تتواجد الأحياء الدقيقة في كل مكان على وجه الأرض، في الماء، والهواء، والتربة. وهي على عكس الفكرة السائدة بأنها ضارة بالإنسان وخاصة بعد انتشار فيروسات الإنفلونزا ذاك الانتشار الواسع والذي أثار الكثير من الهلع. إذ إن لتلك الكائنات المجهرية أيضاً فوائد للإنسان سواء في جسمه أو مجال الصناعات الغذائية وغيرها من الاختصاصات.
إنَّ العلم الذي يدرس هذه الكائنات الدقيقة يدعى علم الأحياء الدقيقة (Microbiology) والذي يعرّف بأنه علم يهتم بدراسة الأحياء المجهرية (microorganisms). وتسمى هذه الأحياء – أحياناً – بالميكروبات (Microbes). وتضم هذه الأحياء كلاً من الطحالب (Algae) والبكتيريا (Bacteria)، والفطريات (Fungi)، والأوليّات (Protozoa)، والفيروسات (Viruses)، والإشنيات (ِArchaea).
يقوم بعض العلماء الذين يُسَمّون بعلماء الأحياء الدقيقة الزراعيين بدراسة تأثير الأحياء الدقيقة على النبات، والتربة، وفي تلف المنتجات الزراعية.
أولاً – الطحالب (Algae)
الطحالب كائنات حيّة بسيطة تعيش في المحيطات والأنهار والبرك والتربة الرطبة. ومن أنواع الطحالب التي يستخدمها الإنسان في الغذاء ما يلي:
الطحالب البنيّة: تدعى بعض أنواع هذه الطحالب عشب البحر. يستخرج من عشب البحر مادة صمغية تدعى الألجين تستخدم في صناعة المثلجات والميونيز ومواد التجميل.
الطحالب الخضراء: يجري بعض العلماء تجاربهم على الطحالب الخضراء النامية لاستخدامها كغذاء.
الطحالب الحمراء: في اليابان يأكل الناس طحالب حمراء تسمى (نوري) وتباع عادة مجففة.
( الشكل 1): بعض أنواع الطحالب المنتشرة في الطبيعة.
ثانياً – البكتيريا (Bacteria)
البكتيريا كائنات حيّة مجهرية تتألف من خلية واحدة، لها قدرة كبيرة على التكاثر وتتضاعف أعدادها بسرعة. لها عدة أشكال منها الحلزوني والكروي والعصويّة. تعتبر البكتيريا من أصغر الكائنات الحية، إذ يتراوح قطرها (0,03 – 2) ميكرون، لذلك فهي لا ترى إلا بالمجهر.
يصنف بعض العلماء البكتيريا على أنها نبات، ويعتقد بعضهم الآخر بأنها ليست نباتاً ولا حيواناً، بل يصنفها هؤلاء العلماء على أنّها من المونيرا (الفرطيسيات). معظم البكتيريا غير ضار بالإنسان، ولكن بعضها تسبب أمراضاً.
أوضح العالم الفرنسي لويس باستور في نهاية القرن التاسع العشر أن البكتيريا تتسبب في تغييرات كيميائية في المواد الغذائية مثل تحمُّض الحليب أو تحول الخمر إلى خل. كما تعرّف باستور على الأنواع البكتيرية المسببة لهذه التغيرات وذكر بأنها المسؤولة عن بعض أنواع التخمر. كما أنها تساهم في صنع المشروبات الكحولية والجبن والعديد من الأطعمة الأخرى.
كما تستخرج من بعض أنواع البكتيريا أدوية تدعى المضادات الحيوية (Antibiotic) التي تساهم في قتل وإضعاف أنواع أخرى من البكتيريا المسببة للأمراض عند البشر. ومن هذه المضادات الحيوية نذكر:
الستربتوميسين:
هو مضاد حيوي يهاجم بكتيريا معينة مسببة للأمراض وهو ينتج عن 
بكتيريا تعيش في التربة تدعى (Streptococcus).
