كثيرة هي الأبحاث والدراسات والمؤلفات التي نشرت عن الأمثال العربية, وطبيعتها وأهدافها الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والتراثية, وقد احتلت الأمثال الشامية العاميّة مكانة مهمة في التراث الشعبي العربي, نظراً لغناها وتنوعّها وطرافتها وترسخها في الوجدان الشعبي وفي ثقافة الأمة وعراقتها, وقد كان للباحثين منير كيال, ومحمد رمضان ومحمود مفلح البكر, ونصر الدين البحرة, وخير الدين شمسي باشا, والدكتور محمد رضوان الداية وغيرهم دراسات ومؤلفات جيدة رصدت المثل الشعبي الشامي بشكل من خلال لهجته وعلاقته باللغة العربية الأم, وجمع الأمثال والتعليق عليها, وعقد مقارنات ومقاربات مع الأمثال الشعبية في الدول العربية..
وأعتقد من خلال العودة إلى مجمل ما كتب عن الأمثال الشعبية, أن مجلّد الدكتور محمد رضوان الداية الذي يحمل عنوان «معجم الأمثال العامية الشعبية» الصادر حديثاً عن دار الفكر بدمشق, ويقع في /1152/ صفحة من القطع الكبير, ويرى فيه مؤلفه «أعلى متع الحياة» فقد جمع تحت هذا العنوان عبارات وأمثال وأقوال ومأثورات فيها الحكمة التي نسمعها فنعتقد أن وراءها خبرة طويلة, وتجربة عميقة, وفيها القول الذي صدر عن صاحبه أول مرّة ليصف شيئاً فيه, أو أمراً جرى له, فهو ابن الحياة وصدى أحداثها, وفيها الجملة التي تعبّر عن موقف, أو تلخّص حادثة, وفيها التعبير الذي يصف أحوالاً, مما يتكرر على مرّ الزمان..
ويدخل في الأمثال عبارة النقد اللاهبة, ولقطات السخرية اللاذعة, والأمثال الشعبية العامية الشامية, فيها ما هو ثابت باق على حاله, كما وصل إلينا من سجلات الذاكرة العربية في العهود الماضية, وفيها ما يرّتد إلى العصور السحيقة, ومن هذه الأمثال ما تغلغل في الوجدان الشعبي من الكتب الدينية المقدسة, ومنها ما هو موصول بالتراث الشعبي العربي المتوارث من عصور الجاهلية وقبل ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) وقد بقي على حاله كما قيل لأول مرة, وبين هذه الأمثال الشعبية حال الناس فعندما تكون أحوالهم جيدة, ودولتهم قوية, نرى الأمثال تعبّر عن هذه الحال, وعندما تضعف الأمة في الاقتصاد والسياسة والثقافة نرى هذه الأمثال تتغير وتتبدل..
وقد قام الدكتور محمد رضوان الداية في «معجمه» برصد الأمثال الشعبية الشامية المتطورة عن الأمثال العربية القديمة, والتي انتقلت إليها من بيئة إلى بيئة, فأهل الشام مثلاً يُكثرون من ضرب المثل بعنترة «عامل عنتر» و «الفرس من الفارس» و «لا ناقتي ولا جملي» و «ولا في العير ولا في البعير» ونجد في هذه الأمثال وغيرها امتدادات واضحة لحياة العرب والمسلمين في بيئاتهم المختلفة «البدوية والحضرية» ومعاني القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف, وما نقل إلينا من أمثال الأمم المجاورة, أو ترجمت وتداخلت في الموروث الشعبي الشامي, العريق بعاداته وآدابه وقواعده الحياتية التي توارثتها الأجيال عبر قرون زمنية عديدة..
