لقد وضحت لنا نظريات التحليل النفسي الكلاسيكي متمثلة بالعالم "فرويد" بأنها لا تقف عند غريزتي الحياة أو الجنسية، والموت أو العدوانية بل يرجع الغريزة الجنسية إلى عدد من العناصر التكوينية، يطلق عليها الغرائز الجزئية التي تتمثل في الاستعراضية والنظائرية والسادية والمازوخية. وموضوعنا ولو أنه لا يتصل بالجنس فيها إلا بجانب بسيط جداً إلا أن الغرائز الجزئية من منظور المقامرة تعني العدوان والتحكم والتسلط والعنف والحط من قيمة الآخرين والتلذذ بإيلامهم وهو ما نعني به "السادية" إلا أن هذه السادية بدلاً من أن تتخارج قد تتداخل في ذات المقامر، فتتحول إلى مازوخية، وبقدر ما تكون السادية مفرطة، ترتد هذه السادية، مفرطة أيضاً في صورة مازوخية تأخذ أشكالاً كثيرة مثل التلذذ بإيلام الذات والحط من قيمتها، والإحساس بالنقص والدونية والرغبة في توبيخ الذات والتخفيف من ألم الشعور بالذنب الذي يصل في بعض الحالات إلى اللجوء إلى الانتحار.
فالبداية غالباً ما تكون لدى المقامر "سادية" والنهاية "مازوخية" وهو ما تلخصه عبارة "غوته" - إذا ضربت فنفسك تضرب"- لكن قبل أن نتوغل في بحثنا عن المقامر لابد أن ننظر إلى المقامرة هل هي مصطلح حديث أي وجد بعصر المعلومات والتكنولوجيا أم هي مصطلح قديم قدم الزمن.
المقامرة مصطلح قديم منذ وجود الإنسان على سطح الأرض وهو خلق باحثاً عن المجهول، عن الجديد، عن السعادة، عن الطموح، النجاح، الأمل، وكل ذلك بمعدل وبميزان وما عداه يصبح مرضياً يحتاج لعلاج فكل شيء له حدود حتى الأشياء التي نطمح إليها في حياتنا ولو كانت جميلة لها ميزان فالتطرف عدو الإنسان.
فالمقامرة عبر التاريخ وجدت عند جميع حضارات العالم وكانت تعتبر سلوكاً من الديانة أو العبادة، لكنها من نوع خاص وغريب وشاذ ومرضي، لأنها في النهاية هي نوع من اللعب والكذب والتحايل ممزوجة بالألم والتفاؤل والحزن والغضب وكل شيء فيها متناقص ويؤدي في النهاية إلى أن الإنسان يموت دون أن يشعر يموت نفسياً ويتآكل جسدياً وهو دائماً في حالة من الترقب والانتظار فهي نوع من الانتحار البطيء.
ففي الحضارة الفرعونية ومن خلال آثارها وجدوا قطعاً من "النرد" يعود تاريخها إلى 3000 سنة قبل الميلاد.
أما الحضارة الرومانية فقد وجدوا في آثارها حكايات طريفة عن المقامرة "فالمؤرخ تاسيتوس" يذكر أن قبائل الجرمان الأوائل كانوا يراهنون على زوجاتهم وأولادهم وحتى على أنفسهم والخسارة كبيرة، وكذلك كانت بعض القبائل الإفريقية مثل "الزوني والزولو"، كما وجد القمار عند الفرس والهند واليابان.
ومن طريف الأفكار البدائية المتعلقة بالمقامرة وسحرها أنها استعملت علاجاً للمرض العقلي الذي أصيب به الملك "شارل السادس" ملك فرنسا عام 1392م.
لأنها ارتبطت بالسحر والشعوذة والأرواح الشريرة والخوف من المجهول والاعتقاد بالقوة الخارقة وبما وراء الطبيعة.
