إن اتساع حقيقة الجمال المكتسب من الواقع ومن حضور المسميات الرمزية، في اتساع الرقعة بين الظل والنور يدور بين جدلية الحياة والموت في آن واحد، يقول الناقد الفني (نيدوشيفين) بأن الوظيفة الاجتماعية بالفن تكمن في كونه شكلاً لوعي الناس، يكشف ما بداخله من التجربة الروحية المتنوعة التي لا نهاية لها والتي تتراكم عبر مسيرة العلاقات الإنسانية الحية.
وعندما ترتقي البشرية في صناعة الفن ولاسيما الفن الرفيع ويجلس فنانو العالم على شرفات المعرفة ونطل في إطلالة على الحياة بكل تفاصيلها المتناهية بين إحساس المكان وإحساس الزمان في أنشودةٍ لونية وصناعة بصرية تخلق لدينا أسمى آيات الجمال الذي تصنعه أحاسيس الإنسان.
وكما أن للجمال بريقه وأفكاره ورواده؛ فللقبح أو الفن الرخيص رواده وجمالياته في العالم أيضاً، وقد ظهرت أساليب فنية ومتعددة ابتدأت في رسم الواقع وانتهت في السريالية الحديثة في تباعد وفرق كبير بين من تذوق تلك المدارس الفنية، ومنهم من هاجم دخول تلك المدارس وسعى إلى إزاحتها عن مضمار العمل الفني.
ففي ألمانيا عام 1860 ظهرت إحدى المدارس الفنية وهي الكيتش (kitsch) وهي في مسمّاها الألماني تعني البضاعة الرخيصة؟!
أو حتى يطلق عليها الذوق الرديء، ويعتبر هذا الفن تجميلاً للواقع ويتنكر للموت والشقاء.. فالكثرة من شعوب العالم تتداول هذا الفن الرخيص في منازلها وعلى جدرانها وفي حياتها الاجتماعية وتنشئ أسره وتعيش جماليات الكيتش kitsch (الفن الرخيص) دون أن تدري مدى تأثيره السلبي على المجتمعات المتطورة فنياً في دول العالم..
ولنضرب هذا المثال:
يعتبر الورد البلاستيكي "كيتش" أي هو إعادة لتحوير الطبيعة في بلاستكتها فتذهب عناصر جمالية من حيث الملمس والمكمون وحتى الرائحة العطرية؛ فكثير من نراهم في عالمنا يزيّنون جدران المنزل بالورد البلاستيكي؛ ناهيك عن الألوان الصارخة التي تثير الاشمئزاز.
ومنهم من خرج بطريقة مختلفة بأنسنة البلاستيك أي في محلات عرض الألبسة من يقوم بتجميل (المنكان) لكي يبيع بضاعته ويسوّق لها التسويق المزيف.
وفي تعريف آخر قد يكون هو نظرة جمالية أو صورة أو غرضاً كما قد يكون موقفاً وخطاباً فكرياً ينمّ عن أحد من مارس تجميع الكلمات بطريقة الكيتش.
إن جماليات الكيتش بالمقارنة مع الفن هي إما نسخة عنه بطريقة رخيصة أو ألوان صارخة.. وفي العالم الغربي أصبح للكيتش نظم وجماعات تعيش على مبدأ البلستكة....؟!
إن جماليات الكيتش بالمقارنة مع الفن هي إما نسخة عنه وإما نفياً له.. ذلك أن مظهره السهل والمغري يبعده عن تسامي النفس وارتقائها الذي يميّز العمل الفني، وفي بعض الأحيان يقال عن الكيتش "فن الفقراء"؛ ولكنه حين يكون فناً فإنه ينتسب إلى الحرف اليدوية وإلى الفنون الشعبية من حيث قدرته على تحريض الانفعال الجمالي وعلى التجلي من خلال لا نهائية الإبداع الإنساني.
وبهذه المثابة فإن الكيتش المحول إلى فن هو فن متواضع لا يأخذ نفسه على محمل الجد لا بل يحول الجد إلى هزل، وقد يذكّر الكيتش أن الفن أدنى من الحياة إذا تخلى عن تعالي الجمال أي عند ارتقاء النفس التي تعرف به الجماليات الكلاسيكية، وقد يسأل سائل هل الجمال النسبي يسمى "كيتش" أم تقليد الطبيعة أم...إلخ؛ نتخيل لو أن فناناً أراد أن يرسم الجنة السماوية وبدأ يرسم المفردات الجمالية الدنيوية، يطلق عليه "كيتش" أي أنك تقزّم الجمال اللامتناهي في العقل وتصبغ عليه بلوحة من صنعك.
ناهيك عن حياة الناس الاعتيادية، فمنهم من يزين جدران منزله ببعض الورد البلاستيكي ومنهم من يضع صورة فوتوغرافية لمنظر طبيعي معالج بالحاسوب وفي داخله مفردات ليست من وحي المكان، وحتى الأطفال بدؤوا في الآونة الأخيرة بوضع رسوم على الحقائب المدرسية لبعض الألعاب مثل (باربي- فلة) وغيرها مما قد تجعل هذه الأمثلة مصدراً للجمال لدى الأطفال؛ بحيث نبتعد عن الواقع ونصبغ عليه بصبغة البلاستيك وتكون بالنسبة للفتيات حلماً جسدياً نشقى لتقليده.
وتأتي اللوحات التي تحمل مكنون الطبيعة الخلابة وهي من البلاستك والتي تعتبر أحد ركائز الفنون الرخيصة أو (الرديئة) أو حتى اللباس ذو الألوان الصارخة التي لا تريح النظر إليها، ومنهم من أدخل الكيتش إلى صالونات التجميل النسائية، حتى هدايا عيد الميلاد تكون بطريقة كيتش أي مثلاً (مقص أشجار ملون بألوان فاقعة جداً) فأس لتقطيع الحطب بداخل علبة فارهة جداً. أو رأس أحد الحيوانات. خروف أو خنزير في داخل علبة جميلة. وعندما تفتح الهدية يبدأ بالضحك وهو يشير إلى هذه الهدية الجميلة في مفهوم الكيتش.. ناهيك عن الموسيقى التي تستمع لها واللحن ليس مرتبطاً ولا بأي وزن موسيقي ويُغلّف السيدي بغلاف فاخر ويباع على أنه فن جميل.. وبعض المدارس الشعرية الحديثة كلمة من الشرق وكلمة من الغرب واللحن ليس مرتبطاً بأي وزن موسيقي..
إن أذواق الكيتش هذه التي بدأت تتسل إلى مجتمعاتنا بطريقة غريبة دون التفكير بسلبية مثل هذه المدارس الفنية والعادات؛ تولد النزعة السادية والمازوشية الدخيلة على مجتمعنا.
وأخيراً إن المجتمع هو من يدير دفة السفينة في تيارات النزاعات الفكرية.
Mh_kab2@hotmail.com
المصدر : الباحثون العدد 76+77 شباط – أذار 2014