لقد كان للأمثال الأثر الكبير في حياة العرب وأحوالهم من سائر الأمم يقول المستشرق الألماني «زولهايم» في كتابه «الأمثال العربية القديمة»: «لم تترك الأمثال أثراً في حياة أي شعب من الشعوب, كما هو الحال عند العرب» وأهل الشام لم يبدعوا فحسب منذ عصور قديمة, في جمع أمثالهم وحكمهم, بل زينوا بها آدابهم وأقوالهم وجلساتهم بلهجتهم المحببة إلى القلوب, وكان منطلق ذلك الإيمان بقول الشاعر:
ما أنت إلا مثل سائر يعرفه الجاهل والخابر
ولعل عبيد بن شرية الجرهمي الذي استقدمه الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان من مدينة الرقة إلى دمشق ليقص عليه قصص الأولين كان أول من صنف في الأمثال نحو خمسين ورقة, ثم عقبه الشرقي بن القطامي, وهو شامي الأصل, وكان مؤدباً للخليفة العباسي المهدي, ثم خلف هذا, أبو عمر بن العلاء, ثم المفضّل الصبّي, الذي اهتم بأمثال القصص والأساطير, ثم الأصمعي والأنصاري, وأبو عبيد القاسم بن سلام الذي كان والياً على قضاء طرطوس على الساحل السوري, الذي جمع في كتابه «الأمثال» أمثال من سبقوه, وبوبه تبويباً بحسب موضوع المثل, ويعد كتابه بحق أقدم مرجع للأمثال المكتوبة, وأحسنها صحة ودقة.
ثم أتى الجاحظ, فوضع كتاباً عن الأمثال لم يصلنا, وروى في كتابه (الحيوان) نيفاً وثلاثمئة مثل, لم يذكرها غيره ممن جمعوا الأمثال قبله, كما نثر في كتبه الأخرى كثيراً من الأمثال.. ثم جاء حمزة الأصفهاني, فنحا نحواً جديداً في تأليف كتب الأمثال, ويعد كتابه «الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة» في المرتبة الثانية بعد كتاب أبي عبيد, وبعده ألّف أبو هلال العسكري, كتابه «جمهرة الأمثال» وضمّنه أمثال «الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة» للأصفهاني, وفي القرن الخامس الهجري ألّف الزمخشري كتابه «المستقصى في أمثال العرب», ونافسه في فعله الميداني في كتابه «مجمع الأمثال» وهو أوسع كتب الأمثال وأكثرها عدداً.. وتتالت الدراسات التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا, وهذا يدل على مدى تأثير المثل في حياة الناس في سائر أنحاء وطننا العربي.
نعود إلى الأمثال العامية الشامية, ومعجمها التي وضعها صديقنا الدكتور محمد رضوان الداية, وبما أننا في أشهر الصيف, نتوقف عند أشهر أمثال شهر آب: (آب اللهّاب) الذي قالوا فيه: «آب اللهّاب طبّاخ التين والعناب» و «آب اللهّاب بيحمّي المسمار بالباب» و «أول الحرّ بآب وبآخره الجو عاب», وفي أمثال المناسبات يقول بعضهم: «يوم التجلّي بيقول للصيف وليّ» ويقع هذا الموسم في 6آب (أغسطس).
وفي الأمثال الشامية يقولون: «آب وأيلول شهور الخرس» وسميّا الخرس لأن الرياح فيهما تهدأ (لا تعصف كأنها خرساء), وينادي الباعة في شهر آب (أغسطس) على المشمش الحموي: «آخر أياّمك ياحموي» وفي أحيان تجري العبارة مجرى التورية: «أكلة والوداع» و «آخر العنقود» وهي كناية عن أصغر الأولاد وآخرهم في الأسرة والفتى والفتاة المشبّه بآخر العنقود له مكانة خاصة, و«مصبوب له بالزايد رزّه» كما يقولون في عباراتهم..
وتقول العبارة في المنافسة والتحدي وتوقع النتائج الطيبة منذ ابتداءات الأمور «الآخرة يافاخرة» فالمهم أن يكون النجاح والفلاح ثابتاً في المراحل الأخيرة من الدراسة والمنافسة وما يحتكم فيه..
الطرفة دائماً لها دورها في الأمثال الشامية, وتحضرني هنا مثال «أكل جحش» التي تضرب في الجاهل الذي يتفاصح.. فقد قالوا: إن أحدهم, وكان فيه شيء من الغفلة – ألحّ على طبيب ليعلّمه فن الطب, فصرفه أكثر من مرة, وهو يلحّ عليه فقال له يوماً: انظر في ما يرميه أهل المريض من بقايا الطعام أو قشور الفواكه والخضراوات, وقل لهم: سبب مرض مريضكم أنه أكل كذا وكذا, فيصدقونك وتأخذ أجرك.. ذهب هذا السائل الملحاح مرّة إلى مريض ونظر في الشارع, وفي حاوية البقايا من الأشياء فلم يجد شيئاً, ولما دخل الدار وجد جلالاً لحمار ملقى في الدهليز, ولا حمار فيه, ففهم شيئاً, ولما أدخلوه على المريض قال لهم: سبب مرضه أنه «أكل جحش»! فذهبت عبارته مثلاً..
