ثمة اندماج تام بين الطب التقليدي الصيني والثقافة الصينية: فالطب الصيني التقليدي يبرز بجلاء الثقافة الصينية وهو أحد عناصرها الأساسية وهو وسيلة هامة مكنت الصينيين من مكافحة المرض وتقوية الصحة وتحقيق الرضاء في الحياة.
ونتيجة للتغيرات السريعة في الحياة البشرية والتقدم التكنولوجي والتغيرات الجوهرية في مفاهيم الصحة وسبل الحفاظ عليها، لم يعد كافياً الوقاية من المرض وإنما بات من الأهمية الجمع بين الصحة العقلية والجسدية والروحية وإنجاز تناغم وانسجام بين بعضهم بعضاً ومع المجتمع والطبيعة، لذلك تطور الطب من الاهتمام فقط بالناحية البيولوجية إلى علاقته بالبيئة والطبيعة والمجتمع وهذه المبادئ هي التي أكد عليها الطب التقليدي الصيني ومنها العلاج الوقائي "وحدة الإنسان والطبيعة" وحدة الهيئة والروح والتوازن، وحيث أن الطب التقليدي الصيني يتطلع إلى المستقبل فإنه سيواصل فرض تأثيره القوي على التنمية الاقتصادية والعلمية والثقافية للمجتمع البشري.
وقد أثر الطب التقليدي الصيني في الصين على كل مناحي الحياة فيها؛ فقد ظهر منذ خمسة آلاف سنة خلال العصر الحجري الحديث وفي فترة الربيع والخريف كانت فيها الأسس النظرية للطب التقليدي الصيني مكتملة وابتداءً من الكتاب الكلاسيكي في الجغرافيا "كتاب الجبال والبحار" الذي دوّن بعض المعلومات إلى الكتابات الكلاسيكية الطبية ككتاب "هو انفدي ينجينغ" و"كتاب الإمبراطور الأصفر الطبي" و"شننونغ نبتسا وجينغ" وكتاب "شننونغ لطب الأعشاب" حتى ظهور أعمال أكثر خلال فترة أسرة هان الإمبراطورية عام 2020 ق.م- 220م وفترة الممالك الثلاث 220-280م وكل هذه المراحل كان الطب التقليدي الصيني متأثراً بها ومسجلاً لمسيرة تطورها.
متأثراً بالألوهية وحكايات الخالدين والسحر والقدرة الحيوانية الذاتية والتفاعل الإنساني والعمل وغيرها، وهو يمثل توليفة من عناصر ونظم عديدة.
وهناك الكثير من الحكايات عن تسجيل تجربة العشائر والقبائل القديمة على مر العصور، في مقاومتهم للمرض وتطوير طرق العلاج، والأدوية الطبية، وتعكس أيضاً تبجيل الصينيين لأسلافهم، أمثال: - بانقو يخلق السماء والأرض.
- سوير نشي يصنع النار يثقب بها الخشب.
- شننونغ يختبر مئة من العقاقير الطبية.
- فوشي يخترع إبر الوخز التسع.
وتؤكد الأسطورة الصينية على أن يهن ويانغ هما العنصران الأساسيان للخلق، وأن كل شيء، حتى البشر، نتيجة تفاعلهما.
ومفهوم "ين ويانغ" قاسم مشترك في الأساطير الصينية حول أصول وتطور الإنسان وقد قيل إن "نووا إلهة القمر" هي تجسيد لين وإن "فوشي" زوجها إله الشمس، وهو تجسيد ليانغ ومن خلال دمجهما لين ويانغ أنجبا البشرية.
هذا المفهوم الأساس لفهم الأسلاف للعالم المادي وبات أيضاً الأساس النظري للطب التقليدي الصيني وكلها متطورة من نظرية ين ويانغ.
وتذهب الأسطورة الإغريقية إلى أن بروميثوس هو الذي أعطى الإنسان هوية النار بعد أن سرحتها من الإله زيوس بجبل الأولمبوس في الأسطورة الصينية، سوير نشي هو الذي اكتشف كيفية صنع النار بثقب الخشب وهذا يشكل معلماً هاماً في حياة وتطور البشرية، فالنار هي التي تعطي الإنسان الضوء خلال الليل الطويل والدفء في الشتاء البارد.
