اختلف الباحثون في تحديد عمر الشباب، فبعضهم عدّه بين الرابعةَ عشْرة والسادسةِ والعشرين، وقد يمتد إلى الثلاثين. لكن اليونسكو حددت هذا العمر بين الخامسة عشْرة والأربعة والعشرين، وهم بذلك يتحدثون عن الغالب وليس عن العموم، فقد يبقى الإنسان شابًا، فيه روحُ الشباب، وطموحُ الشباب، ينظر إلى المستقبل دون الانحباس في الماضي، مهما طال عمره.
والشباب ليس هو المراهقة، بل أن مرحلة الشباب تتداخل مع مرحلة المراهقة.. فيرى بعض الباحثين أن مرحلة المراهقة تمتد إلى سن العشرين، وبعضُهم إلى سن الثانيةَ والعشرين. ومما لا جدال فيه أن هناك مراهقةً متأخرةً تمتد إلى سن متأخرة. في حين تتقلص عند البعض سواء من حيث المدة أم من حيث الشدة. ويمتاز المراهق برهافة الإحساس، وبضعف التحكم في تصرفاته. ويتعرض بعض المراهقين لحالات من اليأس والقنوط والحزن، ويميل المراهق إلى الاعتداد بالنفس، والعناية بالملبس وطريقة الكلام. وبعبارة أخرى، يقوم بأعمال تلفِت النظر إليه. ثم أنه ينزِع إلى التحرر وإلى مقاومة أي سلطة تمارَس عليه.
لنطرح بعد ذلك السؤال: هل للشباب العربي صفاتٌ وخصائصُ وسلوكياتٌ وقدراتٌ وآمـالٌ ونظراتٌ إلى الحياة، وهمومٌ مختلفةٌ عن نظيراتها لدى الشباب في الغرب أو الشرق؟ وهل يولد الغربي مثلاً باستعدادات مختلفة عن استعدادات العربي. هل يولد الأول بخلقة مختلفة، وبذكاء مختلف عمّا يملكه الآخر.
لقد دلّت الدراسات أن الأطفال العرب (بصيغة الجمع) لا يختلفون، بوجه عام، عن أطفال الغرب أو الشرق من حيث الاستعدادات، وهذا لا يتنافى مع وجود فروق فردية بين أطفال العرب أو بين سواهم. ويعود ذلك إلى ظروف الوالدين وإلى استعدادهم الصحي، وإلى العلاقات بينهما.
فالشباب العربي يختلف إذن عن غيره بسبب الظروف التي تحيط به، وتلك التي مرَّ بها منذ أن أبصرت عيناه النور.
فالبيت والمدرسة والمجتمع والإعلام والثقافات السائدة، كل ذلك مسؤول عن حاضر الشباب العربي سلوكًا وفكرًا وهمومًا وطموحًا.
وهنا ينبثق السؤال: هل هموم الشباب غير هموم الكبار؟ وهل واجبات الشباب مختلفة عن واجبات الأجيال التي سبقتهم؟
فالشاب يفكر في الجامعة التي يختارها، والاختصاص الذي يناسبه، والمهنة التي سيعمل فيها ويقضي عمره فيها. ثم أنه يفكر في الزوجة التي يريدها أن تكون شريكة حياته، تأخذ معه الكثير من القرارات التي تخص حياتَهما المشتركة وتخص الأولاد.
وعلى الشاب أن يكوّن نفسه علمًا وتدريبًا واكتسابَ مهاراتٍ، تمكّنه من التغلب على الصعوبات ومواجهة التحديات، وتستجيب لمطالب الحياة.
وهناك فارق كبير بين الشباب والكبار، فالشباب يملكون العزيمةَ ويتطلعون إلى المستقبل، ويبادرون إلى ولادة مشاريع جديدة، أما الكبار فينظرون إلى الماضي، ويخبو حماسهم في القيام بمشاريع تحتاج إلى سنوات طويلة.
ومع ذلك، هناك الكثير من الظواهرِ المشتركة، والسلوكيات المتماثلة، لكنها تختلف شدةً وتأثيرًا.