في أكثر الأحيان, يؤخذ المثل الشامي من التجربة والحياة اليومية, فعلى سبيل المثال: «ابن الحرام لا تدفشه بيوقع لحاله» ويقال في الصبر على المؤذي, فإن عاقبته ستكون وخيمة حتماً, فلا توقع نفسك في ورطة عاجلة معه و «ابن الحرام من فعله بيبان» ومعنى البيان يظهر, و «ابن الحلال عند ذكره بيبان» ويقال في عكس ابن الحرام ويكنّى بابن الحلال عن الذي يجمع صفات الخير, ويحسن المعاملة مع الناس..
و «ابن صنّة صار له رنة» ويقال على أصله عند غلاء البصل والثوم أو قلتهما, ويضرب على سبيل التورّية, حين يراد به ارتفاع من لم يكن له شأن يذكر, وعلوّ أحواله..
ويستعمل أهل الشام كلمة (أب) أو «أبو فلان» في كلامهم وأمثالهم على وجوه كثيرة, ترد مفردة, وترد مضافة, وتدور أمثالهم وكناياتهم وعباراتهم الكثيرة, وللأب مكانة في الأسرة, فهو الذي يجني ويتعب, وهو الذي يربي ويعلّم, وهو الذي يختار للابن صنعته أو يوجهّه إليها, وهو الذي يحدد متى يحين وقت خطبته وزواجه, ويستمر نفوذه الأدبي في حياته, ومن هنا كانت الأسرة الشامية متآلفة متضامنة, زعيمها الأب: «يللّي ماله أب بياكله الكلب» و «من شابه أباه فما ظلم» و «أبو فلان» عبارة تكنّى بها العرب.. وأهل الشام - عموماً – كما يقول الدكتور رضوان الداية, في معجمه, يسرعون إلى تكنية أبنائهم بما يحبون من الكنى, ويتعجلون ذلك من طفولتهم, خشية أن يكنيهّم أصحابهم وهم أطفال أو كبار, بكنى قبيحة , فتذهب بين الناس ويصعب إبطالها, ويكثر عندهم أن يكنّى الولد البكر باسم أبيه, وفي عباراتهم إذا احتدّ الموقف «لا أبوك ولا أبو الشيطان» وهي دعوى إلى فضّ أي مسألة بالحُسنى, فلا نريد أن نصل إلى الشتائم, ويفضل فض أي نزاع بالسلم والهدوء, ويتدخل أولاد الحلال من الأهل والجيران فـ «الحكاية ما بتستاهل» و «صلوا عالنبي يا جماعة», وكثيراً ما ينفّض النزاع دون أن يصل إلى شيخ الحارة أو المختار أو المحكمة..
والشامي دائماً يحسب حساب الجار: «احسب حساب جارك, أخيك, إن ما شاف وشّك, شاف قفاك» والوش: هو الوجه, والقفا, قفا الرأس, ويراد به مراعاة الجار والتودد إليه, والإحسان في معاملته, وذكروا الوجه والقفا لمعنى أنه يرى منك ما لا يرى غيرك, ويعرف عنك ما لا يعرفون, فيقولون في عباراتهم الدارجة «وشّه بوشك».
وفي آداب المجالس, يقولون أشياء كثيرة «ادخل يا مبارك بحمارك» و «سكتنا له دخل بحماره» و «إذا ابتليت بالشحادة, عليك بالباب العالي» أي أن يطرق الشحاد باب الأغنياء وأهل المال, حتى يكسب الكسب المناسب.. و «إذا ابنك حمار شغّليه حداد, وإذا ابنك فهمان شغّليه نجّار» وكلمة «حمار» هنا, تقال لمن لا يرغب في العلم, ويتمتع بقوة بدنية ملائمة, واختاروا صنعة التجارة للفهيم, لأنها تحتاج إلى فن وذوق ومقايسات ودقة وروح وابتكار.. وقالوا في أمثالهم أيضاً «حمار ونجاّر ما بيصير»,
وفي حال الخوف وشدة السطوة يقولون: «إذا احتجت للكلب قل له: يا حاج كلب» وقولهم له يا حاج كلب توقيراً, لأن لقب الحاج في ذاته لقب كريم, لكن المتكلم يجرب أن يسبغ عليه صفة شريفة وهو حقير, وصفة حميدة وهو ذميم..