وراح الإنسان يتمتع بالطعام المطهو، اخترع الفخار المحروق، صهر المعادن، أنتج الأسلحة زادت سيطرته على الطبيعة، حسنت ظروف معيشته وغذاءه وصحته مما زاد من إمكانية الوقاية من الأمراض وإطالة عمر الإنسان، "النار عنصر جوهري في طب الأعشاب" فهي تستخدم لعلاج الأمراض واستخلاص الأعشاب والأدوية، وتنشيط ورفع فعالية العقاقير الطبية، "مسحوق الشيح وعصا الشيح يستخدمان في الوخز.
تشتمل الأدوية الصينية التقليدية على مكونات نباتية وحيوانية ومعدنية من مختلف الأنواع ومعظمها نباتي، وإن المصطلح الصيني التقليدي للأدوية الطبية واستعمالها هو "بنتساو" طب وأدوية الأعشاب".
وفقاً لواحدة من أشهر الأساطير الصينية اكتشف شننونغ وهو إله الطب والزراعة الصيني مئة عقار طبي كان سبعون منها سامة، وشننونغ هو اسم آخر للإمبراطوريان وهو واحد من الأسلاف الأسطوريين الصينيين.
وخلال مسيرة طويلة من التجربة والخطأ، شرع أسلاف البشر تدريجياً يكتشفون الأعشاب وتجريبها فمثلاً "عشب الرواند يسبب الإسهال، وسيفان البطيخ تؤدي إلى التقيؤ والزنجبيل يخفف الغثيان".
ومع تعلم الإنسان كيفية استخدام مختلف النباتات لتحقيق تأثيرات معينة ولد علم طب العقاقير، ومن خلال القنص والصيد، اكتشف البشر الأوائل أن أجزاء معينة من الحيوان تحتوي على مكونات علاجية مميزة.
وأسطورة شننونغ بتجريب الأعشاب بنفسه هي موجز لمسيرة أسلاف الصينيين الطويلة في اسكتشاف مكونات العقاقير الطبية، وعبر العصور تطورت من الاستخدام الحدسي العارض إلى منظومة شاملة وعلمية وعلى الأرجح تمثل عملاً جماعياً متكاملاً للعشيرة التي حكمها الإمبراطوريان شننونغ وأسلافه.
أما فوشي فهو مخترع إبر الوخز التسع، فهو سلف أسطوري آخر للصينيين، وهو واحد من مبتكري الطب التقليدي الصيني، وهو مخترع الإبر المستخدمة في الطب الصيني مثلاً.
1- "إبرة شفرة المحراث- تشانتشن".
2- "الإبرة المستديرة- يوانتشن".
3- "إبرة رأس السهم- تيتش".
4- "ألإبرة ذات الطرف الحاد- منغتشن".
5- "إبرة السيف – بيتشن".
6- "الإبرة المستديرة الحادة- يوانليتشن".
7- "الإبرة الجيدة- هادتشن".
8- "الإبرة الطويلة- تشانغتشن".
9- "الإبرة الكبيرة- داتشن".
وقد لعبت الأدوات الحجرية دوراً مرموقاً في المجتمع الإنساني وكان حجر "بيانشي" واحداً من أكبر الأدوات الجراحية في تاريخ البشرية، فقد كانت أحجار بيانشي دقيقة مزودة بطرف حاد أو نصل وكانت تستخدم في فتح الخراج وإخراج القيم والدم، واستخدمت في تنشيط نقاط معينة بالجسم في المراحل الأولى للوخز بالإبر، ومع تطور طرق العلاج تطورت أحجار بياتشي إلى مباضع وإبر، واستمر استخدامها لآلاف السنين بعد انتهاء العصر الحجري.
وقد ارتبط نشوء الأدوات الجراحية بالتقدم الاجتماعي والقدرات الإنتاجية المتزايدة ارتباطاً وثيقاً.
وثم تجويد أحجار بيانشي البدائية فأصبحت شفرات وإبر حجرية وحل محلها الخزيران والخشبو العظام والبرونز والحديد والفضة والذهب، كما حصل مع أدوات الكتابة المبكرة فكانت تحتوي على الحجر ثم تطورت إلى الخيزران وفي النهاية المعدن.
