عندما نفكر بالمناطيد والسفن الهوائية، فإن أول ما يخطر ببالنا هو اللهيب والنيران التي كانت تأكل السفينة الهوائية "هندنبيرغ"، لكن الحال لم تكن هكذا دائماً. فقد كانت المركبات الهوائية العملاقة تحكم السماء، وتُمثِّل رمزاً للرفاهية والصفاء في السفر، حيث كان السفر بالمناطيد الموجَّهة تلك يُعدُّ تجربة العمر، والركاب الذين استطاعوا السفر بهذه الطريقة خاضوا رحلة فريدة في التزحلق على الهواء وبرؤية العالم يمرّ من تحتهم. هذه المركبات لفتت انتباه الجميع، سواء الراكبين فيها وهي تطير، أم المحدِّقين فيها من الأرض وهي تُحلِّق فوقهم. واليوم لا تزال هذه المركبات مصدر إلهام للحالمين الآمنين بأن يجرب الركاب شعوراً مشابهاً من الرهبة بينما يبحرون عبر الغيوم، وهم يبعثون الحياة لعصرٍ كان السفر جواً فيه أمراً غير عادي.
لنتعرَّف معاً على السفن الهوائية التي شاع التنقُّل بها في بداية القرن العشرين، ثم نامت في ردهات المتاحف.. إلى أن عاد التفكير باستخدامها في النقل من جديد:
ما هي السفينة الهوائية؟
في بداية القرن العشرين، كان السفر بالسفن التقليدية المبحرة في المياه مغامرة فارهة، ومثل السفر الحديث كان يوجد على متن تلك السفن طعام وتمارين رياضية. وعلى الرغم من أن السفر بها كان رحلة طويلة وبطيئة، بيد أنه كان الطريقة الوحيدة لعبور الأطلسي إلى أن جاء نوع آخر من المركبات؛ إنه المنطاد ذو المحرك أو "منطاد غراف زبلن" (السفن الهوائية أو المناطيد الصلبة). فالسفينة الهوائية هي مركبة هوائية أخف من الهواء، ذات جسم كبير الحجم يحتوي على غاز أخف من الهواء، وهذا الغاز هو المسؤول عن رفع السفينة الهوائية وبقائها محلقة في الهواء بنفس الطريقة التي يرتفع بها المنطاد الغازي. ولكن السفينة الهوائية تختلف عن المنطاد الغازي، حيث إن لها محركاً يدفعها في الجو، وشكلها يشبه السيجار أو كرة القدم الأمريكية. أما عربة الطاقم والركاب فهي مستطيلة الشكل تقريباً، وتلتصق بالجانب الأدنى من جسم السفينة. وتوجد في معظم السفن الهوائية معدات لتوجيه حركتها، بينما تعتمد حركة المناطيد على الرياح ولا يمكن توجيهها وتتحرك في الاتجاه الذي تهبّ فيه الريح، فللسفن الهوائية محركات مروحية أنبوبية (دافعات داخل أنابيب) تتوضع في أسفـل قاعدة السفينـة، وهي عبـارة عن دافعات داخـل أنابيب تـدور أفقياً وعمودياً لجعل السفينة الهوائية ترتفع أو تهبط، كذلك يمكن تغيير اتجاهها بإدارة الزعانف وأسطح التوجيه الموجودة في ذيلها. كما تختلف السفن الهوائية عن كل من الطائرة العادية والطائرة المروحية من حيث أن كلتيهما مركبتان أثقل وزناً من الهواء تستخدمان محركات أو مراوح وأجنحة لتحفظهما مرفوعتين في الجو، بينما السفينة الهوائية هي مركبة أخف من الهواء تعتمد أساساً على الغاز الخفيف لتأمين ارتفاعها في الهواء. أما بالنسبة للغاز المستخدم في السفن الهوائية، فقد استُخدِمَ الهيدروجين في البداية، ثم تمَّ اللجوء إلى غاز الهليوم. وعلى الرغم من أن الهيدروجين أخف من الهليوم وبالتالي يولِّد قوة رفع أكبر، إلا إنه أكثر قابلية للاشتعال من الهليوم الأكثر أماناً. وللسفن الهوائية ثلاثة أنواع رئيسية هي: المرنة، الصلبة، والمتوسطة الصلابة. وعبر تاريخها، ارتبط اسم السفينة الهوائية بالألماني "الكونت فرديناند فون زبلن".