وهناك حكايات كثيرة وطريفة ومتنوعة عن سلوك المقامرة وكلها تعكس عدم قدرة الإنسان على التخلي بسهولة عن هذا الداء الذي له طبيعة القهر والإجبار.
يروى أن صينياً قديماً راهن على يده، فلما خسر الرهان قطعها، وهناك الملك "يودشتير" والذي اتصف بطيبة قلبه أنه بقي يلعب القمار مع الملك الخبيث "ساكوني" والمشهور باستعماله النرد المغشوش إلى أن فرغت خزانته من الذهب والياقوت وخسر كل أملاكه من خيول وفيلة ومركبات وعبيد، ثم راهن على إخوته، وأولاده وزوجته الملكة الفاتنة "دور بادي" وأخيراً راهن على نفسه.. وخسر كل شيء؟
وهذا غيض من فيض، وكل هذه الحضارات كانت تنظر إلى المقامرة على أنها إدمان، فالمدمن الحقيقي هو الشخص المقامر المديون، ونظراً لخطورة سلوك المقامرة فإن ريتشارد قلب الأسد، قام بتحريم المقامرة في أثناء الحملات الصليبية التي قادها إلى الشرق، وحتى كان يُنظر لها في القرن السابع عشر على أنها رذيلة كبرى حتى ولو كانت على رهان بسيط أو على ما يملك الفرد من ثروات.
ومن بين الروائع الأدبية تقفز رواية "المقامر" لديستوفسكي لعام 1866 التي هي في الحقيقة تاريخ حياته وحياة كل مريض بالمقامرة وفيها يقول "النقطة الأساسية هي اللعبة بحد ذاتها، وأقسم أنني لست طامعاً في مال على الرغم من حاجتي إليه".
وهذا يدل على أن المقامرة سلوك قهري يدخل ضمن الإدمان والمرض النفسي الخطير، ودرجة الإدمان على المقامرة ترويها لنا قصة قديمة للكاتب "هوفمان" بعنوان "حظوظ المقامر" "فقد كان أحد المدمنين على المقامرة قد تركها بعد جهد كبير، إلا أنه عندما قارب الموت، وفي أثناء زيارة القسيس له قبل مماته، كان أقرباؤه يلحظون باستغراب تلك الحركات اللاإرادية التي يقوم بها وهو في حشرجة الموت، وكانت في الحقيقة حركات توزيع ورق القمار على المائدة مصحوبة بتمتمة من اصطلاحات اللعب وتعبيراته".
وكان فرويد يرى أن المقامرة ذات طابع تكراري من خلالها تدمير الذات نفسها، والفرد لا يقامر من أجل المال فقط، ولكن من أجل المقامرة ذاتها، لذلك تعتبر المقامرة إدماناً مثلها مثل تناول الكحوليات والعقاقير والمخدرات.
لكن؟! في عام 1930م في أميركا انتشرت الدعاوى بترخيص المقامرة وفتحت نوادي خاصة بها وذلك في 21 ولاية أميركية وهنا بدأ علماء النفس بدراسة سيكولوجية المقامر وأشهر الاختبارات لقياس سلوك المقامرة المرضية والقهرية ظهر عام 1984 مقياس المقامر المجهول وهو الاسم نفسه للمؤسسة التي نشرته.
والمقامر كان يدرس قديماً من خلال العوامل الاقتصادية والاجتماعية فقط، أما الدراسات الحديثة فأخذت تهتم بالعوامل النفسية والشخصية كذلك، ومن أهم المنظمات العالمية التي اهتمت بالناحية النفسية والشخصية لسلوك المقامر ما يلي:
- منظمة ماساشوستس للمقامرة القهرية.
- مؤسسة أريزونا للمقامرة القهرية.
- مركز نيفادا للمقامر المشكل.
- كاليفورنيا.
- الدراسات النفسية للمقامرة بلويزيانا.
- المسيسيبي للمقامرة القهرية.
