تأخرت سورية في إصدار الصحف، مع أنها كانت أول بلد عربي عرف المطبعة وكان ذلك في حلب عام 1702م، ومع ذلك لم تعرف سورية الصحافة إلا في سنة 1865.. وهنا نستكمل الحديث عن الصحافة الهزلية الساخرة في دمشق الذي كنا بدأناه في المقالة السابقة..
16- المصارع:
صدرت في عهد المفوض السامي الفرنسي سراي، وكانت هزلية مفرطة، وكانت تصل في كثير من الأحيان إلى الإسفاف في نقدها، وذكر هاشم عثمان في تاريخ الصحافة السورية (عيّن سراي مفوضاً سامياً في 2/1/1925 في عهد رئيس الدولة صبحي بركات الخالدي الذي أصدر القرار رقم 69 في 15/4/1925، والذي ينص على أن لرئيس دولة سورية أن يأمر بناء على اقتراح وزير الداخلية بتعطيل أو عدم إدخال كل جريدة أو نشرة تنشر مقالاً أو أخباراً من شأنها تهييج الرأي العام، أو إهانة رئيس دولة سورية أو أعضاء الحكومة، وكذلك الموظفين الملكيين والعسكريين في كل دوائر الدولة، هذا القرار فرض سطوته على الصحافة، ولكن سراي لم يطل مكوثه في سورية، حيث هرب إلى بيروت بعد المعارك التي اندلعت ضد المستعمر الفرنسي، وانتهى عمله في سورية بتاريخ 1/11/1925).
17- الخازوق:
أصدرها في دمشق محمد بسيم مراد في 2/8/1928، وفي بعض المصادر 1926، وكانت هزلية انتقادية أدبية مصورة، وجاءت بأربع صفحات، وقد بيّن صاحبها في عددها الأول أن لا شأن لـه في الأحزاب ولا شأن لها به وأن الوطن فوق الجميع، وقد عمرت طويلاً حيث استمرت في الصدور حتى عام 1941 يوم خوزقتها السلطات الفرنسية.
لكن صاحبها أتبعها بصحيفة جديدة باسم الأخبار وبرقم 2474 والسنة 21، حيث رتبها على تسلسل الخازوق في سنتها وعددها، ثم أصدر صحيفة ثالثة باسم المداعب وكانت هزلية، وقد جعلها امتداداً لما قبلها، ولعل استمرارية الخازوق طويلاً لأنها كانت في عهد المفوض السامي الفرنسي في سورية (بونسو) حيث يعتبر عهده العهد الذهبي للصحافة، ففيه ازدهرت الصحافة ازدهاراً لا مثيل لـه، حيث عرفت 34 مجلة و26 صحيفة، وكان بونسو استلم مكان دجوفنيل في 13/10/1926، وهو الذي عيّن قاضي دمشق تاج الدين الحسني رئيساً لمجلس الوزراء بدلاً من الداماد أحمد نامي، كما كلفه بتشكيل حكومة مؤقتة.
18- الحوت:
صحيفة هزلية انتقادية أخلاقية مصورة، أصدرها فريد سلام على شكل مجلة صغيرة في 16 صفحة عام 1926، وكتب فوق عنوانها (الوطن فوق كل شيء) واستمر في صدورها عشر سنوات لغاية 1936 حيث أصدر صاحبها بعدها مجلة الضياء وكانت بحجم أكبر، وعرّفها بأنها جريدة عربية جامعة مصورة.
19- السهام:
جريدة أسبوعية أدبية ساخرة ناقدة، أصدرها في دمشق محيي الدين البديوي في ست صفحات، صدر العدد الأول منها في 10/10/1927.
20- المضحك المبكي:
من أهم المجلات الساخرة الدمشقية، صدرت في عهد المندوب السامي الفرنسي بونسو، أسسها حبيب كحالة بدمشق سنة 1929، واستمرت إلى سنة 1966 حيث توقفت نهائياً، كانت لهجتها عامية في تعليقاتها السياسية الحادة، وقد تعرضت كغيرها للتوقف والمساءلة عدة مرات من السلطات الفرنسية وحكومات البلد بعد الاستقلال.
استعملت المضحك المبكي الرسم الكاريكاتيري للتعبير الهزلي لما يحدث في جهاز الدولة من خطأ وانحراف، كتبت مرة تخاطب المسيو بيرار الحاكم الفرنسي على سورية (... حتى نفهم على أي خازوق بدنا نصفي..)
