لا ينفك حجم ووزن آلات التصوير الرقمية الحديثة يصغر يوماً بعد يوم، مما يجعل الحصول على صورة ذات استقرار جيد عند التقاط الصور يبدو أمراً صعباً. مما زاد هذه الاحتمالية هي استبدال المصوّب (فتحة معاينة المشهد المصوَّر) في آلات التصوير بشاشة عرض إلكترونية. هذا جيد من ناحية إذ يمكننا من معاينة المشهد بعيداً عن أعيننا ومن إمساك آلة التصوير بأطراف أصابعنا وأذرعنا ممدودة لآخرها أثناء التقاط الصور. ولكن في نفس الوقت هذا يزيد الأمر سوءاً إذ يصعب على المرء في هذا الوضع منع الآلة من الانحراف. يضاف إلى ذلك استخدام ميزات التقريب Zoom والتي تزداد قوة مع تقدم تكنولوجيا صناعة هذه الآلات مما يسمح بتصوير أماكن بعيدة شريطة المحافظة على آلة التصوير ثابتة ومستقرة. كل الأسباب السابقة تتطلب من مستخدم آلة التصوير أن يكون ذا قوام رياضي ومتماسك وقوي البنية لكي يستطيع الحصول على صور عالية الدقة ونقية.
إذاً، كيف نستطيع الاستفادة من هذه الآلات الحديثة للحصول على صور وفيديو لا يفسدهما ارتجاف يد المصور؟!
للتغلب على مشكلة ارتجاف اليدين أو الحركة أثناء التصوير يمكن استخدام آلية استقرار الصورة Image stabilizer. إن فكرة آلية استقرار الصورة ليست جديدة كلياً حيث توجد لها تقنيات عديدة. بعضها يلائم آلات تصوير الفيديو والبعض الآخر مخصص بشكل أكبر لآلات التقاط الصور.
آلية الاستقرار الميكانيكية
إن من أوائل الآليات التي استُخدمت للحفاظ على استقرار الصورة الملتقطة كانت ذات مبدأ ميكانيكي بحت (الشكل3). حيث كانت تتألف من صفيحتين رقيقتين شفافتين تحبسان سائلاً بينهما. تساعد سطوح منفاخية Bellows على تأمين إحكام وعدم تسرب السائل المحصور بين الصفيحتين الشفافتين كما هو موضح في الشكل3. يتم دمج هذه الآلية ضمن الكتلة التي تحوي العدسة المرئي من آلة التصوير (العدسة الشيئية)Objective. في حالة السكون، وبإهمال تأثير قوة الثقل، تبقى الصفيحتان الرقيقتان الشفافتان متوازيتين، مما يمكننا أن نشبه المجموعة (الصفيحتين والسائل) إلى صفيحة سميكة شفافة واحدة والتي تسمح للأشعة الضوئية بالمرور بدون معاناة أي انحراف عن مسارها.
إن أي اهتزاز تتعرض له المجموعة تحرض تسارعات جانبية وشاقولية مما يؤدي إلى دفع السائل المحصور بين الصفيحتين إلى الطرف المعاكس لجهة الحركة مما يسبب تغير شكل السطوح الشفافة التي تحصر السائل بينها مشكلة موشوراً Prism يسبب انحرافاً لحزمة الأشعة الضوئية المارة فيه. يتجلى أثر انحراف الأشعة المارة في المجموعة في إعادة الصورة إلى المركز بشكل آلي (أتوماتيكي).
بعد معايرة كمية السائل المحصور بين الصفيحتين الشفافتين ومرونة السطوح المنفاخية بشكل جيد ومثالي، ستتمكن الآلية من لعب دورها دون أن يحتاج إلى استهلاك أي طاقة خارجية، أو أي دارات إلكترونية مساعدة مرتبطة بها.
آلية الاستقرار الإلكترو- بصرية
لزيادة دقة استقرار الصورة، التفت مصنعو آلات التصوير إلى استخدام الدارات الإلكترونية لدعم الاستقرار البصريElectronic management of optical stabilization وأصبح تغيير مسار الضوء يتم بالاستعانة بعدسة مساعدة مرتبطة بمحركات كهربائية تقوم بتحريكها بشكل طفيف وفق محورين (أفقياً وعمودياً) لموازنة تحركات آلة التصوير مهما يكن اتجاهها. آليات ضبط استقرار الصورة الإلكترونية تستخدم لاقطاً يسمى قائس تسارع Accelerometerلتحدد اتجاه وشدة الاهتزازات بشكل متواصل. ترسل هذه المعلومات إلى معالج رقمي يحولها بدوره إلى أوامر ترسل إلى المحركات الكهربائية التي تقوم بتحريك العدسة المساعدة بالاتجاهات اللازمة للحفاظ على الصورة في المنطقة المطلوبة (انظر الشكل7- إلى اليسار).
