يبتعد كثيراً عن القناعة ويختلف عنها في كل شيء ، فالقناعة علاقة ذاتية تتعلق بالتكوين الحيوي للإنسان بينما الإقناع يأتي من نتاج عمليات فكرية غايتها التأثير في الآخر وإخضاع الفكرة أو الرأي لفكر المقنع، وغايته التأثيرعلى المراد إقناعه ، إما بتغيير اتجاهه وميوله وسلوكياته وإما لتصحيح فكرة خاطئة لدى الآخر ولا يتم التغيير والتأثير الكلي أو الجزئي إلا إذا كانت تمتلك الحقائق ممهورة بأدلة واضحة وسليمة وعاقلة ، كما أنه يختلف عن الجدل والاستعداء للآخر والتحدي والمجموع ، فالإقناع يتعلق في شخص المقنع من حيث تمتعه بالألفاظ والإشارات وسلامة الحديث ، أي جمالية المنطق والقوة العاقلة التي يمكن أن تستخدم عند محاولة انتهاك حرمات الإقناع ، وعليه يكون للإقناع عناصر يجب أن تتوفر في المقنع ومنها: الثقة والمصداقية والجاذبية التي تتكون من ثلاثية الشخص ( الأخلاق والأناقة والثقافة ) والقدرة على استيعاب الآخر والمستوى العلمي المتبادل ، وأن يكون لدى المقنع رسالة غايتها الإقناع فمن هنا نتابع ونقول : إن الإقناع نوع من أنواع المهارات التي يتمتع بها الإنسان وشخصية حوارية وقدرة على الاتصال والتواصل ، كما أنه نوع من أنواع البرمجة الفكرية التي تؤثر في العقل عبر الأدلة والحجج ليكون في مجمله نوع من أنواع الاتصال الإنساني فيه الترغيب والترهيب ، ولذلك يبنى على حدين أحدهما إيجابي ومثال ذلك : تصحيح نظريات علمية والبراهين والنتائج ، وبناء الأخلاق والعلاقات الروحية وعلاقات الحب الحقيقي ، والانتماء إلى الأسرة والمجتمع والوطن ، والآخر سلبي ويتضمن كل الاتجاهات السالبة في المجتمعات والانحرافات والإصرار عليها . كما أن المقنع السالب مرفوض إن كان متعدياً على حقوق الغير أو معتدياً ، ويستخدم معه الإقناع بقوة القانون أو بقوة المادة المنضبطة والمنصوص عنها في الشرائع والنصوص التاريخية .
من هنا ، نحن مقتنعون بأن الإقناع علاقة إنسانية تحمل مضامين إيجابية غايتها التطوير المتبادل في الفكر الإنساني من خلال التفهم والفهم المشترك ، والقبول والتقبل بين أطراف الحوار، والانسجام مع الآخرين يعني نجاح عملية الإقناع التي تتسرع بامتلاكها للسهولة والإمتاع والفعالية ، مع الابتسامة الحقيقية عند امتلاك المعلومة الدقيقة لا الساخرة منها . وبعد هذا كله ماذا نريد من هذا المفهوم هل علينا أن نقتنع بما حدثنا به؟ أم غايتنا الإقناع بشرحنا له بالتأكيد ضرورة فهمه حتمية ، ولكن غايتها هي هل نحن مقتنعون بما نحن فيه وعليه ومن الذي يقنعنا أو أقنعنا بما نحن فيه وعليه وهل قبلنا إقناعه أم أن لنا رأياً علينا أن نقنعه فيه ومنه أيضاً نسأل هل نحن مقتنعون قانعون ، أما لنا رأي نستطيع تطويره والارتقاء إلى مستوى المقنع فنتبادل معه الإقناع بأننا أيضاً نمتلك قيم الإقناع بكوننا نمتلك حقائق علمية وثقافية وحضارية وروحية دامغة لا شك فيها ممتلئة باليقين نضعها بين يدي من يحاول أن يقنعنا بعدم المقدرة على التطور، وأننا حقيقة متطورون لكننا في مرحلة الثبات ويجب أن لا نبقى كذلك بل من الضروري أن نتقدم إلى الأمام وأن نأخذ زمام المبادرة في الإقناع بعد أن نمتلك صفات المقنع .
الإقناع موهبة علمية تهم أي عملية تطويرية يتمتع بها الأشخاص الماهرون ، وهي جزء من مفهوم التقدم العلمي والتقدم الشخصي الذي يحمل صورة إنسان نشأ من أسرة ، واحتواه مجتمعه ومنحته الدولة هوية ليدافع عنها وعن مجتمعه وأسرته وذاته من علميته وفهمه لعلمه والاجتهاد عليه ودون الشعور بالحرج أمام الآخرين وعدم إحراج المتحاورين معهم أو إهانتهم ، وأن يدع دائماً مخارج لطيفة ضمن دائرة إقناعه كي يعترف الطرف الآخر به وفرصة يحاور بها نفسه .
د.نبيل طعمة
المصدر : العدد 13 - تموز 2008