فوائد البكتيريا في الصناعات الغذائية:
تساهم البكتيريا في صناعة المواد الغذائية التالية:
الخل: هو سائل حمضي يستخدم لتتبيل الأطعمة وحفظها. ينتج الخل بتفاعل الخميرة مع البكتيريا في المنتجات الزراعية كالفواكه والحبوب والعسل والدبس. يباع الخل للاستخدام المنزلي أو لمصنعي الأغذية للأغراض التجارية. وهو يستخدم بشكل رئيسي كمادة منكِّهة خصوصاً في السلطة والخضروات واللحوم. ويستخدم الخل أيضاً لحفظ الفواكه والخضروات والأطعمة الأخرى.
الجريش: هو حليب منخفض الدهن ذو طعم مميز. يصنع هذا الجريش من إضافة بكتيريا منتجة للحمض إلى الحليب المبستر والمنزوع القشدة والمفتقر إلى دهن الحليب، يترك الحليب ليتخمر، حتى يكتسب الطعم المرغوب فيه.
القشدة الحامضة: وهي قشدة طرية وثابتة وذات طعم مميز تحتوي على 18% من دهن الحليب. وتصنّع بإضافة البكتيريا المنتجة للحمض إلى القشدة، فتحولها إلى قشدة حامضيّة، ثم تُبرَّد بعد الوصول إلى الطعم المرغوب. كما تُصنّع بإضافة الحمض والنكهة مباشرة إلى القشدة.
الكوميس: هو مشروب مُخمَّر يصنّع من حليب الخيل أو النياق، وينتج الكوميس أصلاً في بعض بلدان آسيا الوسطى. ويُصنّع بإضافة بكتيريا وخمائر إلى الحليب الطازج مما يؤدي لتخميره.
السماد الأخضر: يشمل محاصيل معينة يستخدمها المزارعون سماداً.
إذ توجد بكتيريا عقدية على جذور النباتات البقولية كالفول والفصّة والبرسيم والفاصولياء. تزرع هذه المحاصيل، ثم تُحرث وتقلّب في الأرض وهي صغيرة، وبهذا يرجع النيتروجين (الآزوت) إلى التربة أثناء تحلل النباتات وتستفيد منه النباتات الأخرى.
البكتيريا الملوثة للغذاء:
سنتكلم عن بعض أنواع البكتيريا المنتقلة للإنسان عن طريق تلوث الغذاء بهذه البكتيريا، ومنها:
بكتيريا السالمونيلا (Salmonella):
هي بكتيريا تسبب تسمم الطعام مما يؤدي لحدوث التهاب عند الإنسان. ويصاب الناس بتسمم السالمونيلا عن طريق تناول الطعام أو الماء الملوث بهذه الأنواع من البكتيريا. ويعتبر الدجاج واللبن والبيض ومستخرجات البيض من الأطعمة التي تحمل في أغلب الأحيان هذه البكتيريا، كما تلوث السالمونيلا اللحوم والخضار القريبة من سطح الأرض كالفريز. ومن أعراض الإصابة بهذه البكتيريا التقيؤ والغثيان وآلام البطن والحمى.
للوقاية من السالمونيلا ينصح بمايلي:
حفظ الطعام بعد إعداده في الثلاجة مباشرة.
الطبخ الجيد للدواجن والأطعمة الأخرى التي تحمل البكتيريا.
غسل اليدين قبل طهي الطعام وقبل تناوله.
بكتيريا اللسترية:
هي بكتيريا شائعة تعيش في اليابسة والماء. وتحمل حيوانات المزرعة هذه البكتيريا في أمعائها دون أن تصاب بداء (الليستروز) إلا أن لحومها ومنتجات ألبانها تصبح ملوثة. وتتلوث الخضروات بهذه البكتيريا بعد تخصيبها بسماد عضوي من مخلفات حيوان حامل لهذه البكتيريا. وتحافظ اللسترية على حياتها داخل الثلاجات حيث تعمل على تلويث بقايا الأطعمة المطبوخة. ولا يقضي على اللسترية سوى الحرارة والطبخ الجيد.
