقياس لدرجة ارتفاع الصوت تُعرف وحدة الارتفاع فيه بالـ "بيل"، وعادةً ما تُستعمل أجزاؤها العشرية والتي تُعرف بالـ "ديسيبل". وإذا وقفنا على بُعد عدة أمتار من مصدر الصوت، فإن:
الصوت الصادر عن حفيف الأوراق = 10 ديسيبل.
والصوت الصادر عن شارع هادئ = 30 ديسيبل.
والصوت الصادر عن سيارة عابرة = 50 ديسيبل.
والصوت الصادر عن محادثة بصوت مرتفع = 70 ديسيبل.
والصوت الصادر عن شارع به ضوضاء = 90 ديسيبل.
والصوت الصادر عن طائرة = 100 ديسيبل.
إن زيادة قوة الصوت بمقدار 1 ديسيبل تقابلها زيادة في شدة الصوت مقدارها 26%، ومضاعفة شدة الصوت بخمس مرات يقابلها تغيير بمقدار 7 ديسيبل، وإذا ضاعفنا البُعد عن مصدر الصوت مرتين فإن شدة الصوت ستقل بأربع مرات وقوة الصوت ستقل بمقدار 6 ديسيبل.
الصوت غير المسموع
إن ذبذبة الصوت التي يبلغ مقدارها 20000 هيرتز تعتبر الحد الأعلى للذبذبات التي تستطيع الأذن أن تستقبلها، وفوق هذا الحد لن تتأثر الأذن بالذبذبات الميكانيكية التي تحدث في الوسط المحيط بها. ويمكن بطرق كثيرة إجراء ذبذبات عالية لا يستطيع الإنسان سماعها، ولكن يمكن تسجيلها على الأجهزة العلمية. وليست الأجهزة العلمية الشيء الوحيد القادر على تسجيل مثل هذه الذبذبات، فكثير من الحيوانات، مثل الوطواط، النمل، الحيتان والدلافين (لا يتوقف الأمر على حجم الحيوان) قادرة على استقبال التذبذب الميكانيكي بتردد يصل إلى 100000 هيرتز. وقد توصَّل العلماء لذبذبات فوق صوتية تصل إلى مليار هيرتز.
إن طاقة الموجة فوق الصوتية كبيرة جداً لدرجة أنه يمكننا أن نحس بها. فإذا غمرنا يدنا في سائل تجري فيه ذبذبة فوق صوتية، فإننا سنشعر بألمٍ حاد. والموجات فوق الصوتية قادرة على إجراء تحولات عجيبة على المادة، فإذا ألقينا بقطعة رصاص أو نحاس في سائل تجري فيه ذبذبة فوق صوتية، فإن المعدن سيتفتت مكوِّناً حبيبات شديدة الدقة. أما إذا كانت جسيمات المادة صغيرة، فإن تأثير الموجة فوق الصوتية سيكون عكسياً. فإذا أطلقنا الموجة فوق الصوتية في مكان مليء بالدخان، فإن الهواء سيُنظَّف مما فيه من دخان في الحال (ظاهرة التخثُّر أو زيادة وزن الجزيئات). ويعتبر تأثير الموجة فوق الصوتية على الأحياء عجيباً ومدهشاً، فالكثير من الخلايا (وخاصة تلك التي لها شكل ليفي) تنهار تحت تأثير الموجة فوق الصوتية، كما أن البكتيريا تموت أو تحدث لها تغييرات أساسية، فباستخدام الموجة فوق الصوتية يمكن تعقيم اللبن، كما يمكن البحث عن الشروخ والعيوب الموجودة في الكتل المعدنية ذوات السماكة الكبيرة التي تصل حتى 10 أمتار.