ومن المعروف أن عددها الأول لم يحمل تاريخاً...؟
وقد عُرفت المضحك المبكي من بين خيرة الصحف والمجلات التي عرفتها سورية في تلك المرحلة، فهي لا تقل أهمية عن مجلة الحديث وجريدة القبس وجريدة الأيام، وقد قال هاشم عثمان في تاريخ الصحافة السورية (هذه المجلة تعتبر بحق رائدة المجلات الساخرة الكاريكاتورية التي عرفتها الصحافة العربية في تاريخها).
وقد جاء في عددها الأول (... وبعد فهذا شكل جديد من الصحف قد سبقنا إليه أكثر البلاد العربية، فهو سهل مفيد ترتاح إليه النفس، وتلذ به المطالعة، فقد سئم القراء الجديات، فضلاً عن أن الطبيعة البشرية تميل إلى الهزليات والمضحكات، وقد شعر المجددون أنه كما يحتاج الطعام إلى تفلفل وتعصفر ومقبلات لتقوى الشهوة إليه ويسهل هضمه، لاسيما عند أصحاب المعدة الضعيفة، هكذا الصحف، لاسيما السياسيّة منها، فإنها تحتاج إلى تفلفل وتعصفر يجعل قراءتها لذيذة، فيلتهمها القارئ بشهية قوية جداً، لاسيما إذا كان من ذوي المعد الضعيفة أيضاً، هذا فضلاً عن أن قراءة الهزل يزيل الهم ويشرح الصدر... فبناء عليه رأينا أن نسد هذا الفراغ في الصحافة السورية، فأصدرنا هذه الجريدة بهذا الشكل لنقدر أن نصل في تنظيمها إلى مستوى الصحف الراقية، لاسيما وأن الصحف مرآة صافية تعكس عليها درجة مستوى الأمم واستعدادها الطبيعي، ولكي نقوم بهذه المهمة أحسن قيام قد اتفقنا مع خيرة الرسامين المشهورين في المدينة، كما أننا اتفقنا أيضاً مع أشهر الكتاب الهزليين ليكتب كل بما يختص به.. أما خطتنا فإننا نعاهد القراء على أن تكون صريحة صادقة ولو أغضبت البعض.. فنحن نسعى إلى أن نخاف الله في صراحتنا وأما عبيد الله فإذا غضبوا ونحن نقول الحقيقة فليشربوا البحر..)
ولصراحتها الجدية الزائدة طالتها يد التعطيل عدة مرات، ثم توقفت مدة طويلة، عادت من بعدها للصدور في آخر شهر آب 1962، لكنها لم تعش طويلاً.
أوقات تعطيلها:
تعطلت المضحك المبكي في 27/3/1945 لمدة شهر واحد عقوبة لها لأنها تمادت في سخريتها، كما تعطلت في 12/11/1945، كذلك تعطلت في 7/9/1946 لمدة شهر واحد فقط، وقد أعيد ترخيصها في دمشق على شكل صحيفة أدبية هزلية في 23/8/1962، وبمرسوم رقم 2498 وباسم جورج كحالة، لكنها توقفت نهائياً سنة 1966.
21- الناقد:
صدرت بدمشق في 6 أيار 1930، وهي ناقدة أدبية على شكل مجلة، تصدر مرة في الأسبوع، وكانت سياستها النقد النزيه لسائر الحوادث والوقائع، والتعليق عليها بلغة رصينة، تحفظ اللغة العربية من التبذل الذي انحطت إليه كثيرات من الصحف.
22- عصا الجنة:
جريدة سياسية ساخرة أصدرها نشأة التغلبي عام 1947، ليروض بها الحكومات ويجعلها مستقيمة، فيقول في عددها الأول: عصا الجنة... التي روضت بها الحكومات وسيطرت عليها وعلى مقدراتها ومصائرها، ولهذا السبب بالذات اخترنا اسم عصا الجنة.. وأردناها ساخرة، لا للترفيه والتسلية، وإنما لأن الإصلاح الساخر خير من الإصلاح المتجهم، فقد قيل: (إن الشعب الذي لا يضحك وهو يعمل.. هو شعب لا يعيش).
وقد توقفت في 7/10/1948، وألغي التوقيف عام 1949، ثم ألغيت في عهد حسني الزعيم بمرسوم تشريعي رقم 2 والصادر في 2/4/1949 وعُوضت وقتها بمبلغ وقدره 5000 ليرة.