لقد كتب الكثير من الكتاب عن الشباب العربي، وعن أزمة الثقافة العربية، وعن أزمة العقل العربي، وعن إشكاليات الفكر العربي المعاصر؛ مال بعضهم إلى المبالغة مضخمًا السلبيات، وحمّل الشباب المسؤولية كاملةً، وتأثر بعضهم بالتوجهات الغربية، والإنسان الغربي، كان بعضهم متشائمًا، والبعضُ الآخر أميلَ إلى التفاؤل. إني أعتقد أن الشاب العربي المعاصر يتميز على غيره بصفات حميدة كثيرة: فرؤيته إلى الكون والحياة والإنسان أنضج من رؤية غيره، ثم أنه يتسم بالحميمة الأسرية، ويحمل مُثلاً وقيمًا عليا رفيعة.
لكنه، من جهة أخرى، ضعيفُ الثقة بذاته، مقلد غير مبدع، لا يحسن إدارة الوقت ولا يحسن الحوار مع الآخر، ومهارات التواصل لديه ضعيفة، والمسافة بين النظري والتطبيقي واسعةَ. لقد تضخمت الأنا لديه، وضعف بالمقابل اهتمامُه بالآخر. إنه زاهد في القراءة، والقراءة الحرة خاصة، وغيرُ متوازن عمومًا، ويبالغ في بعض الأنشطة، ويهمل أنشطة هامة أخرى، ولا يتقن العمل في فريق.
وهو، فوق ذلك، خائف من مستقبله، يضغط عليه ما آل إليه وضعُ بلاده من سوء مكانتها الدولية، ومن تآمر الأعداء عليها. ويعيش بعض الشباب في حالة من التغريب، يقلد الغربي في جُلِّ شؤونه: في مظهره وطريقة حياته، ويرطُن بلغته أيضًا... يجهد في تعلمه لغةً أجنبية، اللغةَ الإنكليزية خاصة، ويُهمل في الوقت ذاته لغته العربية. وكان حريًا به أن يحرِص على لغته، وأن يتعلم لغة أجنبية إلى جانبها.. الأولى ليؤكد انتماءه إلى وطنه، والثانية ليتواصل مع العالم. كل ذلك يجعلنا نفضل الحديث عن أزمة الشباب العربي. عن أسباب هذه الأزمة، وعن مظاهرها الأساسية، وعما إذا كان ثمة سبيل إلى معالجتها.
أقول : إن الشباب لا يحملون وحدهم هذه المسؤولية، بل إن هناك عواملَ كثيرةً أوصلتنا إلى ما نحن عليه.
وعند الحديث عن الأزمات أورد سببين رئيسين لها، الأول ورثناه من الماضي: فبلادنا مرت بعصور ازدهار، عصور ازدهر فيها العلم، وتفجرت المعارف، وتنشط البحث العلمي، وتوالت الاكتشافات في العلوم، وأبدع الباحثون علومًا جديدة وطرائق حديثة ومخترعات لم يسبقهم إليها أحد.
ثم جاءت عصور ضعف في كل ذلك، وكان آخرَها عصرُ المماليك وعصرُ الخلافة العثمانية. ففي عهد المماليك وعهد الخلافة العثمانية اتسعت البلاد، وامتد العالم الإسلامي ليصل إلى مشارف فيينا من جهة الشرق، وإلى مدينة بواتييه الفرنسية من جهة الجنوب. لكن انشغال ولاة الأمر بالحروب حال بينهم وبين الاهتمام بالشؤون الحضارية، فتوقف الإبداع، وساد التقليد، ومال الناس إلى اجترار الماضي.
والسبب الثاني هو الهيمنة الغربية التي جاءتنا عندما احتل الغرب أرضنا، فهو لم ينهب ثرواتنا فحسب، بل عمل على تأبيد التبعية وعلى احتلال العقول، ولذلك فليس غريبًا أن تلحظ أن بعض شباب أمتنا يقدس التراث، بغثّه وسمينه، ويدافع عنه دون أن ينتبه إلى أن التراث فيه ما يصلح لنا وفيه ما لا يصلح لنا أبدًا. وبدلاً من أن يتعمقوا في أسباب تزعمنا للحضارة الإنسانية في عصورنا الذهبية، أخذوا نتاج ذلك العصر دون تمحيص. وليس غريبًا كذلك أن نلحظ البعض الآخر من شباب أمتنا يقلدون الغربي بكل شيء، ويحسبون أن السبيل إلى التقدم هو هذا التقليد، حتى كاد بعضهم يخجل من انتمائه إلى بلادنا، وراح يبحث له عن إقامة خارج بلاده.