التسمم البوتيوليني (Botulism):
يحدث بسبب سموم (توكسينات) تنتجها بكتيريا Clostridium botulinum، ويحدث هذا التسمم من أكل طعام غير مطهو بشكل جيد يحوي على (التوكسين). كما يمكن أن يحدث التسمم البوتيوليني من تلوث جرح ما بهذه البكتيريا. تتواجد هذه البكتيريا في التربة لأنها غير هوائية. كما أن أبواغها مقاومة للحرارة تتواجد في الأغذية المعلبة، وهي تبقى على قيد الحياة إذا لم يطبخ الطعام على حرارة 120 درجة مئوية (248 فهرنهايت) لمدة زمنية كافية.
بكتيريا (Bacillus):
تُلوِّث الأغذية المعلبة مسببة فساد حامضي مسطح. يكون المظهر الخارجي للعبوة طبيعياً. وهي بكتيريا غير هوائية تقوم بتحويل السكريات إلى أحماض. ولا يحدث هذا النوع من الفساد في الأغذية الحامضية.
ثالثاً – الفطريات (Fungi)
وهي كائنات تخلو من اليخضور (الكلوروفيل)، لذا فهي لا تستطيع تصنيع غذائها، ولكنها بدلاً من ذلك تمتص الغذاء من البيئة المحيطة بها. تتسبب بعض أنواع الفطور بأضرار كبيرة، ومن الفطريات الضارة بالغذاء نذكر:
فطر (Aspergillus):
يسبب أحد أنواعه وهو (A.niger) عفن الخبز الأسود، وهو عفن شائع بكثرة، إذ يغطي العفن خلال عشرة أيام سطح قطعة الخبز (الرطبة خاصة).
الفطريات الطفيلية (التفحم ):
تسبب هذه الفطريات خسائر كبيرة في العديد من المحاصيل كالذرة والقمح (صدأ ساق القمح) وغيرها من النباتات.
فطر عش الغراب:
تعتبر بعض أنواعه سامة، ومن الممكن أن تسبب عند أكلها أمراضاً خطيرة أو الموت.
فطر السليروتينيا:
أحد أنواع الفطريات الضارة، تسبب ذبول الكثير من خضروات الحدائق.
فطر (Penicillium ):
يسبب بعض أنواع هذا الفطر إتلاف ثمار الموالح، كما تفسد أنواع أخرى منه الفواكه والعصير. ولكن في عام 1928م استطاع العالم الإنكليزي (الكسندر فلمنج) استخلاص مادة البنسلين من هذا الفطر بعد معالجته بطرق مختلفة. والبنسلين مضاد حيوي يستخدم في علاج الأخماج التي تسببها البكتيريا. وهو أول مضاد حيوي استخدم لعلاج الأمراض الخطرة في الإنسان مثل مرض الفُطار الشعاعي.
إن قسمي الفطور الهامّين في فساد الطعام هما الخمائر والعفن. أما العفن فهو فطور متعددة الخلايا تتكاثر بواسطة إنتاج الأبواغ (خلايا وحيدة الخلايا يمكنها أن تنمو في الفطور الناضجة). والأبواغ تتكوّن بأعداد كبيرة وهي تنتقل بسهولة بواسطة الهواء، أحد هذه الأبواغ تسقط على الطعام المكشوف عندئذ ٍ يمكنها أن تنمو وتتكاثر إذا كانت الظروف مناسبة. أما الخمائر سنتكلم عنها بشيء من التفصيل لما لها من أهمية في الصناعات الغذائية بشكل سلبي أو إيجابي.
الخمائر:
هي فطور وحيدة الخلية (أكبر بكثير من خلايا البكتيريا). والخمائر تتكاثر بواسطة الانقسام الخلوي أو بالتبرعم. تقوم الخمائر بتخمير الفواكه بواسطة تحطيم السكريات لإعطاء الكحول وثاني أكسيد الكربون.