ويستعمل الوطواط الموجات فوق الصوتية، وهو يطلق إشارات غير مسموعة لأذن الإنسان بذبذبة قدرها من 25000 إلى 50000 سايكل/ الثانية، وكل إشارة تستغرق من 10 إلى 15 بالألف من الثانية. وجهاز السمع عند الوطواط ذو درجة غير عادية من التقدم والرُّقي، فهو قادر على سماع الإشارة المنعكسة حتى لو كانت أضعف من الإشارة التي أرسلها بألفي مرة، وهو قادر على تمييز إشارته عند انعكاسها وسط الضوضاء الخارجية مع أن هذه الضوضاء أقوى بآلاف المرات من صدى الإشارة التي أرسلها الوطواط في البداية.
القطع الناقص والصوت
ينتشر الصوت من مصدره نحو جميع الاتجاهات، ويصل جزء صغير فقط من الطاقة الصوتية إلى النقاط البعيدة. فما هو إذاً شكل السطح العاكس اللازم لتجميع الصوت الصادر من المصدر وتركيزه في نقطة واحدة؟ إنه القطع الناقص؛ ذلك المنحنى الرائع الذي يملك خاصية فريدة، وهي أن المسافة بين إحدى بؤرتي القطع الناقص وبين أية نقطة على المنحنى، مضافة إلى المسافة بين البؤرة الأخرى وبين نفس النقطة، هي نفسها بالنسبة لكل نقطة، وشكل مجسم القطع الناقص يشبه شكل البيضة. وفي القطع الناقص، فإن الصوت المنبعث من إحدى بؤرتي مجسَّم القطع الناقص سيتجمَّع في البؤرة الأخرى بعد انعكاسه على السطح.
وقد عُرفت هذه الخاصية للمنحنيات السطحية منذ القدم، واستُعملت هذه السطوح لاستراق السمع عمَّا يدور بين المفكرين.
إن صنع مجسَّم القطع الناقص صعب نسبياً، ولكن خاصيته الرائعة كانت ولا زالت إحدى أهم التصميمات الهندسية، خاصةً في المسارح والقاعات الموسيقية وقاعات الاجتماعات، وهذا ما يسمى بفن الصوت المعماري.
الموجات على السطح
أثناء أشد الزوابع البحرية، يسود الصمت على عمق عدة أمتار تحت سطح البحر، حيث أن الموجات البحرية تعتبر واحدة من الحركات الموْجيّة التي تحدث على سطح الجسم فقط، وفي بعض الأحيان يبدو لنا أن الموجات البحرية عبارة عن حركة كتل مائية، إلا أن هذا ليس كذلك. والواقع، إن جسيمات الماء تتحرك على محيط دائرة، ومستوى الدوائر يكون عمودياً على جبهة الموجة. وباستطاعة الموجات البحرية أن تكون بسعات متنوعة وبأطوال مختلفة، وهي تضمحل بسرعة كلما غصنا في الماء، حيث إن الجسيمات تحت السطح تتذبذب بسعة أقل كلما ازداد العمق، وعند عمق يساوي طول الموجة سينعدم التذبذب تقريباً.
كيف تنقل الأجسام الصلبة الصوت؟
إن انتقال الصوت عن طريق السوائل والغازات يختلف عن انتقاله عن طريق الأجسام الصلبة. وهذا الفرق يتلخص في إنه إلى جانب الموجات الطولية في الأجسام الصلبة، يمكن أن تنشأ موجات عرضية، والموجة العرضية تتميز بأن الجسيمات التي تشارك في عملية التذبذب لا تتذبذب باتجاه انتشار الموجة بل على العكس بالاتجاه العمودي على اتجاه الانتشار، أي بعرض اتجاه الانتشار.
والموجة العرضية مستحيلة في السوائل والغازات، لأن هذه الأوساط تقاوم الضغط ولا تقاوم الإزاحة، أما الأجسام الصلبة فهي لا تمانع التغيير في الحجم فقط، بل تمانع التغيير في الشكل أيضاً، ولذلك يمكنها أن تحتوي على الموجات الطولية والعرضية التي توصل الصوت بنفس الجودة ولكن ليس بنفس السرعة، فالموجات الطولية تنتشر أسرع من الموجات العرضية دائماً.