وكل هذه المراكز لم تستطع أن تتفق على تعريف واحد للمقامر لأن هناك أنواع وأشكال تتفق وتختلف في ظواهرها ودواخلها من مقامر لآخر، فهناك المقامرة المرضية والتي تتسم بالقهر والإجبار والإلزام، وقد تجعل المقامر مجرماً مضاداً للمجتمع وقد تدفعه للاستدانة والاختلاس والسرقة، وتدمر حياته الاجتماعية كافة، وتدمر أسرته وعلاقاته مع جيرانه وأصدقائه، وهذه تندرج تحت عنوان المقامر المشكل.
ولذلك تعد المقامرة المرضية والتي تتصف بالإجبار والإلزام والقهر سلوكاً قهرياً إدمانياً، فقد يشعر المقامر بالتوتر الشديد في حال توقف عن اللعب، بغض النظر عن المكسب أو الخسارة ويبذل الكثير من المقامرين جهداً للتوقف عن المقامرة ولكن عبثاً يستطيعون ذلك، وكثير منهم يهربون من مشاكلهم واضطراب حالتهم المزاجية إليها، وهذه الأعراض نجدها عند المدمنين.
والمقامرة المرضية ترتبط بسلوك المخاطرة ارتباطاً كبيراً فهو لا يفكر لحظة واحدة في الامتناع عن المقامرة وبذلك تصبح المقامرة المرضية صراعاً ومخاطرة.
وسلوك المقامرة سلوك تطوري تراكمي يبدأ بالسوي البسيط لينتهي عند السلوك المرضي المعقد كما يقول "شافروهل" ويتضح ما يلي:
1- المستوى الأول للمقامرة: حيث لا يكون هناك أي ممارسة لسلوك المقامرة.
2- المستوى الثاني: ويتضح في المقامرة الاجتماعية التي تكون بهدف التسلية من دون تقدير للآثار السلبية التي قد تحدث فيما بعد، وهذا المستوى لا تصاحبه أي مشاكل.
3- المستوى الثالث: ويشمل المقامرين المرضى الذين يحتاجون لعلاج حتى لا تتضاعف مشاكلهم.
والمقامر هو الشخص الذي يوقع بالآخرين، وهو أيضاً لاعب الميسر، وهو من يسر الأمر وجعله يسيراً، فالمقامر ينشد المال السهل ويلجأ إلى الخداع، ويتفرس في الخصم، ويسبر أغواره، ويستخدم الحدس ويجد لذة في ذلك، يخاطر يجازف بأموال كبيرة، وتأخذه الحمية والحماسة والانتقام والعصبية والانفعال، والمقامرة هنا ترادف الحيل والخدع، في اللعب، ولذلك يعرف المقامر بالنصّاب والمحتال الذي اعتاد اللعب بالمال، من خلال هذا نجد بأن تعريف المقامرة هو "حالة اكلينيكية مرضية تنمو وتتطور لتؤدي إلى تمزيق شخصية الفرد وتهدد كيانه ومهنته وأسرته، فهي مرض خبيث سرطاني ينتشر من الفرد إلى ما يحيط به فيأكله ويأكل ما حوله وهذا ما يؤدي إلى تمزيق شخصيته، وهكذا نجد بأن المقامرة أصبحت سلوكاً يجري في دمه لأن الفرد يمارسها باندفاع ليس من أجل المال أو التسلية إنما أصبحت بالنسبة له غاية في حد ذاتها وهذا هو السلوك المرضي والذي يبدأ بالتسلية والترفيه لتصل إلى المرض الذي يحتاج إلى علاج.
