الإنسان بطبعه التكويني مؤسسٌ للبحث أثناء مسيرته نحو المعرفة بكون المعرفة سبب الحياة، وبشكل خاص عِلَل القضايا والإشكاليات، حيث يبحث خلال سبره لها عن فهمها أولاً، ومعالجة الخلل إن وُجد فيها ثانياً، وقد يصيب فيها رأياً أو يفشل أو يكون بَين بَين، ولكنّ الاجتهاد طبعٌ إنساني، يُسعد الإنسان برمّته، بكونه اجتهاداً.. في هذا الصدد نخوض غمار ما نبحث فيه، ونبدأ من حيث كان العالم في البدء أسرة واحدة، وطبيعي بحكم التطور وصل إلى ما وصل إليه الآن؛ ولكن كيف؟
لن أوغل في التاريخ؛ إنما سيكون لنا محطات ومنعطفات نعرّج عليها من أجل فهم مضمون عنواننا هذا، وما نقصد بطرحنا إياه، ونستعرض أن الأرض سادتها حضارات، وحّدت الجغرافيا على اختلاف تنوع الأمم على مساحات زمنية نوعية، مثل: الحضارة الفارسية. والآشورية والكلدانية. والفينيقية. والكنعانية. والإغريقية. والرومانية. والفرعونية المصرية. والإسلامية، وجميعها جمعت رقعة الأرض من أوروبا إلى إفريقيا إلى آسيا، فلم يكن هناك تقسيم؛ إنما خضوع مطلق لسلطة تلك الحضارات، ومن أجل هذا نبحث، فما لا يدركه الكثرة من البشر أن الحياة تكونت عبر مليارات السنين من آلاف الدورات الحياتية؛ التي لم تكن عبر كامل مسيراتها الحيّة تمتلك نهاية كلية، ولم تصل إلى الفناء الكلي أي: لم تنقطع الحياة الكونية أبداً، والمنطق العلمي يأخذنا إلى ذلك، ولو أنها انقطعت حقيقة لاحتاجت لصور جديدة تختلف عن سابقاتها، ولذا تجدني أبدأ من العمق في بحث نحتاج منه وبعجالة استعراضاً سريعاً لمجريات الدورة الأولى؛ التي تحدثَت عن الخلق الأول وظهور آدم وليلاه (ليليث) في المعرفة البحثية بداية، ومن ثم آدم وحواء كمسكون عقلي، تتوارثه الحقب التاريخية ضمن الانتقال إلى الدورات الحياتية كنبتتي أرض، وبدء مسيرة تكاثر البشر.. واعذروني لطرح هذا الذي أقول فيه: إن أحداً لم يستطع تحديد بداية كونية، ولكن الحاجة الدائمة للبدء في أيِّ أمر أو منحى أو مسير أو لقاء أو منتج يحتاج بداية، فتمّ اختراع بداية بحثية علمية افتراضية؛ قدَّرت عُمر الكون بأربعة عشر مليار سنة ونيِّف، ولكم كامل التفكير فيما أنحو إليه، وبما أن الإنسان مبدع المبادئ الرياضية، ومنها أوجد السلاسل الهندسية نسقطها على التكاثر، أمر منطقي يقبله العقل العلمي ويدعمه الفكر الروحي، وكذلك استيعابنا للأبحاث المعقدة الناتجة عن عمليات الانقسام الخلوي غير المباشر، والذي يعتبر وسيلة التكاثر لدى الأحياء الحيّة والمستمرِّ منذ تلك البداية، مروراً بالحاضر، وإلى ما سيأتي من الزمن، هل له نهاية في اعتقادكم؟.. فالمدوّن- نتاج البحث العلمي- يشير إلى أن عدد سكان العالم قبل عشرة آلاف عام من الآن: كان حوالي خمسة ملايين، وعند ميلاد السيد المسيح: ما يقرب من مئتي مليون إنسان، وفي منتصف القرن السابع عشر: خمسمئة مليون، ومع بدايات القرن التاسع عشر: اقتربوا من المليار، ومع بدايات الألفية الثانية بعد الميلاد تشير الإحصائيات إلى سبعة مليارات، وحينما نأخذ سورية نموذجاً، فنجد أن عدد سكانها عام 1920 كان مليوناً ومئتي ألف نسمة، وفي عام 1950 ما يقرب من خمسة ملايين نسمة، وفي عام 1970 سبعة ملايين نسمة، واليوم هم ثلاثة وعشرون مليون نسمة، هذا ضمن دورتنا الحياتية الأخيرة، فإلى أين نحن ذاهبون، ولماذا أقول الدورات الحياتية لأن الانتقال من دورة إلى أخرى يحتاج إلى إنهاء جُلِّ الحياة البشرية والحيوانية والنباتية، ليبقى مجموعٌ قليلٌ وضئيل جداً؛ يحملون مسؤولية إعادة بناء الأرض وإعمار الإنسان فيها من جديد، فلا يمكن لكوكبنا الحي أن يستوعب حجم التكاثر؛ رغم التطور ووجود الموت الطبيعي كنسبة لا تتناسب أمام حجم التكاثر والرعاية العلمية المتطورة للقادم الإنساني، وما أقصده فيما ننهجه ونبغي الوصول إليه من عنواننا لنبني تحته شرحاً لمضمونه، وبما أن الكثرة من الناس لا يعلمون علمية استمرارهم، وأكثرهم لا يؤمنون بجوهر خلقهم ولا الغاية من استمرارهم، ولماذا كانت نهايتهم عبر الحقب الزمنية، وهل تمّ خلقهم من جديد أم إنهم نتاج آدمهم وحوّائهم أصحاب البداية يستمرون بالتكاثر والانقسام، فإذا أعدنا الناس إلى العلم الذي هو منبت العقل العلمي وإبداعه في الأديان ومفاهيم الفقه والشرع واللاهوت والناسوت؛ نرى أن تلك العلوم امتلكتها الندرة، وإن الكثرة بعيدة جداً عن علوم التفقّه، تحيا ضمن فلسفة الاستمرار، فلا تعقل الخطاب المقدس المتّجه في ثلاثيته إلى المؤمنين بشكل خاص، والذي وُجد أيضاً في الدورة الحياتية الأولى، واستمرّ مع كل بداية دورة حياتية جديدة ضمن فلسفتهم، حيث شكّل الإيمان علم الجوهر، أما المظهر فهو أضلاع مثلثه التي توزعت على الكثرة المنتشرة بين الخاصة والعامة، وبما أن العامة تستسلم للصورة ولا تدير للمعاني عين عقلها؛ وإنما تكتفي بمظهرها أي إنها أدوات تُبرمج وتؤدي عملها ضمن تراتبية الطلبات، ولذلك نرى أن السواد الأعظم من البشرية لم يستطع أن يمتلك مفاهيم علومها؛ بل بقي منفذاً وتابعاً لما تأمر به الطبقة العليا، وأقصد العالِمين والعارفين والمبدعين الذين يمتلكون العين الباصرة الساكنة ضمن العقل والقلب، أي العين صاحبة الرؤية التي تتأمل، وتحوّل التأمل من رؤية إلى علم، ومن علم إلى منتج تفيد به البشرية، ومن لا يرى من خلالهما إنسان العامة، والعيون ظاهرة على مظهر الصورة، أي: على الوجه تعمل كحاسّة ناقلة تتبادل لغة المرور كي لا تصطدم ببعضها لا أكثر ولا أقل، أما خاصة الخاصة، وهي طبقة العلماء والساسة أصحاب التابو الذين يقدمون رجال إدارة السياسة كواجهات لحركة فكرهم السياسي، دون أن يدروا عن عمق غايتها شيئاً؛ إنما يمارسونها من باب الحصول على شخصيتها التي تحقق لهم الحضور الإيمائي .
مدخل أردت منه تحليل جوهر التكاثر ضمن العالم المادي اللاعلمي "اختصاص المادي" القائم على فكرة: "هل امتلأت: هل من مزيد"، وأيضاً نراه متعلقاً بسمة الروح والجنس، حيث "أكثر" تعني الطلب والزيادة، فهي حاجة، وكثير: كفى وفاضَ عن الحاجة، وتكاثَرَ: تناسَلَ بين كل جنس، فالنبات تتوافق زيادته بالاجتهاد الزراعي، حيث يخضع لنظرية الجهد الإنساني وتفاعله مع المناخ وسلطة الطبيعة، كالجفاف والصقيع و الرياح، ومهما بذل الإنسان من جهد حول إنتاجه له يبقى تحت نظرية الرحمة، والسواد الأعظم من المشتغلين بالزراعة متديّنون إلى حد كبير، بحكم العلاقة بين الأرض والطبيعة، وأيضاً نجدهم فطريين من حيث أنهم تعلموا فلسفة الانتظار بين المواسم، وكذا في الموسم الواحد، لأن الأمل منعقد على النتائج، والنتائج تحتاج الانتظار والانتظار صعب ومؤلم، لذلك نجدهم قلقين، وكي يبعدوا قلقهم يتجهون بحسب معتقداتهم إلى مكوِّنهم بالطلب الدائم، أما الحيوان على اختلاف أنواعه فتكاثره تتكفل به نظرية التوازن البيئي، ولكل نوع ضدّه يعيش عليه.