إن سرعة الموجات العرضية في الصلب تساوي 3000 متر/ الثانية، أما الطولية فتبلغ سرعتها 6000 متر/ الثانية. ولكن سرعة الصوت في الرصاص مثلاً هي 700 متر/ الثانية للموجات العرضية، و2200 متر/ الثانية للطولية. كما أن هناك موجات سطحية تنتشر في الجسم الصلب، وهي تخضع لقوى المرونة وتتحرك على منحنيات مقفولة قريبة الشبه بالقطع الناقص، وكلما ابتعدنا عن السطح تتضاءل الموجة حتى تتلاشى تماماً.
الأرض والصوت
تعتبر الأرض موصلاً جيداً للصوت، وما كنا نراه في الأفلام من أن ضربات حوافر الخيل تُسمع على بُعد أكثر من كيلو متر، يعتبر حقيقياً في الواقع. والموجات الصوتية التي تنتشر في الأرض تحمل لنا أخبار الزلازل، والموجات الصوتية التي تنشأ عنها تسمى موجات الزلازل. ويمكن رصد سرعة وسعة وطول وذبذبة هذه الموجات بوساطة جهاز الـ "سيزموغراف". وتحدث حوالي 100000 هزة على مدار السنة، تنتشر موجاتها الطولية والعرضية والسطحية بجميع الاتجاهات، الأهم فيها هي الموجات السطحية. وتبلغ سرعة الموجات الزلزالية الطولية 5.5 كيلو متراً / الثانية، والعرضية 3.3 كيلو متراً / الثانية.
انتشار الصوت في السوائل
عند السباحة تحت الماء ندرك أن الصوت ينتشر عبره بشكل جيد، ويُسمع صوت محرك القارب ضمن الماء أسرع مما نسمعه في الهواء. ويدعى جهاز التقاط الأصوات داخل السوائل "هيدروفون". وتبلغ سرعة الصوت في الماء 1400 متراً/ الثانية.
انتشار الصوت في الغازات
إن سرعة انتشار الصوت تزداد كلما نقصت كثافة الغاز، كما أنها تزداد بازدياد درجة حرارة الغاز. ولا تتوقف سرعة انتشار الصوت في غاز ما على ضغط هذا الغاز، ولا على تواتر الصوت ضمن هذا الغاز.
الموجة الضاربة
فيزيائياً، فإن الانتشار الموجي هو تلك الحالة التي تحدث فيها زيادة أو انخفاض ضغط نتيجة انفجار.
وتعلو الموجة بالتدريج، ثم تهبط دفعة واحدة. حيث تمتاز الموجة الانفجارية أو الموجة الضاربة بالقفزة الحادة للضغط عند جبهة الموجة، فالنقط التي كانت ساكنة ستحتويها قمة الضغط بسرعة خاطفة، أي إن جسيِّم الهواء الذي كان تحت الضغط الجوي العادي سيقع بعد زمن لحظي تحت أكبر ضغط، وباستمرار حركة الموجة الضاربة سيبدأ الضغط في النقطة التي ركزنا عليها الانتباه بالهبوط تدريجياً.
تنتشر الموجة بالفراغ في جميع الاتجاهات، والموجة الضاربة لا تحمل في طياتها التغيير الحاد في الضغط فحسب، بل التغيير في الكثافة ودرجة الحرارة أيضاً. ويحدث تغيير الخواص الحاد بحدَّة متناهية، فالانتقال من السكون التام إلى أقصى سرعة يتم في مسافة صغيرة تساوي عدة أضعاف طول المسار الحر لجزيِّئ الغاز. وطول المسار الحر للهواء يبلغ جزءاً من ألف من السنتيمتر. وهكذا فإن زمن القفزة الحادة يقاس بجزء من عشرة مليارات من الثانية، وهذه التغييرات في الضغط والكثافة ودرجة الحرارة وسرعة الحركة هي علامات ظهور الموجة الضاربة.