ويلخص المثل قصة مروية في الشام «إذا جّن قومك, عقلك ما بينفعك» فقد قيل: إن عراّفاً أعلن للملك أن مطراً عجيباً سيهطل على البلاد كلّها، وأن من يشرب من ذلك الماء سيجّن، قالوا: فأمر الملك فجمع من الماء المعافى قدراً كبيراً، فلما نزل المطر الموصوف لم يشرب الملك وحاشيته إلا من ذلك المجموع، ولما تمكّن الماء الجديد من الناس، وغيّر أوصافهم، انقطع التواصل بين الملك، والحاشية وبين الناس، فقال الوزير للملك، لنشرب من ماء المطر، فقال الملك، وتقبل الجنون؟ فقال الوزير عبارته التي ذهبت مثلاً: «إذا جنّ قومك عقلك ما بينفعك» ويضرب المثل في الأخذ برأي الجماعة، و «إذا صاحبك عسل لا تلحسه كلّه» ويقال في عدم الإكثار على صاحب أو صديق أو رجل مهم يلبّي لك ما تطلب وفي الرفق في كل أمر فيه مطمع أو وراءه مغنم، وفي أمثالهم: «لا تكّثر على أمك وأبوك بيكرهوك» ولكن «إذا صّح لك لبن الضرف اغرف غرف» أي إذا أتيح لك لبن جيد قادم من البادية أو الغوطة، اغتنم الفرصة فهذا لبن ممتاز لا يفوّت فرصة الحصول عليه، ولكن «إذا فاتك الضاني عليك بالحمّصاني» فالبقول تغني عن اللحوم، «وإذا فاتك اللحم عليك بالمرقة» أما «إذا كان طباخنا جعيص فقد شبعنا مرقة»، فجعيص ليس طباخاً ماهراً، لذلك لن نأكل طعاماً طيباً، ولن نحسوَ مرقاً لذيذاً، ويقال في الرجل الذي يتولى منصباً أو مهمة لا يكون أهلاً لها، وفي مجمع الأمثال: «من كان طباخه أبو جعران ما عسى أن تكون الألوان» والمقصود «أنواع» الطعام..
أما «إذا وجعك رأسك أكرمه، وإذا وجعك بطنك احرمه» وفي هذا المثل نتاج من الطب الشعبي في الشام، فوجع الرأس «الصداع» لا يجوز أن يستهان به، ولابد له من الراحة ومن العلاج إن لزم، ووجع البطن غالباً ما يكون من سوء طعام أو تخمة و ما شابه، فأول علاجه الحمية وفي الحميّة حرمان.
وتبرز في الأمثال الشامية شدة مراعاة الناس ومسايرتهم واللين معهم..
وتجسّد ذلك مثل: أعطه جمله «حيث يروى أن رجلاً ادّعى عند معاوية بن أبي سفيان أن له جملاً فحلاً شرد عنه ودخل في جمال لابنه يزيد، فأحضر معاوية يزيد وسأله عن دعوى الرجل، فقال: لقد دخلت ناقة صغيرة وهي بالباب فقال الرجل بل هو جمل فحل فقال: معاوية ليزيد «أعطه جمله»، وكرر يزيد أنها ناقة صغيرة، فأعاد معاوية: (أعطه جمله) فاختار الرجل الفحل الذي يريد ومضى فذهبت كلمة معاوية (أعطه جمله) مثلاً سائراً على مسايرة الناس ومداراتهم واللين لهم والتغاضي عن أشياء كثيرة منهم، ولا تزال العبارة حيّة في كلامهم، رطبة على ألسنتهم.