وبالعودة لعنواننا وإسقاطه على موقعنا الحي نجده عالماً مادياً بحتاً، سكن جوهر الروحي والمادي في آن، رابطاً محاور الحياة إليه، والظاهرة في التجارة والصناعة والسياسة والدين والجنس، حيث غدت كافة علومها فارغة جائعة، فهي لا تعرف حداً تقف عنده، كالنار تلتهم كل شيء على الرغم من جمال مرآها وقوة خدماتها؛ لكن لا تمتلئ أبداً حين اشتعالها واشتغالها باحثة عن المزيد والأكثر وكثير، وهذا سيحدث عند تحول البشرية إلى مفاهيم اللانهاية من الكثير، وتنقلب على ذاتها، لتنتهي الدورة الحياتية التي كنت قد تحدثت عنها في موسوعة فلسفة التكوين الفكري.
التكاثر تقسيم، بعد أن حدث التوالد والتكاثر الذي شبّهناه بالسلاسل الهندسية والانقسامات الخلوية، ما الذي جرى؟.. إن البشرية انقسمت مع تكاثرها إلى أمم وشعوب وألوان وقارّات، وكذلك الأمم انقسمت إلى أديان ومذاهب وطوائف وإبداعات روحية فكرية، واجتهادات ضمن كل فئة ومذهب ودين، وهذه الطوائف والمذاهب والأديان امتلكت قوة فكرة التكاثر القادمة من العمق التاريخي الروحي القديم؛ من أجل إثبات حضورها وتثبيت أقدامها، فنراها تقتطع بقاعاً جغرافيّة تحصر ذاتها فيها، وتبدأ عملية التكاثر، فاليهود بدؤوا فئة لم يجاوزوا اثني عشر سبطاً مع موسى، والمسيحيون بدؤوا كذلك مع اثني عشر حوارياً كانوا مع السيد المسيح الذي بدأ بالصيادين الأربعة عند بحيرة طبريا، وكذلك أنصار الرسول العربي الذين هاجروا إلى الحبشة أولاً وصحابته الذين تحولوا إلى خلفاء راشدين، فالذي جرى ضمن هذا المثلث الذي حضر إلى الحياة الكونية بالتسلسل على الرغم من بداية كل واحد منهم بلا طوائف ولا مذاهب؛ لنقف على حقيقةِ أن اليهودية غدت متعددة الطوائف، فهم: الكتبة، الفريسيون، الصدوقيون، الهيرودسيين، وأيضاً الأرثوذكسية، الإصلاحيون والمحافظون، والمسيحية: الأرثوذكس الكاثوليك البروتستانت ومنهم أيضاً توالدت القبطية والأرمنية والمارونية والإنجيلية وشهود يهوه والمارمونية، والإسلام الذي انقسم إلى المذاهب السبعة: الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي والزيدي والإباضي والجعفري، وبعد ذلك جاء الانقسام إلى: الطوائف العلوية والإسماعيلية والشيعية والدرزية التي انقسمت بدورها إلى طوائف، وظهرت من خلالها القاديانية والبراهماتية والبابية والأحمدية والمرشدية، ناهيك عن انقراض ديانات أو بقاء ندرة من بقاياها كـ "اليزيدية-عبدة الشيطان"، وعبدة النار، والصابئة، والنصارى الموحّدين، وحينما نتابع أيضاً انقسام الفكر الأيديولوجي المنعكس في جوهره من الانقسامات الدينية ماذا نجد؟. إن هناك نظاماً عالمياً جديداً يدحرج الأفكار بحسب ما يريد لنظامه أن يستمر، فالفكر الشيوعي والذي كان جزءاً من إبداع ساد حيزاً من العالم لا يستهان به ما يقرب من ثمانين عاماً، لينهيه حين شاء ويُدخله تحت جناحه، ومازالت بقاياه منتشرة دون فاعلية تذكر حتى اللحظة، والفكر الرأسمالي في عالم الشمال يسيطر على الفكر الروحي في عالم الجنوب، موجداً له أنظمة تزيد من تخلّفه على الرغم من امتلاكه لكامل منابع المادة دون أن يستطيع الإفادة منها، وبقي مستخرِجاً بائعاً ومستهلكاً، فيما يقدم له، وأبقاه كما هو معزِّزاً لديه الروحانيات واستمرار تقسيمه من خلالها، وزيادة التصارع فيما بينها، يجعل منها متخلّفة، وكلما حاولت أن تنمو أو تحبو يعيدها من خلال تعزيز أفكار الانقسام القادمة من ثقافة الأنا التي تُشتت الرؤى، وتبعدها عن تقبّل الآخر وقبول التطور.