إن مقادير قفزات جميع الكميات (ضغط – كثافة – حرارة) عند جبهة الموجة الضاربة مرتبطة ببعضها بعضاً. وبمعرفة قيمة القفزة أو التغيير الأقصى للضغط، يمكننا حساب قيمتها بالنسبة للكثافة والحرارة وسرعة الحركة. وكلما زاد ارتفاع جبهة الموجة الضاربة، كلما زادت سرعة انتشارها.
إن الموجة الضاربة المتواضعة التي تزيد الضغط بمرة ونصف تؤدي إلى زيادة الكثافة بنسبة 30% وإلى ارتفاع درجة الحرارة 35 درجة مئوية، وتساوي سرعة جبهة مثل هذه الموجة الضاربة 400 متراً / الثانية، وينتقل الهواء معها بسرعة 100 متراً / الثانية. وإذا كانت الموجة تضاعف الضغط عشرات المرات، فستحدث عند جبهة الموجة قفزات كبيرة، فالكثافة ستتضاعف أربع مرات، ودرجة الحرارة ستزداد 500 درجة مئوية، وسرعة الريح الناتجة ستصل إلى 72 متراً / الثانية، أما سرعة انتشار الموجة الضاربة نفسها فستبلغ 1 كيلو متراً / الثانية.
إن الموجات الضاربة الناشئة عن الانفجارات الشديدة يمكنها أن تنتشر لعدة كيلو مترات، والموجات الضاربة الضعيفة يمكنها تكسير زجاج النوافذ وتحطيم جدران المنازل واقتلاع الأشجار من جذورها. وخاصية الهدم في الموجات الضاربة تعتمد على عدة عوامل، وبدرجة خاصة على مدة تأثير الموجة. ولكي نتصور العلاقة بين خاصية الهدم للموجة الضاربة، وبين العامل الأساسي في ذلك وهو ارتفاع الضغط، يمكننا القول إن الموجة الضاربة التي يبلغ ارتفاع جبهتها 2% فقط قادرة على تكسير الزجاج، أما التي يكون ارتفاع جبهتها ضعف ذلك، فهي قادرة على تحطيم الجدران السميكة.
الحركة بالسرعة فوق الصوتية
ما هي تقنية الانفجار الصوتي الناجم عن اختراق جدار الصوت (موجة الصدم):
إن الموجة الضاربة تتحرك بسرعة فوق صوتية، وقد ظهر أن حركة الأجسام الصلبة في الهواء بسرعة فوق صوتية يؤدي إلى حدوث الموجات الضاربة، ولذلك فإن للموجة الضاربة أو موجة الصدم أهمية كبيرة في الطيران الحديث، خصوصاً عندما أصبح بالإمكان الطيران بسرعة فوق صوتية تزيد عن 330 متراً / الثانية أو 1200 كيلو متراً / الساعة. وحركة الطائرة بسرعة تتعدى حاجز الصوت، يختلف اختلافاً كبيراً عن التحرك الذي لا يتعدَّى الحاجز الصوتي (بسرعة أقل من سرعة الصوت). وهذا الاختلاف يتلخص في أنه تنشأ أمام الأجسام الطائرة بسرعة فوق صوتية موجة صدم أمامية وأخرى خلفية، وهي عبارة عن منطقة على شكل صفيحة يكون فيها الهواء ذا كثافة عالية، أما سماكتها فتساوي تقريباً 5 – 10 سنتيمتراً.
ويكون شكل الموجة الضاربة (موجة الصدم) المتكونة أمام قذيفة مستديرة الرأس حاداَّ، أما شكل الموجة الضاربة المتكونة أمام قذيفة مدببة الرأس فإنه يختلف بعض الشيء وتكون الموجة قابعة فوق أنف القذيفة.