وقد تبدو فكرة الطيران بسرعة 130 كم / سا اليوم كسرعة السلحفاة، إلا أن هذه السفن الهوائية كانت في بداية القرن العشرين أسرع من السفن الشهيرة العابرة للمحيطات في ذلك الوقت.
كيف تطورت السفينة الهوائية؟
ظهرت السفن الهوائية في القرن التاسع عشر كأول آلات يقودها إنسان قادرة على الطيران لمسافات طويلة ويمكن توجيهها. ولعل هذه الصفة كانت سبباً في تسميتها في بعض الأحيان المناطيد الموجَّهة.
وقد جاءت فكرة أول سفينة هوائية عام 1852، عندما قام المهندس الفرنسي "هنري جيفارد" ببناء وقيادة أول سفينة هوائية لها القدرة على الحركة ويقودها إنسان. وكانت تلك السفينة صغيرة الحجم بطول 47.6 متراً، وعرض (قطر) 13.3 متراً عند أوسع قسم من جسمها. وكما هو الحال بالنسبة لكثير من المناطيد الغازية، فقد كانت الحبال تغطي الغلاف الخارجي للسفينة، وتتدلى إلى أسفل كي تحمل عربة مسطحة مفتوحة. ولكنها، وبعكس المناطيد الغازية التي تأخذ شكل الكرة، كانت السفينة على شكل سيجار. ووضع جيفارد داخل العربة المسطحة محركاً بخارياً قدرته 2 كيلو واط، وكذلك دفة على هيئة شراع. وفي 24 أيلول من ذلك العام طار جيفارد بمركبته من باريس إلى "ترابس" بالقرب من "فرساي"، أي مسافة 27.7 كيلو متراً، وبسرعة بلغ معدلها 8 كم / سا. وعلى الرغم من نجاح الرحلة ومن تمكُّن جيفارد من التحكم بدفة السفينة الصغيرة ومحركها في تغيير اتجاهه، إلا أن هذه السفينة لم تكن سهلة التوجيه، وكانت قدرة محركها منخفضة جداً بالنسبة لوزنها.
وفي عام 1884، استكمل المخترعان الفرنسيان "تشارلز رينارد" و"آرثر كربس" بناء سفينة هوائية فرنسية تسمى "لا فرانس"، تسير بمحرك كهربائي قدرته 7 كيلو واط يحصل على الطاقة الكهربائية من بطارية. وقد طار رينارد وكربس بالمركبة مسافة 8 كم في مسار دائري بالقرب من باريس، وبسرعة وصلت إلى 23 كم / سا.
وفي 3 تشرين الثاني من عام 1897، قام النمساوي "ديفيد شفارتز" بتصميم أول سفينة هوائية صلبة تمكنت من الطيران. وعلى الرغم من الصلابة الكاملة لجسم سفينته، إلا أنها تحطمت بسبب الرياح ولوجود مشكلات آلية وكذلك لعدم مهارة قائد السفينة.
وفي عام 1901، أكمل المخترع البرازيلي المولد الفرنسي الإقامة "ألبرتو سانتوس دومونت" رحلة طيران دائرية بسفينة هوائية حول برج إيفل في باريس، قاطعاً مسافة 11.2 كم في 29 دقيقة و31 ثانية، وفاز بجائزة قدرها 125000 فرنك فرنسي.