كثير من الباحثين ينظر إلى سلوك المقامرة على أنه هروب من المشكلات التي يعاني منها الفرد لكننا نجد بأن المقامرة بحد ذاتها هي المشكلات بعينها، "هرب من الدلف لتحت المزراب"، هرب من مشاكله ليروح عن نفسه فوقع بمشاكل أصعب وأخطر فإذا كان يعاني المقامر من مشاكل مع أصدقائه وأسرته وكل ما يحيط به وكأن مرضاً أصاب الدنيا بأسرها، فالطبيعي في مثل هذه الظروف أن يبتعد المقامر عن المقامرة نجده يزداد إفراطاً في هذا السلوك "مرضي"، فيتأثر بها المقامر، وأسرته، وأصدقائه.
وتعاني حياته من التصدع والانهيار والاضطراب في العلاقات سواء مع الزوجة أو الأبناء، ويتهدد كيان الجماعة والمجتمع خصوصاً في مجتمع يرفض سلوك المقامرة، وخاصة بأنه يبدو المقامر كفرد فقد صوابه وانهارت أحلامه فلا هو على بيته باقٍ، ولا هو لمستقبله ومستقبل أولاده متذكر، وكأنه مسحور ومجذوب بفعل ساحر "الموائد الخضراء".
ولذلك المقامر يحتاج إلى علاج لأنه لا يستطيع أن يبتعد عن هذا السلوك من تلقاء نفسه لما له من عنصر جذب وتشويق بالنسبة له كالمدمنين على الكحول والمخدرات. لأنها برأيه الحل السحري لمشكلاته كلها، وهي كذلك نوع من التفريغ النفسي المؤقت لما يحس به من ضغوط نفسية ناسياً أو متناسياً ما سوف يلقاه في نهاية اللعبة، لأنه وقتها سيفكر بالمتعة وبالثروة الكبيرة التي سوف تأتيه من دون حساب لتحل جميع مشاكله، خاصة وأن قلة المال مرتبطة بالإحباط، والدونية، والفشل، والقهر، وانحطاط الذات، واليأس والهزيمة، فالحل برأيه "المائدة الخضراء"!
والمقامر لا يحزن دائماً من الخسارة لأنه مؤمن وبشكل كبير بأنه رابح لا محالة والدليل على ذلك تكرار المحاولة عله سيلاقي حظه في النهاية ويفوز بثروة عظيمة من عمله مما لا يجعل حدوداً للمقامرة عنده، وهذه المحاولة تزداد بعد كثرة مرات الخسارة لأنه باعتقاده بعد كثرة الخسارة سيأتيه الربح لا محالة بأي شكل وبأي طريقة وكأن القدر مدانٌ للفرد.
وسلوك المقامرة يتم غالباً مع مجموعة من الأصحاب الذين تجمعهم فكرة المقامرة المتسمة بنوع من التحدي والاحتياج والقلق والبهجة والخروج من العزلة وغيرها من مشاعر تجعله يعشق اللعب ويظهر أن مبعثها المخاطرة وهذه الأخيرة ترتبط وتلازم المقامرة، والمقامرة تبدأ بحب المشاركة باللعبة ثم تشوق وتكرار، ثم ربح وخسارة، ثم تحدٍ ثم مقامرة للمقامرة، ثم إدمان وذلك عند تكرارها وخاصة إذا ارتبطت في بدايتها بالربح.
لكن تبادر إلى ذهني.. هل يرتبط سلوك المقامرة بالرجل أكثر من المرأة؟
يلعب النوع "ذكر أم أنثى" دوراً مهماً في ممارسة سلوك المقامرة، فنجد أن الرجل أكثر ممارسة للمقامرة من المرأة، حتى في المجتمعات الغربية التي تشرّع المقامرة، وذلك لأن معظم العادات والتقاليد الاجتماعية والتشريعات أيضاً ترى أن المقامرة سلوك يخص الرجال أكثر من النساء، وفي حال ممارسة المرأة للمقامرة نجدها تقبل الألعاب التي تعتمد على العشوائية والحظ والمصادفة، وكذلك منهن من يلعبن بنوع من التفريغ عن الحالة النفسية "إضاعة وقت الفراغ"، أو يلعبن بخسارة أقل ولمجرد اللعب.
