احتاج هذا المخلوق الكوني المسمى إنساناً للحظة بدء، فاخترع بدءاً أطلق عليه الصفر، وكذلك علينا أن نعترف أن هناك من أطلق صفارة المسير والحركة للزمن والإنسان والكون؛ لندرك دون أدنى شك في أن الإنسان سبب الوجود، وبما أنه كذلك فلقد وُجد الزمن إلى جانبه، فاحتاج الاثنان: الإنسان والزمن إلى لحظة بدء أي إنه في اليقين موجود، فبحثا عن البداية، وعرفا أنهما يقفان على مكان لم يعرفا ما يطلقان عليه، ولكنهما بعد أن تحسّسا الواقع عرفا من خلال العقل أنها الأرض، تجسّد تحتهما معنى أطلقا عليه "كوكبنا الحي"، بما حواه محيطه المسكون ضمن مجرتنا التي تعتبر جزيئاً ضمن فلسفة وجود الكون المؤتلف من مئات بل آلاف المجرات، ليظهر فيه كوكبنا كجزء من جسم أو كجسيم نقطي، تأسّست عليه نظرية الحيوات، فأبهرتنا بما تحتويه، حيث تدعونا للبحث فيها من بابها العريض، باب علمها، ندخل عليها، فنرى أنها أي: النقطة منبع العلم، وهي على ضآلتها مساحة كبرى تحتوي سكن امتداد حياة الوجود، وبداية ونهاية الموجود، من خلال وقوعها على الصفر ونهايتها أيضاً في الصفر، بعد أن تكون قد أنجزت الواحد المتسلسل، ضمن عمليات هندسية متناهية الدقة، تقبل الصح وترفض الخطأ، وتمارس عليه الدورات الحياتية، فتأخذ بأمم وتلد قروناً تهلكها في حالات الظروف الطارئة والاستثنائية، وصراعات منشؤها الفكر الإنساني أولاً وأخيراً.
كيف يحدث هذا؟.. والجميع يعلم أن أيّ بداية تحتاج النقطة، والبداية صفر، والصفر يعني المساحة الخالية أو اللانتيجة، وكما نفعل حينما نحاول أن نكتب تكون الورقة خالية، أي: في حالة الصفر نضع النقطة فيظهر عليها جديداً، وكذلك يكون في حالة الرسم للخط أو المثلث أو الدائرة، فالإنشاء يحتاج الفراغ كي يبدأ في إظهاره، والفراغ يحتاج النقطة، فحينما نرتكز لنبدأ من نقطة أو درجة لتنتهي في نقطة نمنحها قيمة 360 درجة، فيظهر الإنشاء أو النحت الذي يحتاج رأس الإزميل، حيث تسكن نقطة البدء أو إرادة الإنجاب، فإن لم تدخل النقطة إلى الرحم لا يظهر الواحد، وإذا كان الصفر مساحة تغري النقطة فهو أيضاً مركز الفصل بين الموجب والسالب، أي إنه نتيجة تُحدّد من خلال النتائج القادمة من عمليات تداخل النقطة معه، فيتبيّن لنا أن هناك مغالطة علمية فكرية؛ تلك التي تحدثت عن نظرية ثنائية الصفر والواحد والبذرة إلى رحم الأرض لا ينبت الواحد النبتي، وحقيقتها في علم الروحانيات، على الرغم من إقناعها الظاهر القائم من ضرورة وجود الواحد على الصفر، متناسية ضرورة وجود النقطة بينهما، حيث أعيدها إلى حقيقتها التي ينبغي أن تكون: نظرية الصفر والنقطة كي يظهر الواحد، وعندما نتدارس متعمّقين في عملية بناء الوجود؛ نرى أن ثنائية الأرض الصفر، والسماء المانحة للنقطة المسكونة في القطرة كي يولد الواحد، وكذلك أيضاً ثنائية الذكر والأنثى، فإن لم تكن هناك النطفة لما كان الواحد المستمر بالتسلسل، وبذات الطريقة في ولادة المعادلات الكيميائية التي ما كانت لتحصل على الإبهار العلمي لولا وجود تلك الثنائية المتجسّدة دائماً وأبداً في الصفر والنقطة، لذلك نؤكد دائماً على علاقة النقطة بالصفر، ومسؤوليتها الدائمة عن ظهور الجديد والحديث، فواحد بين صفرَين تتحدّد أهميته حين منحه أو وضعه للنقطة على اليمين أو على اليسار، فيتسلسل ويظهر ما ينبغي إظهاره سلباً أم إيجاباً .
من ذلك أدعوكم للتأمّل في أن الصفر دائماً وأبداً عبّر عن حالة الفراغ أو الأرض الخالية (العَرَصَة)؛ فإن لم تدخل عليها النقطة لا يظهر الواحد والمتجسّد في الإنسان والنبات والحيوان، ومع ظهوره يبدأ التسلسل، فهو حالة عدد، والعدد فعّال منتج وخلاّق ومتبادل ظروف الحياة ومقتضياتها إلى أن ينتهي في التسعة لحظة وصوله إلى العشرة، أي: صفر و واحد ليبدأ من جديد، أي يشكِّل دورة حياتية تبدأ من الصفر وتنتهي في الصفر، تمرّ بينهما الأعداد، ترسم معنى للحياة، فالجنين يبدأ من نطفة في الرحم يستمرّ تسعة أشهر ولحظة انقلابه يلج الحياة، أي تنتهي دورته الحياتية الأولى، وكذلك يحيا الإنسان ضمن مسيرة حياته دورته الثانية، وهي ظهوره عليها في لحظة ظهوره العمري الصفر، ومسيره ضمن أعدادها إلى التسعة التي ينتهي قبل انقلابه إلى العشرة: الصفر والواحد.
إلى ذلك نجد أن حلّ معضلة الصفر، وربطها بعلم الحياة المتجسِّد في الواحد الحيِّ المؤقت العمودي الثابت/ النبات، أو العمودي المتحرك/ الإنسان، أو العمودي الزاحف، أو الدابّ - من الدبيب - تحت مظلة الواحد الكلي؛ يأخذ بنا إلى فهم سرِّ الرابطة الموجودة في النقطة، فالواحد الكلي روح منتشرة في الكون المتحرك، متمثلة في النقطة المنجبة للواحد الحيِّ هندسياً وروحياً ورياضياً، وكذلك لغته من ألفه إلى يائه، وأياً كان شكله أو لونه يمنحنا فرصة معرفة قوة أحادية النقطة بين زوجية الكون وثنائياته.
د.نبيل طعمة
المصدر : الباحثون العدد 62 آب 2012