لحظة حب أبدية الأديبة غادة السمان - عبد اللطيف الأرناؤوط
مسكونة بالحب في شتى ألوانه ومظاهره، بريقه يجذبها دائماً إلى دائرة الذوبان فيه، حتى أكره الأشياء التي اصطلح الناس على أنها منفرة تثير التشاؤم كالبوم تحتل زاوية أثيرة من قلبها، لعل غادة السمان هي الكاتبة الوحيدة التي لم تعانِ عقد الانطواء والتقوقع على الذات، ظلت طوال حياتها، وعبر قلمها الذي لم ينقطع عن الكتابة، جناحين مفتوحين للريح، يستهويها كل ما حولها فتنسى ذاتها في ذوات الآخرين وتكونات الكون والطبيعة والإنسان، عقدتها الوحيدة حردها أو ألمها حين تحاول الحياة أن تسلبها حبها أو تضع أمامه قيوداً، ها هنا تنتفض غادة السمان فتحزن وتندد وترفض، تُرى أي طاقة وفرها الحب لقلبها حتى استطاع أن ينضج من أعماقه كل هذه الأعمال الأدبية دون أن يجف؟
من هنا يبدو اهتمامها بما كتب الآخرون عن الحب تجمعه طاقة من الزهر لتقدمه لقرائها في مطلع كتابها (الأبدية لحظة حب) وتجعله منطلقاً لجولة رحيبة في عالم الحب والمحبة لا يعفيها فيها كثيراً أن تفلسف الحب، بل تقدمه تجربة ومعاناة وشعوراً عميقاً نحو البشر والأشياء والأرض وما عليها، وكأن قلبها يتسع أو يريد أن يتسع الكون كله.
لنتأمل ملياً أقوال الأدباء والمفكرين التي صدرت بها مجموعتها:
يقول رسول حمزاتوف: "القلب لا يعرف قانوناً" وهذا مبدأ آمنت به غادة حتى العبادة، فكثيراً ما يتصارع الجوادان اللذان يقودان عربتها، القلب والعقل، ولكنها دائماً تغلب الجواد الأول وتسلمه قيادة مركبتها، ولو لامها الناس، يساء إليها فتصفح، ويتنكر لها الوطن الأم فتسامح وتحن عليه متحاملة على جراحها، ويخون الحبيب فتسوّغ خيانته بأن القلب لا قانون له، ويتغلب حبها على رغبة الانتقام منه، وتبكي "لبنان" بحرقة القلب وهي تراه يتمزق وتنقطع شواجر أرحامه، وتحب المدن والمرافئ التي احتضنتها في رحلة تشردها وكأنها قطعة من وطنها.
وتورد قولها لشامغور: "في الحب كل شيء حقيقي، وكل شيء وهمي" وغادة من أقدر كتابنا على إعطاء الحب لوناً من الواقع ومن الخيال، حتى معطفها يشاركها الألم والحزن بعد رحيل الحبيب.
هذا المعطف، معطفي المسكين
كيف يتهدل على مشجبه خاوياً
كجسد فارقته الحياة
مرة، ضممته بين ذراعيك تحت المطر
فامتلأ بامرأة عاشقة
وتحرك بأشواقها واكتنازها وتأججها
وصار حياً
واليوم، وقد مضيت
أراه في تلك الأمسية الحزينة
بائساً ومتدلياً في الخواء
مثل مشنوق نسوا دفنه
وما زال معلقاً على أبواب الليل الطويل
وتذكر قولاً للكاتب مارسيل بروست هو "الحب كالنار لا يحيا إلا في حالة تأجج نشك بالحبيب دونما مسوّغ ونصدقه إذا نفى دونما مبرر".
ولدى غادة في رسائلها وخواطرها ما يثبت هذه الحقيقة، فقلبها يبدو كقلب طفل سريع التصديق، والرفض، والحرد:
أحببت حبنا لأنه معطوب
يسعل كمصاب بالسل لكنه يثابر على التدخين
و"يحرن" كحمير الباعة المتجولين، ويشاكس متأكداً
ويتهكم كذاكرة عجوز متقاعد
وينهر كرخام القبور في ظلمة الليل
ويتوهج كالكذب الصادق
ويتقلب كالطقس الأوروبي
وينهار كالمجرد غير التليد
أحببت حبنا لأنه على صورتنا:
مكابر وصادق وهزيل..!!