آلية الاستقرار بواسطة اللواقط الرقمية
آليتا الاستقرار السابقتا الذكر، الميكانيكية والإلكترو- بصرية، تتطلبان استخدام عدة عناصر بصرية في كتلة العدسة المرئية من آلة التصوير، مما يمكن أن يصبح عائقاً في آلات التصوير التي يمكن فيها تغيير كتلة العدسة (انظر الشكل5) مثل الكاميرا العاكسة مثلاً Reflex Camera (وهي الكاميرات التي تستخدم مرايا متحركة لعكس المشهد المصور نفسه إلى المصوّب). هنا يجب أن تحتوي كل كتلة عدسات على آلية استقرار للصورة بداخلها وأن تدار إلكترونياً. ولتجاوز هذه المشكلة تمت الاستفادة من اختراع لواقط التصوير الرقميةDigital Image Sensors، حيث وجد العديد من صانعي آلات التصوير حلاً جيداً بتركيب اللاقط نفسه على آلية التحريك (الشكل7– في الوسط). وهنا أيضاً سيكون لدينا قائس تسارع لالتقاط الاهتزازات التي تتعرض لها آلة التصوير، ومعالج رقمي للتحكم بالمحركات الكهربائية والتي تحرّك بدورها اللاقط مباشرة وفق محورين. تمتلك هذه التكنولوجيا عدة محاسن، أولها أنها تمكننا من استخدام كتل عدسات تقليدية مصنعة مسبقاً لكاميرات أخرى، كون آلية ضبط الاستقرار لم تعد على صلة مع الكتلة نفسها بل بالكاميرا. ذلك يبدو جيداً لكل من يريد شراء كاميرا رقمية جديدة دون أن يتخلى عن مجموعة العدسات الباهظة الثمن التي يمتلكها.
آلية الاستقرار الرقمية
إن استخدام أجزاء بصرية مساعدة أو لواقط رقمية ومحركات كهربائية ترتكز على عناصر ميكانيكية دقيقة جعل كلفة إنتاج الآليات السابقة الذكر كبيرة، وبالتالي برز إلى الوجود نوع أحدث من هذه الآليات وأرخص بشكل أكبر إذ يرتكز بشكل كامل على علم الإلكترونيات وهو ما ندعوه غالباً بآلية الاستقرار الرقمية Digital stabilizer. يعتمد مبدأ هذه الآلية على استخدام جزء من سطح اللاقط الفعّال من أجل التقاط الصورة واستخدام الهوامش المتبقية من هذا السطح لتحريك الصورة افتراضياً عليه .
في الواقع، يتلقى المعالج، كما في الحالات السابقة، معلومات الحركة من قائس التسارع الصغير وبدلاً من التحكم بآلية الاستقرار الإلكتروميكانيكية، يُطلـَب من الدارة الإلكترونية التي تتحكم بلاقط الصورة إعادة ضبط إطار الصورة بما يتناسب مع الاهتزازات الملتقطة. إن المنطقة الفعّالة من اللاقط يمكن أن تتحرك من اليمين إلى اليسار ومن الأعلى إلى الأسفل لتتابع الجسم الهدف في الصورة وذلك بحسب تتابع الاهتزازات التي تتعرض لها الآلة.
لآلية الاستقرار هذه إمكانيات محدودة، إذ لا تكون الصورة مستقرة بشكل حقيقي على اللاقط وحتى لو تم الحصول على نقاء ظاهري بواسطة إعادة تأطير صنعي للصورة، فلن يستطيع النظام إزالة الضبابية الناتجة عن الحركة بشكل كامل. وهذا يفسر استخدام هذه التقنية للحصول على استقرار للصورة بشكل أساسي في كاميرات تصوير الفيديو وبشكل محدود على آلات التصوير العاكسة. ففي كاميرات الفيديو، لا تكون الدقة عالية عادة ليصبح فيها أثر ضبابية الصورة مزعجاً بشكل حقيقي، بينما يقوم النظام بتصحيح عملية ارتجاج الصورة والتي تكون متعبة وغير جيدة.
على كل حال، فالحصول على ضبابية في الصورة ليس سيئاً دائماً حيث يمكن أن نستغله لإضفاء ديناميكية على الصورة الملتقطة. تتمتع أغلب آلات التصوير الحالية في الأسواق على برامج مسبقة الضبط لاستيعاب الحركات السريعة أو تصوير الرياضيين وذلك كله بهدف الحصول على معالجة أمثلية لهدف الصورة الملتقطة.
ختاماً، تمتلك كل طريقة عدة صفات تجعلها مناسبة لنوع معين من آلات التصوير أكثر من غيرها حسب متطلبات الآلة. فمن أجل آلات التصوير العاكسة، وبالتالي كتلة عدسات مرئية قابلة للتغيير، فإن استخدام لاقط قابل للحركة هو أفضل الحلول كما يبدو لنا. أما في آلات التصوير متوسطة الحجم والتي تكون فيها كتلة العدسات المرئية ثابتة ويمكن أن تكون مزودة بآلية تقريب Zoom من 10 إلى 12 مرة، سيكون استخدام آلية استقرار تعتمد على عدسة مساعدة حلاً مثالياً. وأخيراً بالنسبة لآلات تصوير الفيديو، فاستخدام الاستقرار الرقمي يمكن أن يضمن مستويات استقرار مُرضية من أجل كلفة منخفضة.
المصادر:
- LA RECHERCHE – N°412
- Microsoft Encarta 2009, Collection DVD
- Larousse Encyclopedia 2010
المصدر : الباحثون العدد 59 أيـــــــار 2012