ونجد الإنسان بطبيعته البدائية كان كل ظاهرة طبيعية أو بيئية لا يستطيع تفسيره كان يرد حدوثها إلى القوة الجبارة أو القوة الإلهية وفي مواجهة الأمراض والكوارث كان يتضرع إلى الآلهة لحمايته وتدريجياً تحول الدعاء والصلاة إلى وظيفة تخصصية، فكان أفراد معنيون من القبيلة آنذاك يسمونهم "الشمانيون" يمارسون النشاطات الشعائرية وكان يعتقد أن هؤلاء لديهم قدرة سحرية للاتصال بالآلهة.
وتشير الكتابات القديمة إلى أن مسؤولية الشامان كانت تشمل الكهانة وتقديم القرابين والدعاء والصلاة من أجل طلب الحماية من الإله والتنبؤ بالظواهر السماوية بالإضافة إلى ممارسة الشامان الطب بشكل متخصص وكانوا أكثر نفوذاً واحتراماً لمعرفتهم المتخصصة والمقدسة وفي النهاية نقول بأن الشامان كان يمارس الطب البدائي مخلوطاً بالشعوذة والسحر.
وقد كانت الشحانات يمثلون ديناً ومهنة وظاهرة ثقافية لعبت دوراً هاماً في تقدم البشرية من الهمجية إلى الحضارة، وبرزت الكتابة الصينية مدى الارتباط الوثيق بين الشامانية والطب.
تقول الأسطورة إن "يي ين" هو مخترع عملية استخلاص العقاقير من الأعشاب إذ توضع في الماء لاستخلاص مكوناتها، وهو رئيس وزراء مشهور في فترة الملك تانغ "القرن 16 ق.م" كان "ين" طباخاً ماهراً لديه معرفة كبيرة بالطب وهو أول من اخترع خلاصة العقاقير بغلي العديد من مواد الطهي مثل القرفة والزنجبيل وعرق السوس والعناب والغوانيا، ونتيجة للتجارب وتقدم البشرية كان لزاماً أن يتقدم علم الطب والعقاقير والأعشاب، كما ظهرت القدرة على تركيب عناصر طبية معينة في توليفات قياسية أدت إلى ظهور نظرية التناغم في تركيب الدواء الصيني، وأدى إلى ظهور الصيدلية الصينية التقليدية التي كان لها التأثير الأكبر على العلاج الأكلينكي للأمراض. وقد حقق الصيدلي الصيني الأول كما سماه الأجيال اللاحقة "تشانغ تشونغ جينغ" نتائج مبهرة باستخدام خلاصات الأعشاب.
ومن خلال تاريخ الصين ظهر ما يسمى باسم "نيجينغ" الأساس النظري للطب التقليدي الصيني ولا غنى عنه لكل ممارس للطب التقليدي الصيني ويشمل نشوء الطب من بداياته التجريبية ويشمل كذلك خلاصة وافية وكبيرة من المواد التي تغطي كل مرحلة تاريخية ووجهة نظرية.
واستخدام اكلينكي للطب التقليدي الصيني في هذا العمل، تطورت عناصر هامة من الطب التقليدي مثل مفهوم الكلية وتعريفات نمطية في الممارسات الإكلينيكية إلى نظريات أساسية.
والإنجاز الأعظم لكتاب "نيجينغ" كان دمج النظرية الفلسفية في الطب التجريبي.
ولعل من أهم المعجزات الطبية ما نادى به كونفوشيوس في زمن هواتوه إذ اعتقد حكماء الصين القديمة أن المتصل الكامل للعلاج هو تعبير عن "رن- النزعة الخيرية"، وتؤكد الرؤية الكونفوشوسية النزعة الخيرية على التهذيب الذاتي لتحقيق تناغم الفرد مع نفسه وتنظيم الدولة.
بينما يؤكد الطب التقليدي الصيني على علاج الأمراض لتنسيق الجسم وإنقاذ الحياة، الطبيب العادي يداوي المرض، الطبيب الوسط يداوي الناس، والطبيب المتفوق يداوي الدولة. هذا التأكيد على صحة الفرد وصحة المجتمع يشير إلى أن الكونفوشيوسية والطب التقليدي الصيني يتقاسمان القيم الأساسية. وهذا يبين التناظر الشديد بين أخلاقيات الطب التقليدي الصيني ومفهوم حب الخير الكونفوشيوسي، فعندما يعالج الأطباء مرضاً يجب أن يكونوا عطوفين ومعتدلين وملتزمين تماماً لإنقاذ الناس جميعاً من المعاناة دون التفكير في المكسب الشخصي، سواء كانوا فقراء أو أغنياء، صغاراً أم كباراً، صينيين أو أجانب، عليه أن يستجيب لآلام الآخرين دون النظر لسلامته الذاتية وأن يعالجهم دون الاهتمام بالبرد أو الجوع بالخوف أو التعب أو الحروب أو انتشار الأمراض، أو المآسي، هدفهم في هذا حب الخير التي تشكل محور الثقافة الكونفوشيوسية "حب الآخرين بدءاً من الأسرة وانتهاء بالعالم" فهو هنا يدمج بين حب الذات ووعيها وفهم الطبيعة الإنسانية كروح عميقة للنزعة الإنسانية.
وهذه النزعة إلى الخير كان لها التأثير الكبير على الطب التقليدي الصيني وأخلاقياتها.
ولعل ما نادى به كونفوشيوس يعتبر فلسفة هامة في الحياة العملية للإنسان وهو التوازن والتناغم أي دمج النظرية بالتطبيق.
كتاب كونفوشيوس "لونيوي، يا ويوي" يحتوي على الأسطورة التالية: بينما كان الإمبراطور الحكيم "ياو" على فراش الموت، سمى وزيره شون ليخلفه ونصح ياولشون بأن سر الحكومة المستقيمة هي السعي وراء التوازن والتناغم عند حل المشكلات، وعندما سلم شون لاحقاً، سلطته إلى خليفته يوي نقل له نفس النصيحة، وهذا يلخص مبدأ الوسطية فلكل ظاهرة يعتقد كونفوشيوس وجهين متعارضين يوجدان في حالة من التوازن النسبي عندما يتجاوز التوتر بين الجانبين حداً معيناً يضطرب هذا الاعتماد المتبادل مما يسفر عن ظواهر شديدة ربما عكس الوضع الأصلي، إن الهدف والوسيلة لمعالجة الأمور هما استعادة الحالة الأصلية للتوازن النسبي والحفاظ عليها، وهذا يحقق مبدأ الوسطية للتسوية بين الجانبين المتطرفين، هذه الوساطة يجب أن تؤدى بحياد وبروح من الاعتدال والتعاون ومن الضروري توظيف إجراءات لا تكون لينة للغاية ولا صارمة جداً، من أجل الحفاظ على النظام ومنع مزيد من النزاعات، إذن جوهر الوسطية هو مفهوم "تشونغمه" التوازن والتناغم والذي هو مفهوم أساسي للطبيعة وهذا أيضاً مبدأ أساسي للثقافة الصينية ورؤيتها الفلسفية وكان لهذا المفهوم تأثير عميق على الحضارة الروحية للشعب الصيني.
ومفهوم التوازن والتناغم موجود في كافة مبادئ الطب التقليدي الصيني في جميع مراحله وطرقه وعلاجاته، فلكي تعمل الوظائف الفسيولوجية المعقدة طبيعياً، ينبغي الحفاظ على توازن "يهويانغ" وإذا فقد هذا التوازن فإن الأمر يكون كفصول السنة الناقصة حيث وجود الربيع بدون الخريف أو وجود الشتاء بدون الصيف، وعندما يكون "ين ويانغ" في حالة تناغم وتوازن نسبي تعمل الوظائف الفسيولوجية بكامل طاقتها.
وهناك عوامل عديدة تضر بالعمل المتناغم لـ ين ويانغ، وتؤدي إلى المرض مثال:
التغير في الطقس، المشاعر الحادة، الإفراط في الطعام، التوازن غير الصحيح بين العمل والفراغ، وعندما يصبح "ين" مفرطاً، يتضاءل "يانغ" وهذا يؤدي إلى ظواهر مرضية مرتبطة بنقص يانغ.
وعلى العكس من ذلك عندما يصبح يانغ مفرطاً يتضاءل "ين" وهو ما يؤدي إلى ظواهر مرضية مرتبطة بنقص "ين" يكون يانغ حاراً وين بارداً ومن ثم تتسم ظواهر يانغ المفرط بالحمى بينما تتسم ظواهر ين المفرط بالبرد الشديد وتعرف حالة التنافر المرضي بين ين ويانغ أيضاً بأنها عدم تناغم ين ويانغ.