أدى هذان السببان إلى ظواهر عدة:
الظاهرة الأولى
التباين بين النظري والتطبيقي.. فكثيرًا ما نجد الإنسان العربي يتحدث في المثاليات وفي القيم العليا وفي الأخلاق الفاضلة. إنه ينتقد تصرفات الآخرين، وهو يتمتع بكل مواصفات المواطن السامية، وغيره متخلف، مفسد... لكن إذا نظرنا في التطبيق نجده يصح فيه قول الله تعالى: " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم"
ويتصل بذلك أن كل جماعة تتفق على مبادئ معينة، أو تجمعها منافعُ مشتركة، تعدُّ عملها ورؤاها صحيحة، وتعدّ كل ما يخالفها في ذلك خطأً أو خيانة أو ما ماثل ذلك: أن كل فريق من الفرقاء يعتقد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، وأن غيره على باطل مطلق.
الظاهرة الثانية
إن الانبهار بالحضارة الغربية وما أنتجته من تقنيات حديثة يجعل الإنسان العربي ضعيفَ الثقة بذاته، وضعيف الثقة بالآخرين.. وهذا ينعكس على منتجات وطنه الفكرية والثقافية والصناعية. وقد يحصل أن يشتري مسافر بعض السلع التي تعجبه ويظنها من إنتاج ذلك البلد، فإذا ما عاد إلى بلده اتضح له أنها من منتجات وطنه.
وإذا ما قرأ حكمة لمفكر غربي أظهر استحسانه لها، في حين يجد في إنتاج المفكرين العرب القدماء أو الحاليين ما هو أروع منها.
نجم عن ذلك خلل كبير، فالحق أصبح يُعرف بالرجال بدلاً من أن يعرف الرجال بالحق... فكل ما يقوله أحدهم مثلاً يعدُّ حقًا ولو كان باطلاً... وكل ما يقوله آخر يعد باطلاً ولو كان حقًا.
الظاهرة الثالثة
العزوف عن العلم: فطريقه طويلة، ومستقبله غير مضمون... ويظن البعض أن ما يتمتع به من ذكاء يغنيه عن العلم، وفاتَه أن الذكاء كالطاحون وأن العلم كالقمح... فلا يمكن للطاحونة أن تعطي طحينًا دون قمح..
الظاهرة الرابعة
العزوف عن القراءة: لقد دلت الإحصاءات أن المعدل الوسطي للزمن الذي يصرفه الإنسان العربي في القراءة هو ثلاث دقائق يوميًا، في حين أن هذا المعدل للإنسان الغربي 38 دقيقة.
ويعزو الكثير من الشباب هذا العزوف إلى وجود مصادر جديدة للوصول إلى المعرفة، منها القنوات الفضائية ووسائل الإعلام. وإذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا الارتفاع الكبير في نسبة القراء الغربيين مقارنة بالقراء العرب.
ثم هل المعرفة التي تقدمها القنوات الفضائية مثلاً تُغني عن القراءة؟ لقد أدى ضعف الطلب على الكتاب إلى هبوط حركة النشر وحركة الترجمة، وهذا يؤدي بدوره إلى مزيد من الانعزال وإلى ضعف المستوى المعرفي، ونحن نعيش عصرًا يسميه الباحثون عصر المعرفة، كما يسمي الاقتصاديون الاقتصاد الحالي اقتصاد المعرفة، أو يرى المنظّرون أن الحروب القادمة تُحْسَمُ لمصلحة المتقدم في المعرفة.
الظاهرة الخامسة
تضخم الأنا، وتراجع الاهتمام بالآخر، وهذه مشكلة لها تداعيات سلبية على مكانة الوطن، وقيمِهِ الرفيعة، وحميميةِ العلاقاتِ الإنسانيةِ، وقوة الروابط الاجتماعية.. ولقد جرّ ذلك معه تفشِّيَّ الكذب والغشَ والخداع، والتضحيةَ بالآخر في سبيل إبراز الأنا.. وهذا بدوره يؤدي إلى دمار الثقة بين الناس، وإلى التنافس غير الشريف بين رجال الأعمال والاقتصاد، وإلى غير ذلك من الشرور.
ويرافق تضخمَ الأنا انتشارُ اللامبالاة في صفوف الشباب، وتراجعُ الحس الوطني، وغيابُ الحب الحقيقي ليحل محله الحبُ المزيف.. وهذا يؤدي بدوره إلى تفكك الأسرة والبنى الاجتماعية كافة. ويأتي في مقدمة ذلك انحسار العمل التطوعي، وغياب المجتمع المدني.