وتأخذ جبهة الموجة شكل المخروط، وكلما كانت القذيفة أسرع كلما كان المخروط حاداً (أي زاويته أصغر).
وتعتبر موجة الصدمة المصدر الرئيس للكبح (المقاومة) بالنسبة للجسم الطائر بسرعة فوق صوتية، أما عند السرعات التي تقل عن سرعة الصوت فإن المقاومة تنشأ أساساً من الحركة الاضطرابية (الدوامية)، ولذلك فإن شكل الجسم المناسب لكل من هذين النوعين من الحركة سيكون مختلفاً، والشكل المناسب للحركة بسرعة عالية لن يكون مناسباً للحركة بسرعات أقل، والعكس صحيح.
إن الجسم ذا الرأس المدبب يساعد على إحداث الحركة الدوامية، ولذلك فإنه يزيد من مقاومة الحركة عند السرعات الأقل من سرعة الصوت، وهو نفسه يقلل من مقاومة موجة الصدم. أما الجسم ذو الرأس المنفرج فإنه يقلل من الحركة الدوامية، ولهذا فإنه أنسب بكثير من الجسم ذي الرأس الحاد للسرعات الأقل من سرعة الصوت. أما عند اختراق حاجز الصوت فإن هذا الجسم برأسه المنفرج سيصبح أقل صلاحية لأن الموجة الضاربة ستصبح عندئذٍ العامل الرئيس في المقاومة، ولهذا السبب فإن مقدمة الطائرات الحربية غالباً ما تكون مدببة لأنها تندفع بسرعات فوق صوتية.
وللأسف، فإن التخلص من الموجة الضاربة (موجة الصدم)، وهي أهم مصدر يقاوم الأجسام المتحركة بسرعة فوق صوتية، يعتبر مستحيلاً.
ما الذي يحدث عند حاجز الصوت؟
عندما تحلِّق طائرة فوق رؤوسنا بسرعة تفوق سرعة الصوت، فإننا نسمع دويَّاً شديداً ومفاجئاً، إنه الانفجار الصوتي. وخلافاً للرأي السائد، فإن هذا الدوي لا يصدر عندما تخترق الطائرة جدار الصوت فقط، بل يصدر عنها بشكل متواصل خلال المدة التي تكون فيها سرعتها تفوق سرعة الصوت.
تزيح الطائرة الهواء جانباً أثناء طيرانها، محدثةً بذلك عدداً لا حصر له من الاضطرابات تعرف باسم موجات الضغط، وتنبع من الأماكن المختلفة على سطح جسم الطائرة، منتشرةً على شكل الموجات التي يحدثها قارب يمخر عباب الماء، وتنتقل جميع هذه الموجات بسرعة الصوت. وتستطيع هذه الموجات عند السرعات تحت الصوتية أن تتحرك أمام الطائرة وخلفها فتسبق الطائرة بحيث لا تدركها أبداً، إلا أن تلك الموجات لا تستطيع أن تسبق الطائرة عند السرعات الصوتية لأن مصدرها (الطائرة) تتحرك بنفس سرعتها، فتتراكم الموجات الواحدة فوق الأخرى معززةً بعضها بعضاً لتولِّد موجة صدمة عالية الضغط وعمودية على خط الطيران. أما عندما تتجاوز الطائرة سرعة الصوت فإنها تُخلِّف وراءها موجات الضغط، وتنحني موجة الصدمة إلى الخلف وهي ما تزال تصدر عن الطائرة، ويكون شكل موجات الصدمة المتتالية هذه مخروطياً. وتتكون موجة الصدمة الأولى دائماً على الأجنحة، حيث يزيد سطح الجناح من سرعة سريان الهواء، والواقع أن بعض أجزاء الجناح يصل إلى سرعة الصوت قبل بقية أجزاء الطائرة.