عدم توازن ين ويانغ هو الوصف الكامل للمرض، والذي هو فقدان التناغم النسبي بين ين ويانغ الناجم عن حالات الإفراط أو النقص وتقرر طرق العلاج حسب النوع المحدد من التنافر المرضي القائم ويكون الهدف هو إكمال النقص وتبديد الزيادة ومن ثم استعادة التوازن والتناغم لتفادي إتلاف "تشي" المفيد للجسم والذي يعني "الدم، السوائل" الطحال، المعدة، الكبد.. الخ".
وبعدها يوصف الدواء حسب المرض المحدد وحالة المريض من الأعشاب الطبية بعد تكييفها، إن الحفاظ على التوازن والتناغم يؤدي إلى الصحة وطول العمر.
وهذه وصفة طبية لكي تعيش طويلاً وبصحة جيدة كما ينادي بها القدماء الصينيين:
من الضروري أن تسافر وتستريح، تنام وتقرأ وتسمع الموسيقا، وكل ذلك باعتدال لا تكثر من الطعام أو الشراب، لا ينبغي أن تنغمس في شيء أو حزن أو قلق بإفراط، فقط اعتدل في كل تصرفاتك وسلوكك وانفعالاتك ليحصل التوازن والتناغم فتعمر طويلاً.
أما التناغم والاندماج "خهخه" فهو هدف طب الأعشاب، إذ يتكون الكون عند كونفوشيوس من عناصر لا حصر لها وعلى الرغم من التفسير السرمدي للعلاقة بين هذه العناصر، تكون الظواهر الطبيعية مستقرة بشكل عام وموجودة في حالة من التوازن النسبي تعرف باسم "خهخه" التناغم والاندماج ويعكس التماس التناغم والاندماج الاعتماد المتبادل لكل الظواهر المادية وغير المادية، حيث تجتمع العناصر المتنازعة لتجعل الشكل والوظيفة في أكمل صورة، وتكون هذه العملية خياراً حتمياً لاتصالات بين تلك الظواهر المتعددة الشكل والطبيعة.
وهذا ما أثر في الطب التقليدي الصيني إذ شمل وحدة الإنسان والطبيعة، ووحدة الهيئة والروح وتشمل المبادئ العلاجية ذات العلاقة، عندما يكون ين ويانغ في تناغم تعمل الوظائف البدنية والعقلية بشكل صحيح، ونظم بدقة ين ويانغ لتحافظ على التوازن.
تصنف مكونات تركيبات الأعشاب إلى أربع وظائف، المسيطرة والوكيلة والمساعدة والمندوبة وتكون الأدوار الوظيفية مشابهة للتقسيم الاجتماعي للعمل، فالمكونات المسيطرة تعالج الأعراض الرئيسية وهي تلعب الدور الرئيسي في علاج الأمراض والمكونات الوكيلة قد تساعد في السيطرة في علاج الأعراض الرئيسية، وللمكونات المساعدة ثلاث وظائف الأولى: أنها قد تساعد المسيطرة أو الوكيلة أو قد تعالج أعراضاً امتصاصية، ثانياً: أنها قد تزيل أو تخفف التأثيرات السامة أو الحادة للمسيطرة أو الوكيلة، الثالثة: أنها قد تساهم في التأثير في العلاج الشامل للتركيبة باستخدام المواد المتعارضة للمكونات المسيطرة.
كيف يحقق العلاج بالأعشاب التناغم والاندماج؟
الاعتبار الأساسي هو أن تجمع بين الأعشاب التي تكمل وتضيف إلى بعضها بعضاً، فإن أقل تنافر بين المكونات يجعل الدواء غير فعال ولذلك من الضروري تجنب المواد المتنافرة، وعند تركيب الأعشاب بالمكونات المتعارضة ينبغي استخدام العديد من الطرق لدمجها، فقد يمكن تحقيق التناغم بين هذه التركيبات بتعديل كمياتها النسبية أو تركيزها، أو إضافة أو حذف مكون ليكون عنصراً وسيطاً.
وأدوية الأعشاب الصينية تجمع تأثيرات عدد من الأعشاب المختلفة وتحقق التناغم بينها وتعدل للتخفيف من أي تأثيرات مفرطة أو غير كافية للوصول إلى دواء فعال.