أما الرجال فيمارسون كل ألعاب المقامرة كل حسب رغبته، طبعاً يختلف اللعب وطريقته من فئات عمرية إلى أخرى، حيث تنعدم لعبة المقامرة في الطفولة تظهر عند الشباب والمراهقين، وتنخفض عند الشيخوخة، أما نوعية اللعب فتختلف من مجتمع لآخر حسب الحالة الاجتماعية والاقتصادية والعمرية وجماعة الأقران والمشكلات الأسرية، ونمط العادات والتقاليد والتشريعات الدينية.
لماذا يقامر المقامر؟!
هناك نظريات وأبحاث قامت لتحديد أسباب سلوك المقامر لهذا السلوك دون سواه، ولكن وجدوا أنه من الصعب تحديد أسباب المقامرة وذلك إذا وجدت فإنها تحدد وتمهد للعلاج.
ولذلك سوف نستعرض بعض هذه النظريات التي عددت ومهدت لأسباب سلوك المقامرة؟
فهناك نظرية التحليل النفسي للمقامرة، والتي تنتصب مقولتها على عاملين أساسيين هما:
إشباع الدوافع الغريزية ومراحل النمو المبكرة الذي يمثل نقطة الحسم في الديناميات النفسية لسلوك المقامرة وضمن هذه العاملين يضع أصحاب نظرية التحليل النفسي عدة عوامل تؤثر في سلوكيات الفرد وتؤدي إلى المغامرة وهي "وهم القدرة المطلقة- فقدان الحب- العدوان- صدمة الثدي- مرحلة الاختبار الأخلاقي- المازوخية- الشعور بالذنب- البحث عن الإثارة- الصراع، ومعظم هذه العوامل تعمل عملها بشكل لا شعوري.
نظرية العوامل الشخصية للمقامرة
وترى هذه النظرية أن الخصائص الشخصية للفرد تؤثر في البناء النفسي للفرد وتدفعه إلى سلوك المقامرة والتي تتحدث عن الاكتئاب والشخصية المضادة للمجتمع، والقلق والخضوع والسيطرة والتوجه التحصيلي والشخصية النرجسية.
نظرية الفعل السببي للمقامرة
وضع "فيشبين وأزين عام 1975م" نظرية في السلوك تشمل متغيرات القصد والنية والاتجاهات والمعايير الذاتية فالسبب الأول للسلوك هو نيّة الفعل، ولا تتكون هذه النية إلا في وجود اتجاه معين نحو الفعل ومعايير ذاتية تحيط به، فالقصد والنية في سلوك المقامرة تنبع من الرغبة في ذلك الاتجاه، وكذلك من خلال معلومات وتوقعات لأن يمارس الفرد المقامرة "المعيار الذاتي"، وقد يزداد سلوك المقامرة إذا كانت التشريعات الاجتماعية تشرّع هذا السلوك بحيث يصبح سلوكاً مقبولاً اجتماعياً.
نظرية التقلب للمقامرة
وهذه النظرية في الأساس وضعت من قبل "أندرسون وبراون" عام 1987 ضمن نظريات الإثارة والتي تتضمن حالتين هما: الهدف ومحاذاة الهدف.
وهذا يعني انتقال المقامر من حالة الفرد يكون موجهاً نحو تحقيق غاية معينة أو عدة غايات "الهدف" وذلك للكسب المادي، أما محاذاة الهدف فهو توجه المقامر نحو المتعة والإثارة فلا يهمه المكسب أو الخسارة وإنما النشوة والإثارة من العمل الذي يقوم به.