وموجات الصدمة هذه قادرة على أن تعوق فاعلية أسطح التحكم، وهي تزيد الكبح بشكلٍ خاص زيادة كبيرة، حيث يدعى بالكبح الموجي. ويمكن إظهار موجة الصدمة في نفق هوائي عن طريق أساليب فوتوغرافية خاصة، تُعرف باسم "طريقة شليرني".
فعندما تفوق سرعة الطائرة سرعة الانضغاطات الصوتية، تُحتبس هذه الانضغاطات داخل "مخروط ماخ" (نسبةً إلى عالم الطبيعيات "إرنست ماخ" الذي استنتج أن شكل موجات الصدمة المتتالية يكون مخروطياً). ولا يسمع المراقب (الافتراضي) من على سطح الأرض شيئاً ما دام موجوداً خارج مخروط ماخ، وفي اللحظة التي يدخل فيها المراقب مخروط ماخ فإنه يسمع صوت الطائرة فجأةً، وذلك هو الانفجار الصوتي. وبعد أن يدخل المراقب مخروط ماخ، فإن سعة الصوت تتناقص بسرعة كبيرة، فالصوت ينتشر في الجو على طول منحنيات خاصة تُدعى "الأشعة الصوتية"، وهي شبيهة بالأشعة الضوئية، ويستغرق انتقال الصوت من مصدره إلى المراقب على هذه المنحنيات أقصر فترة، كما أن دوي موجة الصدم سيُسمع مرة واحدة إذا كان المراقب ثابتاً مع أن هذا الدوي يصدر عن الطائرة باستمرار.
إن سرعة الصوت تنخفض من 342 متراً / الثانية على سطح الأرض إلى 295 متراً / الثانية على ارتفاع 11 كيلو متراً، بيد أن الرياح والانكسار الجوي للصوت تسهم في تشويه الأشعة الصوتية. وعندما تُحلِّق الطائرة بسرعة تفوق قليلاً سرعة الصوت (أقل من 1.15 مرة من سرعة الصوت) وفي ظروف جوية قياسية، يكون مخروط ماخ مفتوحاً جداً، وتنتشر الأشعة الصوتية بشكل شبه أفقي وتعود قبل بلوغها سطح الأرض مرتفعةً نحو الأجواء العالية، وعندئذٍ لا يُسمع الدوي على سطح الأرض. وفي حالة السرعة العالية، فإن الأشعة الصوتية المنبعثة في مستوى معين بمسار الطائرة والمستقيم الشاقولي تبلغ سطح الأرض.
وتُدعى المنطقة حيث يُسمع دوي الانفجار الصوتي بـ "منطقة البساط". وتتجاور منطقة البساط تماماً مع منطقة انعدام الصوت، وعندما تُحلِّق الطائرة بسرعة تفوق سرعة الصوت بمرتين (2 ماخ) وعلى ارتفاع 15 كيلو متراً، يكون عرض البساط نحو 85 كيلو متراً.
لو كانت الطائرة مُمثَّلة بنقطة، لأصدرت صوتاً قصير المدة يُسمع تماماً على سطح مخروط ماخ الذي يُحدد الموجة الصدمية الناتجة عن الحركة فوق الصوتية. والواقع أن الطائرة تشغل حجماً، وكل تغيير في شكلها الهندسي (الأنف – مقاطع الجسم – حافات الهجوم – حافات الفرار للأجنحة – المحركات) ينتِج مخروط ماخ خاصاً به، وتزداد الموجة الصدمية المصاحبة لهذا المخروط قوةً كلما زادت أهمية هذا التغيُّر في الشكل الهندسي للطائرة. وبتواصل مرور مخاريط ماخ، يسمع المراقب المجاور للطائرة انفجارات عديدة ترتبط بكل واحد من تفاصيل شكل الطائرة. ولا نسمع انفجاراً واحداً على سطح الأرض، لأن مختلف الأمواج الصوتية الموجودة في الإشارة الصوتية تنتشر بسرعات متفاوتة قليلاً، وعندما تكون مسافات الانتشار طويلة تلتحق الأمواج الصدمية الأكثر شدة بأضعفها، وتندمج معها بشكل يجعل الإشارة الصوتية على سطح الأرض لا تمثِّل عموماً سوى انفجارين، أحدهما قبل الإشارة والآخر بعدها. وإن التغيُّر العنيف في الانضغاط وشدة الانفجار والمدة التي تفصله عن الانفجار الصوتي الثاني، قد تجعلنا نسمع انفجاراً صوتياً مُضاعفاً.