التكاثر انقسام وتخلّف، يزيد التبعية عبر انتشار الفقر والجوع واللهاث وراء التصارع لا أهداف منشودة، وإنما سعي وراء النهاية غير المرئية، وعبثية البناء، فلا هوية للكثرة المتكاثرة إلا بالتقسيم، يشارك في ذلك الدين أو المذهب أو الطائفة أو الأيديولوجيا أو نوعية المجتمع، وحينما نأخذ أمة أو دولة أو بقعة جغرافيّة ما تمتلك من التعدد الإثني أو الطائفي أو المذهبي، وأيضاً العقائدي والتعدد القومي، نرى كيف كانت وكيف أصبحت وإلى ماذا ستؤول، ومثالنا: الشرق الأوسط أو بلاد الشام التي ضمّت في كتلتها التاريخية تراكمات ثقافية وفكرية وحضارية وتداخلات وبقايا أمم وشعوب مرت من خلالها: رومانية وعثمانية وتركية ومغولية ومملوكية، من آسيا الوسطى ومن الجزيرة العربية عبر مئات السنين؛ حيث بقايا الكل أخذت تنمو على امتداد القرن الماضي بكامله، ففي عام 1920م لم يتجاوز عدد الأكراد ما بين تركيا والعراق وسورية خمسمئة ألف نسمة، والدروز لم يتجاوزوا في ذات العام من القرن الماضي بين سورية ولبنان وفلسطين المئة ألف، والمسيحيون على اختلاف تنوعهم لم يصلوا في ذلك التاريخ إلى مئتي ألف بين الدول القائمة من اتفاقية سايكس بيكو "سورية ولبنان والأردن وفلسطين والعراق"، وحتى ذلك العام كانت تركيا قد تخلصت من كافة المسيحيين، وبلغت نسبة المسلمين فيها 97%، طبعاً الأتراك مع القومية الكردية النائمة والتي تضم السنة والعلويين والشيعة، وكذلك الخليج بإماراته ومملكته السعودية، وكانت النسبة العظمى من المسلمين السنّة بحدود 80% والطوائف والمذاهب الأخرى من المسلمين، أي: الشيعة والإسماعيليين والعلويين وتشعباتهم 20% ، ونسبة من اليهود الذين لم يتجاوز مجموعهم في كامل الشرق العربي "السوري اللبناني الأردني العراقي" الخمسين ألفاً، وطبعاً السنة ليسوا من أصول سورية فحسب؛ وإنما ضمن هذه النسبة هناك: الشركس. والتركمان. والأرنؤوط. والبخاريون. والأكراد. والوافدون من المغرب العربي المستقرّون في بلاد الشام.
فما الذي جرى خلال 100عام؟ انتبَهَ الجميع إلى عملية التكاثر، وعمل الكثرةُ عليها باستثناء اليهودية التي هاجرت في معظمها إلى الغرب وفلسطين، وكذلك المسيحيون ونتاج الضغط القادم من إبداعات التشدّد الإسلامي ومغريات الغرب الأوروأميركي، وبعد أن تزايد عددهم بدؤوا بعمليات الهجرة إلى أوروبا وأميركا؛ بينما نرى أن الأكراد وصلوا إلى ما يناهز الأربعين مليوناً في العالم، غالبيتهم في تركيا بين العشرين والثلاثين مليوناً، وفي سورية هم يقاربون المليونين بعد أن كانوا عام 1920م لا يتجاوزون الخمسة والعشرين ألفاً، والدروز وصلوا ما بين سورية ولبنان وفلسطين إلى ما يقرب مليونين وخمسمئة ألف، والعلويون ثلاثة ملايين ما بين سورية ولبنان، والشيعة مع الإسماعيليين والمرشديين وصلوا إلى ما يقرب من مليونين ما بين سورية ولبنان.