النظرية المعرفية السلوكية للمقامرة
وتركز على الدور الذي تلعبه العمليات المعرفية في اكتساب سلوك المقامرة، فسلوك المقامر يجري تدعيمه من خلال المكافأة المالية ومستويات الإثارة الفسيولوجية التي تؤدي إلى نوع من الحماسة والتشويق، ويلعب الفوز دوراً كبيراً في تدعيم سلوك المقامر ويزيد من احتمالية الإفراط في المقامرة، وهنا يتعلم المقامر بأن الفوز عملية غير دائمة ولكنها بالتأكيد ستحدث وهذا ما يجعله يستمر في اللعب على الرغم ما يتعرض له من خسارة متكررة.
النظرية الاقتصادية والاجتماعية للمقامرة
فالمقامرة هنا وسيلة لتحقيق ثروة ضخمة، أو أنها وسيلة من وسائل التسلية والترفيه فهي نشاط استهلاكي يهدف إلى تحقيق كل ما هو نافع ومفيد للمقامر، وكل ما يرضي رغبته وطموحه، وهذه النظرية تفرق بين دافعين أساسيين للمقامرة:
1- الأمل في ثروة كبيرة وثراء فاحش.
2- الدافع إلى التسلية واللهو.
وهنا قد يقامر الفرد بكل ما يملك من أموال لرغبته في الثراء، فإذا داناه الحظ قد يتوقف عن المقامرة أو أن يخاطر باللعب والرهان كلما وجد أن الفرصة مواتية وأن الحظ إلى جانبه، أو أن تكون الرغبة في الثراء المفاجئ من دون مجهود أو مشقة أو إثر تعرضه لأزمات مالية حادة وخاصة إذا كان يملك المال وفقده "البورصة مثلاً"، ويلعب المستوى الاقتصادي دوراً هاماً في المقامرة فالفقراء هم أكثر الأفراد مقامرة من الأغنياء وذلك لرغبتهم في تحسين حالتهم المعيشية.
ولكن الطبقة المتوسطة قد تكون أكثر الفئات التي تقبل على سلوك المقامرة لأنها تقاوم الشعور بالفقر وتهرب منه قدر استطاعتها وهي طبقة طموحة جداً وترغب في الثراء، ولذلك ارتبط سلوك المقامرة بالطبقة الاجتماعية، فانتشرت لدى الطبقات العاملة والوسطى لأنها ارتبطت بعامل الإشباع وقوة التفاؤل بالفوز والاعتقاد الراسخ في إيجابية المصير والحظ ولا يرون من خلالها سوى الفوز، خاصة أن كثيراً منهم لا يستطيعون الدفاع الفوري لاحتياجاتهم الأساسية ويعانون من كثرة الاستدانة.
لقد لوحظ من خلال النظريات السابقة أن هناك العديد من المتغيرات مثل الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والمعتقدات والتعليم والأنشطة المختلفة لأوقات الفراغ بأن هناك عوامل تجمع بينهم مثل:
- إن الفرد كلما كان أكثر شذوذاً كان يقامر كثيراً.
- يرتبط الميل إلى المقامرة بانخفاض المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
- يميل الفرد إلى المقامرة عندما يشعر بالاغتراب.
- يفرط الفرد في المقامرة لتأكيد ذاته.
- ترتبط المقامرة بالمستوى الطبقي، وتكره في الطبقات العاملة.
- ترتبط المقامرة بعملية اتخاذ القرار، فالذين ليس لهم فرص اتخاذ القرار يميلون للمقامرة.
- ترتبط المقامرة بسلوك المخاطرة، ولوحظ أن الحاجة إلى تأكيد الذات والظروف الاجتماعية والاقتصادية هما من أكثر العوامل التي ترتبط بسلوك المقامرة.