في 2 حزيران 1950 أعاد إصدارها عثمان شحرور، وكان محررها طلعت تغلبي، وفي 29/7/1951 صار صاحبها وجيه البزرة، لكنها في 21 آب 1958 غُربلت كغيرها وخوزقت.
23- دمشق:
صدرت في عهد الانقلاب الثاني الذي قام به محمد سامي حلمي الحناوي في 14/آب/1949 حيث طاح بعهد حسني الزعيم الذي لم يبق أكثر من 4 أشهر و14 يوماً، وبعهده صدر قانون الصحافة رقم 53 مع تعديلاته، وصدر القرار رقم 8 في 2 حزيران 1951 المتضمن قائمة بأسماء الصحف اليومية والمطبوعات الدورية، وقد صدرت في هذا العهد عدة صحف ومجلات منها الكلب.
24- الكلب:
جريدة نقَّادة هزلية ساخرة، عالجت المواضيع بقالب شعري ساخر، يسمى الشعر الحلمنتيشي عند المصريين، أسسها صدقي إسماعيل المولود في لواء الإسكندرونة 1924 والمتوفى 1972، فعندما كان صدقي إسماعيل يدرس الفلسفة في جامعة دمشق، كان يحرر بخط يده صحيفة ساخرة نقّادة أطلق عليها مؤقتاً الجسر وفاءً منه لحارة الجسر الأبيض بدمشق والتي كان يسكن فيها، ثم استقر بعد ذلك على إطلاق اسم (الكلب) عليها، امتداداً للمدرسة الفلسفية الإغريقية القديمة، مدرسة أنتِستانِس وديوجانيس، كما أنه أطلق عليها هذا الاسم قبيل المجاز.
كانت تصدر بنسخة وحيدة بقلم رئيس التحرير صدقي إسماعيل، وبعض أعدادها كان يصور على آلة السحب ويوزع، ولكن قراءها لم يكونوا كثيرين، وإن كان قسم منها وصل إلى الجزائر إلاّ أن أكثر المثقفين السوريين لم يكونوا على علم بها، ومع ذلك فقد ظن البعض أنها صحيفة كغيرها من الصحف التي تباع في المكتبات، وكان نائب رئيس التحرير صديقه الشاعر الكبير سليمان العيسى، يساعده في كتابتها وصنع مادتها، كما كان الشاعر أحمد إبراهيم عبد الله مدرس التاريخ في ثانويات اللاذقية مراسلاً للجريدة، وكان شاعراً ساخراً نقاداً ذا شخصية جذابة، لكن غالب شعره لم ينشر لاستحالة نشر هذا النوع من النقد الساخر.
تبلورت صيغة جريدة الكلب في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، وللعدد الأول تاريخ هجري فقط، وهو عام 1370 للهجرة ، ولعل تاريخ 1950 ميلادي يوافق هذا التاريخ.
صدر منها 108 أعداد وكلها مخطوطة في الافتتاحية حتى حالة الطقس، لكنها ضاعت بعد وفاته، فعندما عزمت الجهات الرسمية على جمع تراث صدقي إسماعيل لم تحصل إلاّ على 15 عدداً من الجريدة كانت محفوظة عند زوجته، فطبعتها الإدارة السياسية عام 1983 في كتاب بعنوان (جريدة الكلب).
وكانت أعدادها تصدر في أوقات متباعدة، وآخر عدد صدر منها 1972 عند وفاة صاحبها، ومما كتب في عددها الأول 1370هـ.