الظاهرة السادسة
انعدام الإبداع. والاتجاه نحو التقليد. والإبداع هو اكتشاف الجديد، أو اكتشاف طريقة جديدة، أو إضافةٌ جديدةٌ لمنتج معروف، هو بحكم الغائب في بلادنا. إننا نقتات على موائد الآخرين ننتظر منهم أن يقدموا لنا حلولاً جديدة ومكتشفات جديدة. وقد يظن البعض أن أزمة الإبداع هي أزمةُ عقل، ويغيب عنه أنها أيضاً أزمةُ فكر، أي إنها أزمةُ محتوى العقل كذلك.
لقد أبدع أجدادنا الكثير في حقولٍ شتى من المعارف.. فهم الذين وضعوا أسس علم الجبر وأُسس علم الاجتماع وفلسفة التاريخ، وليست المعمياتُ (الشفرة) وفكُها إلا اكتشافًا عربيًا.. أضفنا إلى علوم الكيمياء والفيزياء والفلك وعلم الأحياء والطب والجغرافيا وغيرها إضافاتٍ أساسيةً شهد لها الأعداء قبل الأصدقاء.. ألسنا نحن الذين وضعنا أسس المنهج التجريبي.
إني أؤكد أن غياب الإبداع يبقينا خلف الأمم، بل ويهدد وجودنا، ويلغي دورنا الإنساني في العالم.
الظاهرة السابعة
ولمّا كان فاقد الشيء لا يعطيه، فإننا نتجنب الحوار مع الآخر خشية افتضاح جهلنا، وإذا وافق بعضنا على إجراء الحوار مع غيره، فإنه يتخبط ويفسد الحوار لجهله فن الحوار وقواعد الحوار.
ويتصل بذلك غيابُ مهارات التواصل وعدمُ القدرة على العمل في فريق. وهذا يؤدي بدوره إلى عدم الاستفادة من خبرات الآخرين ومن اقتراحاتهم.
هذه بعض الظواهر يضاف إليها أمور أخرى مثلُ غياب التوازن في تلبية الحاجات، فالإنسان جسم وعقل وروح، ولكل حاجاتُه، فالجسم يحتاج إلى الرياضة، والعقل يحتاج إلى العلم، والروح تحتاج إلى تزكيتها.
توزيع المسؤوليات
إني أرغب بعد استعراض ظواهر أزمة الشباب العربي أن أؤكد ثانية أن الشباب ليسوا مسؤولين وحدهم عن ذلك، بل يشاركهم في ذلك البيت والمدرسة والبيئة والمجتمع إضافة إلى الأسباب التي تعرضت لها قبل قليل، والتي تعود لأسباب تاريخية وأسبابٍ تقع على فساد المجتمع الدولي، وفساد الجشعين الطامعين من دول العالم.
وسأبيّن فيما يلي دور هذه البنى الاجتماعية في تكوين الشباب راجيًا أن نلحظ السلبيات عسانا نقدم الحل لها.
دور البيت
في البيت تتكون شخصية الطفل، طباعه وسلوكياته وثقته بذاته، وبعض انفعالاته. ولعل السنوات الخمس الأولى من عمر الطفل هي أكثرها تأثيرًا في هذه الأمور، بل يرى البعض أن السنتين الأولى والثانية هما الأهم. وإني أظن أيضاً أن الأمر يتعدى ذلك إلى فترة الحمل. وتُبين بعض الدراسات أن استواء العلاقة بين الزوجين أو عدمَ استوائها يؤثر في الطفل.
ومن الطريف أننا عندما يشتري أحدنا آلة كهربائية، مكواة أو خلاّطًا أو ما ماثل ذلك، فإنه يبدأ، قبل الاستعمال بقراءة التعليمات خشية أن يُفسدها. وإذا اقتنى الغربي كلبًا أو قطة حرَص كذلك على اقتناء كتاب يبيّن له طريقة تربيته، ماذا يأكل وماذا يشرب، وكيف يدربه على القيام بالنشاطات الممكنة.
أما في بيئتنا العربية، فقلما يهيئ الوالدان نفسيهما لاستقبال المولود الجديد: إنهما يعتمدان على الغريزة وعلى بعض الثقافة التي وصلت إليهما من الكبار. ويمارسان في التربية أسلوب رد الفعل دون الأخذ بالحسبان ما يناسب الطفل في نموه النفسي والعقلي والاجتماعي.