النظرية الإنثروبولوجية:
المقامرة سلوك يتعلمه الفرد من المحيط خاصة عندما تُهدد مصالحه وحاجاته، فيوظف ذكاءه ومهاراته ومؤهلاته في مواجهة صعوبات الحياة والبيئة ولكن بأسلوب سلبي، ونجد بأنه كلما زادت أعباء الحياة ومشكلاتها وضغوطاتها وهددت فيها حاجات الفرد ومكانته وأشعرته بالقلق والإحباط واليأس من الحياة، اعتقد الإنسان أن المقامرة هي الحل السحري لمشكلاته فيتحكم بالقلق والإثارة عن طريقها وتصبح الحل الوحيد لتحقيق أهدافه ومصالحه بالإضافة إلى الثروة والتسلية وقضاء أوقات الفراغ الممتعة بالنسبة له شخصياً، والهروب من الضغوطات النفسية والاجتماعية، ويتحدى من خلالها الفقر والآخرين، وتشعره بالنشوة والانتصار، ويفرغ من خلالها شحنات من الانفعالات العدوانية على الذات والآخرين.
النظريات البيولوجية
ترى أن للمقامرة مجموعة استعدادات فسيولوجية وعوامل وراثية تدفع الفرد لسلوك المقامرة، فنجدها تتحدث عن الجينات، ورسم المخ- وأندروفين البلازما- وعدم التوازن الكيميائي للمخ- والإثارة والتي نؤكد من خلالها على فسيولوجيا الجسم ونشاط الغدد والميول والاستعدادات الوراثية.
من هذه النظريات نجد بأن أسباب المقامرة كما أخذت من المقامرين أنفسهم هي:
الرغبة في الثروة الكبيرة- التسلية والمتعة والتشويق والإثارة- التغلب على الاضطرابات الوجدانية- المسايرة الاجتماعية والاندماج في وسط اجتماعي مغاير، ولكن هذه الأسباب قد تكون غير حقيقية لأن هناك مقامرين أغنياءً، وهناك مقامرون يفوزون بالمال فلماذا لا يتوقفون عن المقامرة بعد فوزهم؟ وأكثر المقامرين لهم أعداء وليس لهم أصدقاء، وليس كل من يكون مستواه الاقتصادي أو الاجتماعي ضعيفاً يجب عليه أن يكون مقامراً، وليس جميع من هم يهربون من مشكلات أو من ضغوطات الحياة عليهم أن يقامروا، إذن هناك أسباب كثيرة وكثيرة تحدد أو تجعل من المقامرة سلوكاً مَرضياً.
ما صفات الفرد المقامر؟
المقامر شخص غريق في بحر الظلمات تتصف شخصيته بالاضطراب في الأداء الوظيفي والاجتماعي "القلق، الانتحار، العصاب، العدوانية".
يعاني من اضطرابات في التحكم في السلوك فيكرر مقامراته المرضية على حساب القيم والمعايير الاجتماعية والمهنية والمادية والأسرية.
اضطراب في المزاج ويشتمل على الاكتئاب، الانطواء، الهوس الخفيف، تقلب المزاج وهذا بدوره يؤدي إلى الإدمان، الانتحار، القلق، التوتر، فقدان القدرة على التحكم.
أخيراً هل هناك علاج للسلوك المرضي للمقامر؟
إذا نظرنا للمقامر بأنه مريض ويحتاج للعلاج فإنه من الواجب علينا كمجتمعات متحضرة أن نساعده في ذلك، ولذلك أوجدت الدول الغربية برامج علاجية للمقامر ودفعت العلماء والمتخصصين إلى الدراسات العلمية وتصميم البرامج العلاجية لهم، وأنشأت المستشفيات الخاصة بهم.
منها: العلاج السيكودينامي:
وهذا العلاج يعتمد على التحليل النفسي للمقامر ويجب على المقامر الإفصاح عنها وإماطة اللثام عنها وكشف النقاب عن سلبياتها ليواجه من خلالها مشاعر النقص والدونية، بهدف تضميد جراح الأنا وصراعات الطفولة وبهدف الكشف عن بدايات نقطة العلاج "الحوار بين المعالج والمريض" وهذا ينطوي على الكثير من المحاذير منها عدم تجاوب المريض مع المعالج.