جريدة نكتبها بالشعر
تصدر في الأسبوع أو في الشهر
تعالج الأمور باتزان
وتخدم الجميع بالمجان
نخطها في البيت أو في المقهى
في نسخة وحيدة فاقرأها
واحرص على أعدادها المقروءة
فالشام لا تسوى بدون الغوطة
والأعداد الـ 15 التي جُمعت في كتاب (جريدة الكلب) هي (1- 12- 15- 18- 44- 45- 63- 69- 93- 94- 103- 104- 106 - وعددان لم يحملا أي رقم).. وجاء في عددها (63) في 30/6/1965:
جريدة شعرية الأغراض
وليس فيها أي سطر فاضي
شعارها متانة القوافي
وحفظكم من وصمة الإسفاف
في الشعر والفن وفي السياسة
من دونها سوف تضيع الطاسة
وجاء في العدد (69) في شهر شباط سنة 1967:
جريدة تصلح للصدور
بالشعر في مختلف العصور
شعارها السامي وفاء الكلب
لا للعظام، إنما للصحب
للشعر.. بالقافية العريقة
رغم انقراض هذه الطريقة
شعر لا وزن ولا قوافي
كمن يسير عارياً أو حافي
وقد كنا أشرنا إلى أن صاحبها كان قد أصدرها باسم (الجسر) وفاء منه لحارة الجسر الأبيض بدمشق التي كان يسكن فيها، فقد جاء في افتتاحية العدد في 29/10/1956 قوله:
وفاء لحارتنا قد دعونا
جريدتنا باسمها فاعلموا
وكان اسمها الكلب من قبل ذالك
ولكن مغزاه لا يفهم
أليس الصحافة رمز النباح
وإن الكلاب به أقدم
تعيش على العظم من جوعها
ولكنها ليس تسترهم
وللكلب مأثرة إنه
بسيط وبالمال لا يلجم
وقد كتب في العدد (63) الصادر في دمشق بتاريخ 30/6/1965 عن باب حوادث المدينة:
سرقة:
لصان من أهل السوق
هاجما البنك الصناعي
حملا الخزانة وهي فارغة
وليس لذاك داعي
حادث سيارة:
وسيارة طحشت مخزناً
يبيع الكنادر للسيدات
وما كان سائقها غير بنت
مهذبة من بنات الذوات
وقد سئلت كيف كان الصدام
فقالت: هوايتي الواجهات
اعتداء:
شيخ من الريف لـه هيئة
تدل عفوياً على الفقر
أمام قصر العدل شاهدته
مشرشحاً كالعدد الكسري
هاجم شرطياً على غرة
فاقتيد للسجن على الفور
واستجوبوه قال قصدي بأن
أروي على الضيعة ما يجري
أحكي لهم أني على رغمهم
دخلت في يوم إلى قصر
ونختم حديثنا عن جريدة الكلب بنموذج يعد أسلوباً خاصاً بصدقي إسماعيل، الذي يسخر فيه من كل شيء.. من المبادئ كما يحذرنا فيه من التفكير ومن قول الحقيقة، كما يدعونا فيه إلى المبالغة وإلقاء الكلام على عواهنة، كما يرى فيه أن العناد والعُري للإنسان أفضل..
فقد كتب في جريدته في عدد آذار لعام 1957 أبياتاً من الشعر الحلمنتيشي.. ومنها قوله:
أوصيكَ لا تتسرع
وبكل شيء فاقنع
واحذر من التفكير
فالتفكير ليس بأنجع
وقل الكلام على عوا
هنه وبالغ وادَّع
وبالغ من ذكر الحـ
ـقيقة فالجماعة لا تعي
ويتابع قائلاً:
الجحش شيمته العِنادُ
ألا ترى هذا معي؟
وأرى العِنادَ فضيلةً
في عصرنا المتميع
فالعُرْيُ للإنسان أفـ
ـضلُ من طِلاء البُرقُع
المصادر والمراجع:
1- تاريخ الصحافة العربية
الفيكونت فيليب دي طرازي، ط 1 بيروت 1914.
2- الصحافة تاريخاً وتطوراً وفناً ومسؤولية، بشير العوف، ط 1، 1987 المكتب الإسلامي بيروت.
3- الصحافة السورية ماضيها وحاضرها 1877 1970، هاشم عثمان، ط 1، وزارة الثقافة بدمشق 1997.
4- تاريخ صحافة اللاذقية، هاشم عثمان، ط1 وزارة الثقافة بدمشق 2002.
5- أعداد من مجلة المضحك المبكي.
6- مدونة الصحافة العربية، ط2 من الإنماء العربي، بيروت 1985، إعداد د. يوسف خوري، تحرير علي ذو الفقار شاكر.
7- معجم الجرائد السورية د. مهيار الملوحي.
8- الصحافة العربية المعاصرة وآفاقها الثقافية بين النقد والتوثيق، ياسر الفهد ط1، 1980 مطبعة الإنشاء دمشق.
9- تاريخ الصحافة في الجزائر، الزبير سيف الإسلام ط2، 1985 الجزائر.-
10- صحيفة الدومري.. عدة أعداد.
11- صحيفة الدبور.. عدة أعداد.
12- بقعة ضوء
عدة أعداد.
13- مجلة الأمل العدد الأول صيف 2008، ملف عن جريدة الكلب (18- 112).
المصدر : الباحثون العدد 59 أيـــــــار 2012