أما في عام 1900، فقد أطلق رائد السفن الهوائية الألماني "الكونت فرديناند فون زبلن" أول سفينة هوائية دُعيت "L.Z – 1"، بلغ طولها 128 متراً، وكانت تطير بسرعة تصل إلى 27 كم / سا. ولم تقم هذه السفينة إلا بثلاث رحلات فقط، حيث كانت قدرة محركها أقل من القدرة المطلوبة لحركتها، وكان ينقصها كذلك معدات التحكم المناسبة. بعدها أكمل زبلن عام 1905 سفينته الثانية "L.Z – 2"، ثم أطلق سفينته الثالثة "L.Z – 3" عام 1906 التي استخدمها الجيش الألماني بمثابة أول سفينة هواء حربية. وفي عام 1909، ساهم زبلن في إنشاء أول خط جوي تجاري في العالم سُمي "ديلاج"، وبلغ طول أول سفينة ألمانية تعمل على هذا الخط 148 متراً، وفيها ثلاثة محركات قدرة كل منها 90 كيلو واط. وخلال الفترة من عام 1910 حتى عام 1914 استخدم أكثر من 35000 راكب هذه السفن في الطيران لقاء دفع مبالغ مادية كبيرة، ما شكَّل أول خدمات جوية منتظمة بين عدة مدن ألمانية وأوروبية.
واستُخدمت السفن الهوائية في الحرب العالمية الأولى (1914-1918) بمثابة قاذفات قنابل وطائرات حماية للسفن ضد هجمات الغواصات وحراسة السواحل، ولبعض المهام الأخرى. فقد استخدمها سلاح المناطيد البحري الألماني في الإغارة على لندن وغيرها من المدن البريطانية، على الرغم من أنها كانت هدفاً سهلاً للطائرات المقاتلة. كما استُخدِمَت أيضاً في حمل الركاب قبل الحرب وبعدها، وقد وصلت خدمة الركاب بالسفن الهوائية إلى أعلى مستوى لها خلال الثلاثينيات من القرن العشرين.
وبعد الحرب العالمية الأولى صارت السفن الهوائية أكبر وأسرع وأقوى. فعلى سبيل المثال، قامت سفن الهواء البريطانية الصلبة "R – 34" بأول عبور للمحيط الأطلسي. وفي عام 1926، أصبحت سفينة الهواء الإيطالية "نورج" أول سفينة هواء تطير فوق القطب الشمالي. إلا أن التصادم الذي حدث في تشرين الأول من عام 1930 لسفينة الهواء البريطانية "R – 101" وراح ضحيته 48 شخصاً كانوا على متنها، أدى إلى إنهاء اهتمام بريطانيا بالسفن الهوائية التجارية. ولمنع حدوث كوارث أخرى من استخدام السفن، فقد استبدل غاز الهيدروجين بغاز الهليوم في السفن الهوائية الأمريكية خلال الثلاثينيات.
وفي الثلاثينيات والأربعينيات من القرن المنصرم، قامت البحرية الأمريكية بعدة تجارب لتطوير السفن الهوائية الصلبة العملاقة، فأطلقت سفينة "أكرون" عام 1931، ثم أطلقت "ماكون" عام 1933، بمثابة حاملتي طائرات مقاتلة أثناء طيرانهما، لاستخدامهما مطارات لإقلاع الطائرات الحربية أو هبوطها. وفي نيسان من عام 1933، سقطت الأكرون في عاصفة وراح ضحيتها 73 شخصاً، تبعتها الماكون في شباط من عام 1935، عندما أدى سوء الأحوال الجوية إلى اندفاع الماكون إلى البحر، ومات شخصان ممن كانوا على متنها. وبهذا وضعت نهاية لبناء السفن الهوائية في الولايات المتحدة.
تُعَدُّ السفينة الهوائية الألمانية "L.Z –127 " (جراف زبلن) أنجح سفينة هواء صلبة تم بناؤها على الإطلاق، فقد طارت خلال الفترة ما بين عامي 1928 و1937 مسافة تزيد على 1.6 مليون كيلو متر، وعبرت المحيط في العديد من رحلاتها، ناقلةً 13000 راكباً في مجموع رحلاتها. وتعد هذه السفينة أيضاً في ترتيب السرعات أسرع السفن الصلبة على الإطلاق، حيث أمكنها الوصول إلى سرعة 130 كم / سا.