يُركِّز مهندسو الطائرات والقذائف كل اهتمامهم على إضعاف وتقليل المقاومة الناشئة عن الموجة الضاربة، ويمكن تقليل هذه المقاومة بالنسبة للطائرات والقذائف عن طريق جعل شكلها مدبباً أو حادَّاً. والجناح المتراجع يفي بالغرض، فتدفق السيل الهوائي عليه يتحلل لمركَّبين؛ واحد يمسّ الجناح، والآخر عمودي عليه. هذا التحليل للقوى يؤدي إلى إضعاف المقاومة بشكل محسوس، ولكن يجب التوفيق بين الشكل السهمي المناسب للسرعات فوق الصوتية وبين الشكل المناسب للإقلاع والهبوط اللذين يتطلبان سرعات قليلة، تلك المشكلة التي حُلَّت عن طريق الأجنحة المتحركة. وبالمزيد من السرعة التي يعكف المصمّمون على زيادتها دوماً، سيواجهون عامل مقاومة آخر غير الحاجز الصوتي، ألا وهو الحاجز الحراري، فارتفاع درجة الحرارة الناشئة عن الانضغاط يتناسب مع سرعة الهواء، فكلما زادت السرعة زادت سخونة الهواء، وعند اللحظة التي تصل فيها السرعة للحاجز الصوتي سوف ترتفع درجة حرارة الهواء إلى 60 درجة مئوية، وهذه الحرارة لا تحمل أي خطر. ولكن الهواء ستزداد سخونته بـ 240 درجة مئوية عندما تكون سرعة الطائرة ضعف سرعة الصوت، وستكون حوالي 820 درجة مئوية عند الطيران بسرعة ثلاثة أضعاف سرعة الصوت إلخ.. ومن البديهي أن هذه الزيادة في درجة الحرارة تؤدي إلى تعقيدات كثيرة من الناحية التكنولوجية، وعند سرعة 10 كيلو متر / الثانية تقريباً تصبح درجة الحرارة هائلة، لدرجة ينصهر فيها أي جسم ويتحول إلى بخار، وهذا هو حال النيازك التي تسقط إلى الأرض من الفضاء الكوني باستمرار بسرعات تصل إلى عشرات الكيلومترات في الثانية حيث تبدأ بالتسخين على ارتفاع 200 كيلو متر، وعند ارتفاع 60 – 130 كيلو متر ترتفع درجة حرارتها لحدِّ التبخر، ولا يصل إلى الأرض إلا ما كان حجمه كبيراً منها، حيث لا تصل الحرارة إلى كتلته كلها، وهكذا يصل جزء منه إلى الأرض ويُحدِث فيها دماراً هائلاً.
*صحفي وباحث في علوم الطيران
husam-sh@scs-net.org
المراجع:
- كتاب "موسوعة عالم الطيران – الجزء الأول" – محمد سمير الببيلي – دار الشرق – دمشق – 2005.
- كتاب "موسوعة عالم الطيران – الجزء الثاني" – محمد سمير الببيلي – دار الشرق – دمشق – 2005.
- صفحات من مواقع متنوِّعة على شبكة الإنترنت.
- مجموعة برامج وثائقية تلفزيونية.
المصدر : الباحثون العدد 71 أيار 2013