لا يُسمح للطفل أن يتكلم أو يبدي ملاحظة، والحوار معه مرفوض، ولا ضرورة لإقناعه. وأكثر الكلمات التي يسمعها اِفعلْ ولا تفعلْ، ويعاقَب بالضرب في بعض الأحيان، ويتجاوز العقاب في أحيان كثيرة حجم الخطأ، وفي كثير من الأحيان يرتبط العقاب بمزاج الوالدين لا بالخطأ المرتكب.
يحرص الوالدان أن يربوا أطفالهما وفق ما تربّيا عليه هم. دون ملاحظة أن الظروف في تغير مستمر، وأن ما كان يصلح في ما مضى، قد لا يصلح الآن.
إن انعدامَ حرية الطفل، وعدمَ الاعتراف بشخصيته، وإلزامَه بأساليب معينة، تميت الإبداع لديه. إن الأطفال يولدون مبدعين، لكن البيت إما أن ينشط الإبداع أو يميته.
ولا ينتبه الأبوان إلى أنهما القدوة للأطفال: فإذا كان الأب قارئاً جيدًا شب الطفل على القراءة، وإذا كان الوالدان يقضيان وقتًا طويلاً في مشاهدة القنوات الفضائية، فإن الطفل كذلك يقتدي بهما في هذا الشأن وإذا كان الأب كاذباً، فإنه من الصعب أن يمتنع الطفل عن الكذب، وهكذا.. ويحرص الأبوان الواعيان على الاهتمام بكل شأن من شؤون الطفل، حتى في ألعابه التي تنمي التفكير والإبداع بدلاً من الألعاب التافهة.
إن التربية التي تقوم على العنف، والتعسف، والقهر، والتسلط، ومصادرة الحرية، هي أقصر الطرق لتحطيم الفرد، وتدمير المجتمع. وقد أشار تقرير التنمية العربية الرابع إلى أن التربية العربية تخنق حرية الطالب والمعلم معًا، فالتربية في الوطن العربي تعاني "أمراضًا" مستعصية تتمثل في مشكلات كثيرة، وتحديات كبيرة، وأزمات حقيقية تعيق مسيرتها، وتقف حجر عثرة أمام تحقيقها أهدافها
وتعد السلطوية من أهم تلك الأمراض التي يعانيها الجسم التربوي العربي المثخن بالجراح، لأن معظم المشكلات والتحديات والأزمات التربوية العربية ليست إلا من أعراض ذلك المرض، أو من نتائجه. وقد ركزت بعض الدراسات العربية على السلطوية السياسية، والسلطوية الاجتماعية، والسلطوية الثقافية، وغيرها، ولكن السلطوية التربوية لم تنل العناية الكافية.
ومن أهم السلبيات التي تنتج عن السلطوية الأسرية التي تقوم على القسوة، وإنكار الحرية، والعقاب البدني ما يلي:
1. تنمية النزعة الفردية والأنانية عند الأطفال.
2. فرض الخضوع، وزرع الخوف، وإكساب الشعور بالضعف، والذنب، والعجز، والنقص، وعدم الثقة بالنفس.
3. انطواء الفرد وانزواؤه، وربما انسحابه من ميدان الحياة الاجتماعية.
4. صعوبة تكوين شخصية مستقلة.
5. إضعاف قدرة الفرد على التعبير عن النفس.
6. كره السلطة بشكل عام، وسلطة الوالدين بشكل خاص.
7. انتقال التسلط إلى الأبناء والبنات الذين يميلون إلى امتصاص أنماط السلطة التي يمارسها آباؤهم وأمهاتهم، ويكتسبون منهم معظم أدوارهم الخاصة بالسلطة.
دور المدرسة
ليست المدرسةُ أحسن حالاً من البيت، فالمدرسون غير مهتمين بعملية التدريس. كثيرًا ما يُمنع السؤال، ولا يخصص للأسئلة وقت كاف، والعملية التربوية تسير وفق منهج التلقي دون التقصي.
فالطالب وعاءٌ على المدرّس أن يملأه بالمعلومات المفيدِ منها وغيرِ المفيد، دون التحريض على البحث والتفكير والإبداع.
ولقد دلت بعض الإحصاءات على أن مستوى الإبداع عند الأطفال ينخفض انخفاضًا كبيرًا نتيجة أسلوب التدريس في المدارس.