أما السفينة الألمانية الشهيرة الأخرى "هندنبيرغ"، فتعد واحدة من أكبر السفن الهوائية التي بُنيت على الإطلاق، وكان تحطمها بمثابة إعلان عن نهاية صناعة السفن الهوائية الصلبة في ألمانيا. وقد بلغ طولها 245 متراً وعرضها 41 متراً وحجمها 199,980 متراً مكعباً، وبلغت سرعتها 125 كم / سا. وفي 6 أيار من عام 1937، انفجرت الهندنبيرغ أثناء اقترابها من صاري الربط في "ليكهرست" بنيوجيرسي في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن بين 97 شخصاً كانوا على متنها، مات 36 فرداً. وكان سبب هذا الانفجار حدوث اشتعال بطريقة ما لغاز الهيدروجين الموجود فيها. ووضعت هذه الكارثة أيضاً نهاية لاستخدام السفن الهوائية في خدمات الركاب المنتظمة، وكذلك نهاية لتطوير السفن الهوائية الصلبة بشكلٍ عام.
كان لظهور الطائرات الإسهام الأكبر في ندرة استخدام السفن الهوائية المرنة العسكرية أثناء الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، وتعد البحرية الأمريكية هي القوات العسكرية الوحيدة التي استخدمت السفن الهوائية المرنة استخداماً ملحوظا أثناء تلك الحرب؛ حيث طارت فصيلة السفن الهوائية لحراسة المياه الإقليمية للولايات المتحدة ومرافقة القطع البحرية التي تجوبها.
وفي أواخر الستينيات، دخلت السفينة الهوائية المرنة من طراز "Z.P.G – 3 W" إلى الخدمة العسكرية في القوات البحرية الأمريكية، إلا أن تحطم إحدى هذه السفن في البحر عام 1960 ومصرع كل من كان بداخلها، ساهم في إنهاء استخدام السفن الهوائية المرنة في العمليات العسكرية بشكل عام.
وهكذا، وبسبب الحوادث المأساوية للسفن الهوائية، وكذلك لانتشار الطائرات والإقبال المتزايد عليها، وقدرتها على الطيران إلى مدى طويل وبسرعات أكبر، فقد أدى هذا كله إلى إيقاف استخدام السفن الهوائية في نقل الركاب.
ما هي آلية تحليق السفن الهوائية؟
تحوي السفن الهوائية غازاً أقل كثافة من الهواء، مثل الهليوم أو الهيدروجين. فالسفن الهوائية الصلبة مثل سفينة غراف زبلن، فيها حاويات مليئة بالغاز داخل بنيتها، أما السفن الهوائية غير الصلبة مثل سفن المراقبة الصغيرة، فإن بنيتها تكون مليئة بكل من الهليوم والهواء معاً في حجرات منفصلة. ومع ارتفاع السفينة، ينخفض ضغط الهواء خارج السفينة، فيبدأ غاز الهليوم داخل السفينة بالتمدد، وعندها على الطيار أن يطلق الهواء المحفوظ في الحجرات الصغيرة التي تُدعى "أكياس الغاز الداخلية" كي يفسح المجال أمام الهليوم بالتمدد، وبالتالي المحافظة على الضغط المستمر. وحين تنزل المركبة، يزداد ضغط الهواء الخارجي، فيتقلص الهليوم في الداخل، وتنتفخ أكياس الهواء الداخلية بالهواء لتحافظ على الضغط الداخلي للمركبة. ووظيفة الطيار في سفينة المراقبة الصغيرة هي التحكم بهذه الأشياء، أما في زبلن فيقوم أفراد الطاقم بكل هذه الوظائف. وبحلول الثلاثينات، كانت سفينة زبلن قد أقنعت العالم بأن سفن غراف زبلن صُنعت لتبقى، فعندما صُمِّمَ مبنى "إمبراير ستات" في نيويورك، كانت السفن الهوائية تشغل حيِّزاً في ذهن مصمميه كـ "وسيلة النقل المسقبلية"، فقد وضعوا في أعلى المبنى صارية لربط السفن الهوائية، وهي نفسها الهوائي الإذاعي الموجود اليوم في أعلى المبنى. ولكن لم يعرف أحد كيف سينزل الركاب إلى المبنى، ولم تحط هناك في الواقع سوى سفينة واحدة بجنيِّحات صغيرة ولأقل من ثلاث دقائق فقط.