تعتبر بعض الخمائر نافعة (حقيقيّة) في الصناعات الغذائية مثل:
خميرة البيرة: تستخدم في صناعة البيرة والخبز.
خميرة النبيذ: تستخدم في صناعة النبيذ.
خميرة سيدر التفاح: تستخدم في صناعة مشروب كحولي خفيف من
التفاح.
أما الخمائر الضارة (الكاذبة) بالصناعات الغذائية نذكر منها:
خميرة عصير الفاكهة: تُكسب عصير الفاكهة عند تخمره مظهراً عكراً وطعماً مرّاً.
خميرة الميكودرما: تنمو على سطح السوائل المتخمرة وتسبب فساد البيرة والنبيذ والخل والمخلالات.
خميرة التريولا: هي لاهوائية لذلك تنمو في قعر السوائل المتخمرة مكونة مادة لزجة تتميز بشكلها المستطيل وضعف قدرتها التخمرية.
خميرة الابيكولاتيس: تنمو على السطح العصير المتخمر مكونة مواد سامة للخمائر الحقيقية النافعة.
رابعاً – الفيروسات (viruses)
الفيروس كائن مجهري يعيش داخل خلية كائن حي آخر. ورغم صغر حجمه (أصغر من البكتيريا بكثير) إلا أنه سبب رئيسي من أسباب المرض. يمكن للفيروسات إصابة جميع أنواع النباتات مسببة لها أمراضاً عديدة، مما يؤدي إلى التلف الشديد للمحاصيل. وبسبب أن جدران الخلايا النباتية قوي وصلب لا تستطيع الفيروسات دخول الخلايا النباتية إلا عن طريق الحشرات التي تتغذى بالنباتات وبالتالي تساعد في اختراق جدران الخلايا. كما أن الفيروسات النباتية قد تهاجم ورقة نباتية واحدة أو عدة أوراق أو جميع أجزاء النبات مما يؤدي لتكوّن عدد هائل من الفيروسات تعدّ بالبلايين تُحْمَل بواسطة تيارات الهواء أو الحشرات إلى نباتات أخرى. ومن الأمراض الفيروسية النباتية مرض التبغ الفسيفسائي.
نصائح عامة لحفظ الغذاء
إنّ عملية التبريد هامة لحفظ البيض واللحوم والخضار والفواكه على درجات حرارة تتراوح بين (0- 10) مْ.
استعمال التجميد لحفظ عصير الفاكهة واللحوم والأسماك والأغذية الجاهزة على درجات حرارة تتراوح بين – 10مْ إلى - 18مْ.
الغلي الجيد (أكثر من 100مْ) للألبان ومنتجاتها بهدف القضاء على جميع الكائنات الحية الدقيقة وإتلاف كافة الأنزيمات فيها.
تناول الطعام الطازج بدلاً من تناول الطعام المحفوظ قدر الإمكان لأنه أكثر قيمة غذائية ويحتفظ بالنكهة والطعم المرغوب.
الابتعاد عن تناول أي طعام اعتراه تغير في الطعم أو النكهة أو القوام.
التأكد من خلو المعلبات الغذائية من الهواء لأن التفريغ الهوائي يحفظ الغذاء لمدة أطول.
(الشكل11): خلوّ العبوات الغذائية من الهواء يساعد في حفظها
- المراجع:
- 1- ENCYCLOPEDIA BRITANNICA
2008 ULTIMATE DVD.
Microsoft Encarta 2009 Premium. 2-
3- كتاب (الصناعات الغذائية) – وزارة الزراعة السورية –
مديرية التأهيل والتدريب – تأليف: م. هيسم مسعود وم. هيثم يازجي.
الموسوعة العربية العالمية – النسخة الإلكترونية – عام 2004م.
م. شوكت مصطفى المصطفى
المصدر : الباحثون 32 - شباط 2010