الأحلام تكبر بدءاً من الأسرة الواحدة / الخلية الأولى، الأبناء يبنون أسراً ومعها جغرافيا جديدة، وآراء نوعية بحكم التكاثر والتطور، وأنا التملك المادي والروحي، كما خلية آدم وحواء بعد تخلّيه عن ليليث الأولى، ومن الطبيعي أن يكون الانتشار والاستقلال عبر الصراعات مع الحياة، أولاً من أجل إثبات الوجود وتأطير الحضور، وكلٌ يتشكل من جغرافيا البدء، يبدأ قليلاً يتكاثر، تصبح له قواه، يتمترس ضمن عقيدته أياً كانت، فتظهر مطالب استحقاقاته في: الأرض، والتسوير الجديد، وبناء دولة، تبدأ من النوايا وتشيّد في الخفايا، إلى أن تتاح الفرصة للإعلام والإعلان عنها عبر كل الوسائط.
بعد هذا الاستعراض الذي سنحاول تطبيقه على دول العالم الثالث، نرى أن العالم الأول لم ينقسم منذ تأسيسه، فأميركا هي أميركا، وأوربا أوربا بدولها، وروسيا روسيا، واليابان يابان، بينما الصين كانت في القرن التاسع عشر مئتي مليون نسمة والآن ما يقرب من مليار ومئتي مليون، ولم تنقسم، إنما تكاثرها هائل، إذ يسهم في الاقتراب من النهاية؛ هل كان هذا بفضل وحدة ثقافتها الروحية البوذية؟!، والهند التي كانت مع بداية القرن الماضي ما يقرب من مئة مليون هي اليوم تقترب من مليار ونيّف، وكذلك أيضاً لم يحدث فيها تقسيم على الرغم من كونها نبعاً لآلاف الثقافات الروحية والدينية، واعتمادها النهائي على الهندوسية وإسهامها يتطابق مع آلية الصين.. أما باقي دول العالم في: إفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا؛ فإننا نزيل اللثام عن انقسامها وتشرذمها المستمر رغم اعتمادها على ديانات الرسالات الثلاث من حيث الصراعات العرقية والمذهبية والطائفية والعقائدية، فالتكاثر الخطير بالتأكيد سيؤدي بها إلى استمرار التخلف والتقهقر وانتشار الفساد..
وطبعاً، مع دخولنا القرن الواحد والعشرين، يصل العالم إلى ملياراته السبعة ولو دخلنا على هذا العدد الذي هو تكوين أيضاً عنى لنا أنه ولادة جديدة، والكون في مجمله قائم على علم العدد "سبعة"، وكنا قد كتبنا حوله أبحاثاً كثيرة ضمن موسوعتنا فلسفة التكوين الفكري، فالتكوين القائم ضمن مثلث القداسة الديني أكد على أن الرقم "سبعة" هذا كان الولادة والتكوين، وإن الوصول إلى التسعة والذي يعني الولادة النهائية في علم العدد والرقم، أو نهاية عالم والدخول إلى عالم جديد، يمنحنا فرصة التأمل التي تؤكد لنا أنه يسير إلى نهاية دورته الحياتية، والكل يعلم اليوم أن النهاية العلمية قبل النهاية الروحية قادمة بقوة؛ من خلال ارتفاع درجات حرارة الأرض، وتناقص الغذاء النباتي والحيواني بشكل سريع، وشحّ المياه الصالحة للشرب، وتلوث الهواء بمعنى نقص الأوكسجين الحياتي، وهذه هي مكونات الحياة: "الماء والهواء والتراب" وفقدان واحدة منها تعني النهاية، فهذا المثلث هو روح الإنسان علاوة على الاصطناعي من منتج الإنسان، كالذرّة ومشتقاتها النووية، والكيمياء، والحروب البيولوجية، مع الكوارث الطبيعية من زلازل وبراكين وطوفانات (تسونامي) تعمّ الأرض، ليبقى ثلة من البشر يكونون بمثابة أصحاب نوح جديد، أو ربما ونتاج استكشاف كواكب حيّة أخرى يهبط عليها آدم وحواء، ليؤسّسوا حياة جديدة..
إذن، النهاية لكوكبنا الحي قادمة لا محالة، طالما أن "عملية التكاثر وأريد أكثر" قائمة ضمن مفاهيم الأنا الوجودية وإثبات قدرات التمسك، وعدم وصول وعي المفسر الديني الدنيوي لاستيعاب علمية أسباب الوجود، والحفاظ عليه بالعلمية التخصصية والتشاركية البنائية والبناءة، فإن لم يحصل فسيبقى التكاثر تقسيماً، والتقسيم نهاية، والنهاية بداية.. فرصة أدعها بين أفكاركم قابلة للنقاش والحوار والبحث والإضافة.
المصدر : الباحثون العدد 71 أيار 2013