يضاف إلى ذلك، مشكلاتٌ عميقة، مثل غيابُ المكتباتِ الحية والمخابرِ العلميةِ، والمنهجِ العلميِّ في التعليم، وعدم إتاحة الفرص لعصف الأدمغة، وأساليبِ التقويم السيئة. ويحتاج هذا الموضوع إلى مزيد من التفصيل لا محل له هنا.
دور الإعلام
للإعلام دور كبير في تزويد المواطنين بالمعارف وبالتوعية وبما يكون من شأنه أن يفيد. لكن مع الأسف نشاهد أن القنوات الفضائية تنقل الأفلام التي تعالج مشاكل بيئة أخرى مختلفة عن بيئتنا، ويسود فيها قيم مختلفة عن قيمنا. بل إنها مع البرامج الأخرى تعمل في كثير من الأحيان على تخريب عقولنا وعلى تثبيط هممنا، وعلى الرضا بأحوالنا دون التطلع إلى مستقبل أفضل.
دور الشباب العربي
لعل الشاب العربي، بعد أن استمع إلى ما قدمته عن الأسباب التاريخية والهجمة الاستعمارية (وليست العولمة في جانب منها إلا جزءًا من هذه الهجمة)، وبعد أن استمع إلى دور كل من البيت والمدرسة والإعلام في أزمة الشباب العربي الراهنة، لعله يجد نفسه بريئاً من هذه الأزمة، وأنها مفروضة عليه ولا حول له ولا قوة !
إن الأمر ليس كذلك. فالمتتبع لأحداث التاريخ وتعاقب الحضارات يدرك أن التغير والتحول من السنن الكونية. وما جاءت حضارة بعد حضارة أخرى بائدة، عن طريق الصدفة. بل جاءت عن طريق العمل والتخطيط وإعداد العدة. والمتتبع لأحداث التاريخ يدرك دور الأفراد والجماعات في التغيير الذي أشرت إليه.
لقد ذكرت الجوانب السلبية ليتنبه شبابنا إليها، فيقدمون لها الحلول، ويكافحون كي يستبدلوا بها أساليب وثقافات ورؤى جديدة.
لقد استطاع الكثير من الأفراد أن يؤثروا في الآخرين حولهم، أنقذوهم من المأزق، ودَلَّوهم على سواء السبيل، فأصبحوا فاعلين في هذا المجتمع. والأمثلة على ذلك كثيرة في حاضرنا وماضينا.
ونصيحتي لكم أيها الشباب: استعملوا عقولكم، ولا تقلدوا دون وعي، ولا تأخذوا أي جديد دون دراسة، واحرصوا على التزود بالعلم. تعمقوا في الاختصاص الذي اخترتموه، وتعرفوا على الضروري من العلوم الأخرى. أقبلوا على الحوار مع الآخرين تزدادوا معرفة، ولا ترفضوا الآخر الذي يقدم مخالفة لرؤيتكم، تحاوروا معه، واعلموا أن ما ترونه صحيحًا قد لا يكون صحيحًا، وما ترونه خطأ عند الآخر قد يكون صحيحًا. اعملوا على حسن التعامل مع الآخرين، وتعلموا طرائق التفاعل معهم. واجعلوا الحكمة ضالتكم.لا تقبلوا أن تغمضوا أعينكم وتسيروا مع الآخرين دون وعي أو إدراك. وأخيرًا لقد اخترت لكم بعض الأقوال التي يمكن أن تكون مفيدة لكم :
• ليس النجاحُ مكانًا يصله الإنسان، بل هو الروحُ التي تدفعه لتحمل المشاق ومتابعة الرحلة.
• سفينة راسية في الميناء تنعم بالأمان، لكن ليس لهذا الهدف تبنى السفن.
• لا تقيّم نفسك بما أنجزته، بل بما كان بإمكانك أن تُنجزَه باستعمالك قدراتك.
• عندما يغلق باب، يفتح بابٌ آخر، لكننا غالبًا ما ننظر طويلاً وبحسرة إلى الباب المغلق إلى درجة أننا لا نرى الأبواب الأخرى التي فتحت لنا.
• الإنسان الخلاق تحركه الرغبة في الإنجاز، لا الرغبةُ في هزيمة الآخرين.
• يسير قطار النجاح عادة على سكة التصميم.
• علمتني التجارب أن جزءًا كبيرًا من سعادتنا أو بؤسنا يتوقف على تصرفاتنا، وليس على ظروفنا.
• ليكن هدفك القمر، وحتى لو أخفقت، فإنك سترسو بين النجوم.
المصدر : الباحثون العدد 71 أيار 2013