كيف عاد الاهتمام باستخدام السفن الهوائية مُجدَّداً؟
مع ظهور السفر بالطائرات بشكل واسع، انتهى عصر السفر بمنطاد زبلن وتوقفت الرغبة بالعودة إلى المناطيد الصلبة (سفن الهواء)، لكن المركبات الهوائية لم تمت، حيث استخدمت في الحرب العالمية الثانية من أجل المراقبة بشكل أساسي. واليوم عاد الاهتمام بالسفن الهوائية من جديد في كثير من البلدان لاستخدامات متعددة، فهي تُستخدم على نطاق ضيق في الإعلانات التجارية، وفي تصوير الأحداث الرياضية، وفي أغراض عسكرية مثل الحراسة والإنذار المبكر، وفي عمليات الإنقاذ، وفي الترفيه والنزهة والسياحة الجوية لرؤية المناظر الطبيعية الخلابة، ومراقبة مواطن الحياة الفطرية (لأنها تحلق بسرعة بطيئة، ولا تُصدر ضجيجاً يُذكر). وقد تُستخدم مستقبلاً في رفع الأوزان التجارية الثقيلة، وتفريغ السفن البحرية. فالسفن الهوائية أصغر وأبسط من الطائرات، وتجذب بأشكالها وألوانها الكثير من الانتباه.
تكونت شركة "GOOD YEAR" الأمريكية لصنع السفن الهوائية عام 1925، وصنعت سفينة هوائية من السفن التجارية الأولى، وهي تمتلك الآن ثلاث سفن هوائية صغيرة، وإحدى حظائر سفنها موجودة في "أكرون" بأوهايو. وأضيفت حديثاً تعديلات تكنولوجية على هذه السفن مثل نظام الملاحة العالمي، ولكن شيئاً واحداً لم يتغير هو أن توجيه تلك السفن يوازي تمارين رياضية لمدة ساعتين، لأن معظم أجهزة التحكم بها تتطلب جهداً عضلياً، مثل دواستي التوجيه المتصلة عبر أسلاك بالجنيِّحات العمودية. وعند الطيران بسرعة 80 كم / سا، فإن القوة اللازمة لتوجيه عجلة القيادة يميناً أو يساراً بالكامل تحتاج إلى ضغط 135 إلى 180 كغ، كذلك يتطلب الطيران في مواجهة الرياح جهداً مضاعفاً، ولذلك يتبادل طياران قيادة السفينة كل ساعة.
إن الإعلان على اللوحات الكبيرة في السماء، وتصوير الأحداث الرياضية من الأعلى هي أعمال فريدة يمكن للمناطيد والسفن الهوائية فقط القيام بها. لكن هل يمكن للعصر الذهبي لسفن زبلن الهوائية أن يعود؟ بعد أن قضت السفن الهوائية الستين سنة الأخيرة كرموز تاريخية، يبدو أن هذه السفن الهوائية الصغيرة قُدِّرَ لها أن يعلو نجمها مرة أخرى، فمجموعة شركات "سكاي كروزر" تريد أن تقدِّم جيلاً من المعدات المتطورة، وحظيرة السفن الهوائية في مدينة "إليزابيث سيتي" بكارولينا الشمالية هي الآن موطن لسفينة من أكبر السفن الهوائية في العالم. وعلى الرغم من أن حجم سفينة "سكاي شيب – 600" الهوائية يشكل جزءاً بسيطاً من حجم هندنبيرغ، إلا أنه يوحي بالفسحة الواسعة. والمخطط أن لا تقطع هذه النماذج الجديدة المحيط الأطلسي في الوقت الحالي، بل ستقوم برحلات طويلة لإعادة العصر الذهبي للسفن الهوائية في الحقبة الماضية. وحالياً تُستخدم مركبات "سكاي شيب" للرحلات القصيرة وللمتعة في مشاهدة قرى سويسرا، ويتم التخطيط لذلك في الولايات المتحدة أيضاً، فهي تقدم طريقة سفر فريدة على ارتفاع منخفض وآمِن، وبسرعة 45 