أما إذا وقع الأمر بين يدي من لا يرد الأمانة، ولا يدفع ثمن ما أخذه فيقال له: «اقرأ عليه الفاتحة» و أصل المثل في قراءة الفاتحة على الميّت، شبه الضائع أو المفقود، فالميت لا رجعة له إلى الدنيا.. وهذا فصل النصابين الذين «أكلوا أكلاتنا وضحكوا على عقلاتنا» في عالم المشاريع والتجارة شطارة ونكران المعروف، حيث «أكل الهدّية وكسر الزبدية» فمن عادات أهل الشام أن يردّ المهدى إليه الوعاء الذي قُدم له فيه شيء كالحلوى وغيرها، وفيه شيء من الضيافة، من باب تبادل الهدايا، أو يرد الوعاء ارتقاباً ليوم يكون عنده ما يرد به..
أما التجارة في الشام فلها نصيبها من أمثالها، فقد عُرفت هذه البلاد منذ عصور ما قبل التاريخ بدورها التجاري وموقعها الاستراتيجي على طريق الحرير، ومهارة أهلها بالتجارة: «التجارة أمارة ولو كانت بحجارة» و «التاجر بتجره، والفلاح ببذره» والمقصود أن أمور التاجر تجري على أحوالها اليومية حتى يوفق إلى «تجرة» فيصبح تاجراً كبيراً، وكذا الفلاح تسمو حاله بموسم رابح واحد، ويقال في تهيؤ الظروف الملائمة التي ترقى بالإنسان، وتصلح أحواله.
ويحتل رقم ثلاثة مكانة مهمة في الأمثال الشامية فيقولون «الثالثة ثابتة» وهم يتفاءلون في المرّة الثالثة، بعد إخفاقين، ومرّة ثابتة أي ناجحة، محققة المقاصد، و «ثلاثة تذهب الحزن: الماء والخضرة والوجه الحسن» و «ثلاثة بيطولوا الأعمار: الدار الوسيعة، والدابّة السريعة، والمرأة المطيعة» و «ثلاثة تمنع عن طلب المعالي: قصور الهمّة، وقلّة الحيلة، وضعف الرأي» و «ثلاثة ما فيهم شماتة: الفقر والمرض والممات» و «ثلاثة مالهم أمان: البحر والسلّطان والزمان» و «ثلاثة ما منهم ثمرة: الميراث، والقمار ومصاري المرا» و ثلاثة من فرد حاره: القُفة والسريجة والحمارة» ويقال هذا المثل في المتقاربين في المشارب، المتقاربين في الطباع، أو العادات، والذين يصدر عن عاداتهم ما يستهجن».
ونختتم حديث الأمثال الشامية المختصر بمثل «الخازوق وأوتاده للّي بيفرّق ماله بحياة عينه على أولادهُ» الذي يقال تحذيراً لمن يفرّق الإرث على أولاده في حياة الأب والأم، وترويه القصة التالية: أن رجلاً أدركه الكبر، وكان غنياً محبوباً فقال ما أصنع بهذا المال وهو لأولادي، بعد موتي، فوزعه عليهم كلهم ولما لم يبق معه شيء، زهدوا به و أساؤوا إليه وأهملوه، فتألم واشتدت حسرته، ثم مضى واشترى خازوقاً وأوتاداً وجعلها في صرّة كصّرة المال، وجاء بها وهم يرونه حتى وضعها في الصندوق الحديدي، وأقفل عليه، وجعل يخلو بأبنائه كل على انفراد ويقول له: هذا المخبوء لك، ومفتاح الصندوق تحت وسادتي تأخذه بعد موتي، وهكذا صاروا فجأة يتفانون في خدمته والعناية به، ولما مات، إذا بهم كلهم يجتمعون عند وسادته ويدعي كل واحد أن الصندوق له، وأن أباه وعده به وحده، حتى قام الخلاف بينهم وتنازعوا، ثم اتفقوا على اقتسام ما فيه بالسّوية، وعندما فتحوا الصندوق وفكّوا الصّرة، وجدوا الخازوق والأوتاد والورقة مكتوباً عليها هذا المثل.
المصادر والمراجع:
معجم الأمثال العامية الشامية، تأليف: الدكتور محمد رضوان الداية، إصدار دار الفكر بدمشق، الطبعة الأولى 2005م.
معجم الأمثال العربية، تأليف: خير الدين شمسي باشا- إصدار مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى 1423ه/2002م.
الأمثال الشامية، تأليف: منير كيال. إصدار خاص، دمشق 2005م.
أضواء من الذاكرة القديمة، تأليف: د. علي القيّم – إصدار وزارة الثقافة السورية – دمشق عام 1983م.
المصدر : الباحثون العدد 62 آب 2012