ويؤكد كونفوشيوس بأن أهم غرائز عند الإنسان هما الطعام والجنس واللتان تضمنان بقاء الفرد وتناسل النوع، ولكن على الرغم من ضرورتهما لابد من التحكم بقوة فيهما، ويعتقد بأن المشاعر المنظمة والرغبة المكبوحة تحمي "تشي الجوهري" وهو قوة الحياة الأساسية، هذا الانضباط يتحقق بالانصياع لمبادئ لي "الطقوس" وهي أخلاقيات تحكم بين الأفراد في المجتمع.
وثمة ثلاثة أشياء يجب الحذر منها: في الشباب وحيث القوة البدنية يحذر الفرد من الشهوة، وعندما يكون كهلاً والقوة البدنية في نشاطها الكامل يحذر الفرد من المشاكسات وعندما يكون عجوزاً وقد خارت القوة البدنية يحذر الفرد من الاشتهاء، هذه المفاهيم كان لها تأثير كبير على الطب التقليدي الصيني حول الصحة وطول العمر.
إذن مادة "ين" هي المكون الأساسي التي تشكل الفرد وجسمه وتعزز النمو التطور وهي لب الحياة، توجد عند الولادة وتخزن في الكليتين، وهي مرتبطة بالوظائف الفسيولوجية.
عندما تكون وافرة ينشط الجسم والعقل وعندما تنفذ يحدث المرض والخلل ويعتبر النشاط الجنسي المفرط السبب الرئيسي لنفاد مادة ين، ولذلك يجب تنظيم النشاط الجنسي للحفاظ على الصحة والحيوية ولذلك ننادي بالاعتدال من خلال الانضباط الذاتي "لا إفراط ولا تفريط" من خلال التهذيب الروحي للذات، لأنه بالتالي يخلق شخصية أخلاقية صافية هادئة عند التعامل مع الآخرين، وهذا ما يعزر الصحة والعمر المديد.
فعندما تكون الرغبة منظمة يتم الحفاظ على الدوران المتناغم لتشي، ويتم الحفاظ على تغذية جينغ "الجوهر" وتشي "الطاقة" وشهد "الروح" لا تحدث من خلال ذلك الأمراض.
وإن العمل الخيري يأتي بالفضائل وطول العمر، واعتبرت الكونفوشيوسية بأن التهذيب الروحي والمحبة والتعامل بالخير والفضيلة هي أساس الصحة الجيدة.
فروع الطب التقليدي الصيني
الوخز بالإبر، دراسة النبض، طب الأعشاب، وعلى الطبيب أن يكون على معرفة شاملة وجيدة لهذه الفروع.
وحسب نظرية الكل فإن أي مرض يصيب قسماً في جسم الإنسان يؤثر على بقية الأعضاء مثال: حرقة الكبد يمكن أن تغزو القلب فتؤدي إلى الاضطراب وسرعة الغضب ويمكن أن تغزو الرئتين ولذلك نطبق نظرية فحص الخارج للوصول إلى الداخل وتحدد حالة كل جهاز بالجسم بفحص النبض واللسان والسمع والعين وملاحظة مظهر الجسم والمشية والوقفة وطرق التشخيص هذه تساعد في دراسة التغيرات في الأعضاء الداخلية.
وكلنا نعلم بأن الإنسان جزء هام في البيئة الطبيعية لأنه جزء من العالم المادي، وهو جزء من منظومة موحدة يجسد فيها كل جزء الكل وتحكمه ذات القوانين الطبيعية ولذلك يتأثر الناس حتماً بالتغيرات في كل من المجتمع والطبيعة مثال: تأثر الإنسان بفصول السنة وتعاقبها، الطقس وتغيراته من فصل لآخر، وتكيف الإنسان مع هذه التغيرات وعندما تكون هذه التغيرات كبيرة لا يستطيع الإنسان التأقلم معها يحدث المرض.
تأثر الفرد بالمنطقة الجغرافية التي يعيش فيها، جبل، سهل، وادي، بحر، كلها لها تأثير على جسم الإنسان، وهذه الأشياء كلها من زمان ومكان وظروف الفرد تؤثر على علاجه وتوفر للطبيب دراسة الحالة من الناحية النظرية ليتم من خلالها التشخيص لوضع العلاج.
