يرى السومريون, أن الخصب ليس خاصة في التربة نفسها, ولكنه قوة كونية, جرى تجسيدها في آلهة أنثى هي «إنانا» (بعد ذلك في عشتار البابلية أو عنّاة الكنعانية).
ولما كانت خصوبة الأرض والمرأة هي محور الإنسان في هذا العالم, فإن «إنانا» كانت قوة أساسية في هذا الكون, ومحركاً فعالاً وحيوياً لأحداثه... العذراء لقبها, والعذرية جوهرها ورغم أنها ترمز للجنس والحب والخصب, تبقى عذريتها رمز إخصابها الأبدي..
لقد كانت (إنانا - عشتار) أهم الآلهة منزلة في مجمع الآلهة (السومرية - الأكادية), وهي من أغنى الشخصيات الأسطورية في المشرق العربي القديم, لأنها تأخذ شخصيات وصفات كثيرة متباينة, ولها عدد كبير من الظهورات المحلية الخاصة بالمدن والمعابد مثل: إنانا أوروك, وعشتار نينوى, وعشتار نوزي, وعشتار أكاد...
يُكتب اسم «إنانا» بالخط المسماري بنفس الشعار الذي يُرمز إليها وهو (حزمة القصب المعقوف طرفها العلوي), وهذا الشعار مدّون على أقدم الرُقم المسمارية من عصر أوروك منذ بداية الألف الثالث قبل الميلاد, ويأتي ترتيبها الثالث في قوائم أسماء الآلهة من مدينة (فارا) في بلاد مابين النهرين, بعد (آن وإنليل), ثم تأتي الآلهة (انكي) وإله القمر, وإله الشمس.
الأسطورة القادمة من «أوروك» تجعل من «إنانا» ابنة لإله السماء «آن», بينما تجعلها أساطير أخرى ابنة لإله القمر «نانا» وإله الشمس السومري «أوتو» أخاً لها إلى جانبها.
وقد تميّزت «إنانا» بثلاث خصال أو مفاهيم وهي:
- ربة الحب والجنس.
- ربة الحرب والغزو.
- ممثلة كوكب الزهرة السماوي.
ونستخلص من الروايات والأساطير القديمة أن (إنانا - عشتار) كانت تستقطب بمفاتنها أنظار الرجال, ومن عشاقها في المقام الأول (دوموزي - تموز), كما تظهر طباع الآلهة الحربية القتالية في شخصيتها خلال كل العصور, ويسميها «حمورابي» في مقدمة شريعته (سيدة الكفاح والمعارك) وتحتل مكانها في مجلس الآلهة كإلهة حرب ذات شخصية مستقلة, لذلك تمجدها الأناشيد السومرية والأكادية كإلهة حرب من الطراز الأول, ونراها مصوَّرة على المنحوتات تقود الأسرى تحت أقدام الملك المنتصر... وتلازم صفتها الحربية صفتها الأخرى كنجمة للسماء (الزهرة), حيث كانت تُعرّف نفسها أمام حارس بوابة العالم السفلي بالكلمات التالية: «أنا إنانا من مشرق الشمس» لذلك كانت تصوّر على المنحوتات وأشعة الشمس تظهر خلف ظهرها.
المصدر : الباحثون العدد 60 حزيران 2012