العلاج السلوكي
ويعتبر العلاج السلوكي مسألة المقامرة سلوكا متعلماً يمكن القضاء عليه من خلال البيئة المحيطة بالمقامر وتعديل سلوكياته عن طريق تقنيات الإشراط الكلاسيكي: وهي:
أ- العلاج بالتنفيز: أي تكوين استجابات سلوكية سلبية للسلوك غير المرغوب فيه وذلك من خلال توضيح السلبيات التي يتعرض لها الإنسان عندما يمارس المقامرة، وأن كل ما يتعرض له من سلبيات جميعها بسبب المقامرة.
أو العلاج بالصدمة الكهربائية: فكلما شعر بالرغبة في اللعب يصدم كهربائياً وهذا نافع وفعال، أو عن طريق إعطائه بعض الأدوية مثل "الأوبومورفين" والتي تشعره بالغثيان أو الإقياء فيربط بين الأدوية وبين المقامرة والغثيان "بشكل شرطي"، بمعنى أن المقامرة تسبب الغثيان.
1- أسلوب الضبط الذاتي: وفيها يتم تحديد الشروط التي يظهر فيها سلوك المقامرة، فهناك شروط عامة لدى جميع المقامرين وشروط خاصة بكل مغامر، وتبدو الشروط العامة في الرغبة بثروة كبيرة والرغبة في الإثارة وتفعيل سلوك المخاطرة والهروب من ضغوط الحياة.
2- تخطيط البيئة: محاولة التحكم بالبيئة الخارجية للمقامر عن طريق تجنب قدر الإدمان المنبهات والمسكرات.
3- تخطيط السلوك: يقصد بذلك إقناع المقامر بقدرته على الامتناع عن المقامرة بجانب عقابه في اللحظة التي يقبل على هذا السلوك.
ب- العلاج بالإشباع: وهو ممارسة المقامرة بصورة مفرطة وحسب رغبة الإنسان، فكثرة المقامرة تؤدي إلى نوع من الانطفاء للدوافع الثانوية وذلك عن طريق التوقف عن المقامرة عندما تتاح فرصة لذلك، والتوقف عنها في حال الخسارة والبحث عن أنشطة بديلة.
ج- العلاج المعرفي: وذلك عن طريق وضع أهداف لحياته يسعى لتحقيقها، وإقناعه بتفاهة السلوك الذي يقوم به، وبأنه شاذ، ويرتكز العلاج على أسلوبين: 1- القصد بالنقيض: ويقوم على تقليل المقامر من الشعور بالذنب والتهوين على نفسه ذلك الضعف الذي يشعر به تجاه قهر المقامرة. 2- تحويل الانتباه: فقلة الاهتمام تميت الاهتمام، فلا يفكر كثيراً بسلوك المقامرة وأن يحول تفكيره إلى موضوعات أخرى.
د- العلاج عن طريق الإرشاد والتوجيه
وهدفها التخلص من الاضطرابات النفسية والسلوكية والاجتماعية والاقتصادية للمقامر.
"أي مساعدته في حل مشاكله"، ولكن حتى الآن لا يوجد حل جذري وبرنامج علاجي محدد لسلوك المقامرة فكل حالة لها برنامج خاص بها تبعاً لطبيعة الفرد والديناميات النفسية للمقامر وبعض العوامل الشخصية ولكن هناك بعض الإرشادات تقوم على غرس التفاؤل وإيجاد الأمل في حياة أفضل- الحد من الضغوط المالية- تنمية الشعور بتقدير الذات- وإعادة الثقة بنفسه وبإمكانياته- تنمية عادات ومهارات جديدة- الابتعاد عن التفكير الخيالي وتنمية التفكير المنطقي- معالجة الشعور بالذنب والندم- تنمية عادات اجتماعية إيجابية مع الأسرة والأصدقاء والمجتمع.
المصدر : العدد 40 تشرين الأول 2010