وتعريف حالة المريض يتم بمرحلتين وهي 1- حالة المكان والخصائص المميزة والمظاهر الباثولوجية للحالة في كل مرحلة من تطورها "الفحص البحري، الشم، السمع، النبض، اللمس، رائحة المريض، صوته، النبضات العميقة والسطحية، البطن، الجلد، الأطراف".
مثال: إن الوظيفة الفسيولوجية الكاسدة أو عدم كفاية مادة ما لمواصلة النشاط الفسيولوجي قد يؤدي إلى حالة الفقدان أي النقص وهي حالة يمكن رؤيتها في الأمراض المزمنة والضعف الخلقي لبنية الجسم أو الخلل المكتسب وهذه الظروف تؤدي إلى نقص تشي المفيد الذي يظهر في شكل ضرر للجسم تسانغ وفود الدم تشي وين ويانغ.
أما الحالة المقابلة لحالة الفقدان فهي حالة التخمة التي تظهر على شكل تشي المفرط المسبب للمرض، في هذه الحالات يكون تشي المفيد ما زال قادراً على مقاومة تشي المسبب للمرض مثل البكتيريا والفيروسات وهي من مصدر خارجي.
وبعد تعريف الحالة يمكن وضع العلاج المناسب، ولكن الأفضل من ذلك في الطب التقليدي الصيني هو علاج المرض قبل وقوعه وهذا يشتمل ليس فقط على المبدأ الطبي الحديث ولكن الأهم هو الوقاية من المرض وتعزيز الصحة ومنع تطور المرض وعلاجه بسرعة قبل أن يتحول إلى أخطر.
ولعل هناك علاجاً أكثر أهمية وهو مبدأ الطب التقليدي الصيني وهو علاج الجذر والفرع ويعني في الحالات الحادة عالم الفروع وفي الحالات المعتدلة عالج الجذور.
الجذور والفروع وجهان متكاملان لكل واحد، والجذر والفرع ليسا ثابتين ومن الممكن أن يتحولا إلى بعضهما بعضاً ولهما دور في الممارسة الإكلينيكية، ويساعد في تحليل مرحلة أو ظاهرة فالأشياء المسببة للمرض هي الجذور والأعراض هي الفروع، فالمرحلة الأولية لمرض ما هي جذر.
والمرحلة المتقدمة فرع، والظواهر الأولية جذر، والتالية فرع، والتفريق بينهما في المرض يسهل عملية العلاج، ويكون علاج جذر المرض هو المهمة الأسمى، ولكن من الأفضل أن يكون هناك مرونة في العلاج لأننا قد نعالج الفرع أو الجذر أو الاثنين معاً حسب الحالة ومراحل تقدم المرض فيها.
ومن شروط الطب التقليدي الصيني عدم استخدام الأدوية الطبية إلا عند الضرورة وعندما يكون استخدامها طريقاً واحداً لا يوجد غيره.
وتقوية الجسم وبنيته عن طريق التكيف مع التغيرات البيئية ومقاومة هجوم العوامل الخارجية المسببة للمرض.
في حالات المرض والاضطراب ينصح باستخدام طرق العلاج البديلة مثل النظام الغذائي.
الرياضة أسلوب الحياة وفقاً للفصل من السنة، وتجنب المشاكل الناجمة عن تغير الطقس.
مثال: عندما يكون البرد شديداً نتيجة التعرض للمطر، رياح، برد، نبتعد عن الدواء الطبي وذلك بأخذ شرائح من الزنجبيل الخام تغلى في الماء مع سكر بني ويقدم السائل للمريض ليشربه.
ويوضع في الفراش للراحة ويلف بالغطاء ليفرز العرق وهنا يتحقق الهدف العلاجي بتبديد البرد، وأخيراً نقول بأن الطب التقليدي الصيني اكتسب قبولاً كبيراً وعالمياً لما له من مزايا فريدة في خدمة البشرية إذ ساعد في تطور الطب لما تناوله من نماذج وقضايا نفسية واجتماعية وبيئية ساهمت في تطور الحضارة وساعد في رفع نوعية الحياة والمستوى الصحي بشكل كبير ومتواصل.
المصدر : الباحثون العدد 42 كانون الأول 2010