إلى 65 كم / سا كحد أقصى، وهو ما يسمح للناس برؤية مشاهد جميلة من منظور فريد، فبإمكانهم الوقوف والتجول في عنبرهم وفتح النوافذ، وهذا يعيد صور الحنين إلى ذلك العصر الماضي حينما كان الناس يسافرون بارتفاع منخفض وببطء ويستمتعون بالمشاهد الأخَّاذة. وبما أن سفن المراقبة الصغيرة لا تزال من الناحية التقنية دون بنية صلبة، فإن سكاي شيب تستلهم برفاهية الطبقة العليا، فهي تتسع لـ 13 راكباً مع طيارَين ومضيفة. والابتكار الحقيقي لسفينة سكاي شيب هو قدرتها على ما لم تستطع سفن المراقبة الصغيرة أو سفن زبلن فعله؛ وهو الحوم في المكان، فأنابيب الدافعات (المراوح) تدور على محور، بحيث تدور الدافعات والأنابيب معاً لتبقى المركبة مُحوِّمة في نقطة واحدة من الجو (كالطائرة العمودية)، وتقنية الدافعة الدائرة حول المحرك تُعدُّ من التقنيات المتقدمة في سفينة سكاي شيب، واستُبدل نظام التوجيه الصعب المعتمد على الدواسات والعجلة فيها بأدوات تحكم أُخِذَتْ من تكنولوجيا الطائرات. وبذلك تكون المركبات الهوائية الجديدة الأخف من الهواء أكثر تطوراً من سفن زبلن البدائية. ولكنها إلى الآن لا تزال صغيرة باستثناء مركبة واحدة تدعى "إيروز كرافت" التي صممتها شركة "وورلد وايلد إيروز"، والتي ستكون أكبر بنسبة 20% من أية مركبة هوائية قابلة للقيادة في التاريخ، فهي تمثل مركبة قابلة للقيادة كآلة طيران هجينة تدمج خواص المناطيد والطائرات التقليدية والطائرات العمودية. وعلى الرغم من طولها البالغ طول ثلاثة ملاعب كرة قدم، إلا أنها قادرة على الإقلاع والهبوط عمودياً على كل الأسطح الصلبة، إضافة إلى أن قدرتها على الرفع والنقل تفوق قدرة أية مركبة جوية في التاريخ. وتؤمن الشركة المصنِّعة بأن سفن إيروز كرافت ستكون قادرة يومياً على نقل الجنود في الحرب إلى جانب المعدات والدبابات، كما أن حجم المساحة المخصصة للشحن يجعلها ملائمة لشحن البضائع في أرجاء المحيطات والقارات، ولن تكون هناك حاجة بعد اليوم لتحويل البضائع من السفن إلى الشاحنات في الموانئ لأن سفينة إيروز كرافت يمكنها أن تنزلها في المخازن مباشرةً، والرفاهية المتوفرة فيها تشبه تلك الموجودة في سفينة ملاحة بحرية تُحلِّق في السماء، وقريباً سيستمتع الركاب بالطعام الفاخر والتسلية والراحة بينما يحصلون على مناظر مذهلة وآسرة، لتعيد الحياة إلى زمن السفن الهوائية الغابر.
وهكذا... ولأكثر من 200 سنة مضت فإن توقعات السفر بمناطيد أخف وزناً من الهواء قد ارتفعت ونزلت إلى حدّ ٍ كبير. وعلى الرغم من أننا نفكر بالسفن الهوائية (التي ما هي إلا امتداد للمناطيد) كتحف فنية أو أدوات إعلان، إلا أن بعض المخترعين لم يتخلوا عن ذلك الحلم أبداً. الآن، فإن جيلاً جديداً من السفن الهوائية يصعد من الرماد، وربما سنراها تُحلِّق فوق رؤوسنا في المستقبل غير البعيد، ونشهد فجر العصر الذهبي الجديد لسفن زبلن.
صحفي وباحث في علوم الطيران
husam-sh@scs-net.org