وتنطلق من قول مادلين دي سكوديري بأن "الحب مخلوق مزاجي يطالب بكل شيء ويرضى بأتفه شيء" فتقول غادة:
حبك يشبه العودة إلى الطفولة
من جديد تتحول علب الكبريت الفارغة إلى قطارات
وتبدو الفراشة فوق الوردة لغزاً ذهبياً
ويعود قوس القزح دروباً معبدة
بالبرتقالي والبنفسجي
والأزرق والأصفر
في السماء..
ويذكر بول فاليري بأن "من المستحيل أن تعرف ما تحبه حقاً في الحبيب، لأن الحب موجّه صوب المجهول منه" وتعبر غادة عن هذه الحقيقة فتقول:
لعلي أحببتك لأنك الغموض
لأنني لا أعرف من أنت
بل أعرف من ليس أنت
ويذهب الكاتب أوفيد إلى أن "الأنانية صفة تلهب الحب، من تريد إطالة عمر الحب، عليها إساءة معاملة الحبيب" ولدى "غادة" ما يشبه هذه الفكرة تقول:
حبك ككرة القدم
لا أحتفظ به إلا إذا ركلته بعيداً..!
وتقول أيضاً:
أي أحمق لا يستسلم لحبه
بدلاً من الانكباب على دراسته علمياً وموضوعياً
بعد تشريحه في المختبر
أغطي شفتيك بأصابعي
كي لا تحاول أن تفسر أو تبرر
كي نقبل الأشياء على علاّتها
كي نحب علاتها
كي أحب طاقتك المذهلة
على خداع الذات
والصدق مع الشعر في آن
كي تحب غدري الوقح
وقدرتي على النسيان
وترضى بحبي الوعر
بين المرأة والرجل
وهكذا تخصص "غادة" للحب بين الرجل والمرأة أكثر خاطراتها، فالحب في نظرها تجربة قاسية تهزّ كيان الإنسان في الأعماق، فقد سقط آدم بسبب تفاحة أغرته بها حواء، أما نيوتن فمنحه سقوط التفاحة البصيرة، لأن قلبه كان مشغولاً بحب العلم، ووليام تل برهن عن قدرته على التصويب فشطر التفاحة بسهم بعد أن وضعها فوق رأس ولده، أما الحبيبان فلا يهمهما كيف يأكلان التفاحة، بل كيف ينجوان من افتراسها: قد يهربان من أسنان الحب الطاحنة، لكنهما يواجهان أسنان تفاحة أقطع وهي الندم، فيا لتفاحة الحب التي:
"نموت إذا التهمناها، ونموت إلا لم نلتهمها، ونموت إذا التهمتنا..!!"
الحب عند "غادة السمان" هو المعادل الموضوعي للحياة، يغسل الأحزان، ويفتح للعاشق باب السعادة، ويمنح الوجود مسوّغاته:
في اليوم الأول
مرت بي الأرملة على ضفة السين
وهي تنتحب غارقة في السواد
في اليوم الثاني
مرت بي الأرملة على ضفة السين
وهي تبتسم غارقة في السواد
في الثوم الثالث
مرت بي الأرملة على ضفة السين
وهي تقهقه مع بحار
وترتدي الفراشات والأزهار
تهامست العصافير عليها يا للزمن.. يا للمراكب..
تهامست الأشرعة يا للمطر العذب فوق القلب
هذا العرض اللطيف في قالب القصة القصيرة جداً، يذكرنا بكتابات "بريخت"، وتبرهن "غادة" من خلاله أن الحب والزمن قرينان، فهو الحب لدى "غادة" لا يتحقق إلا بالحرية، فهو يكره القيود والمضايقات ويتنفس هواء الحرية، حرية الحبيب والمحبوب.. وإلا كان الحب مصادرة:
سأروي لك حكاية امرأة
حاولوا قص أجنحتها
ونزفت في الظلمة سراً
ومن يومها تعلمت التحليق مثلك
ومن يومها صار الفضاء سجنها
والحرية منفاها..
الحرية في الحب مطلوبة للرجل والمرأة على حد سواء:
تريد مني أن أكتب لك رسائل الحب..!
تريد أن ألتصق بزمنك التصاق طابع البريد بالمغلف؟
إليك هذه الرسالة المختزنة:
معك يا حبيبي
كنت عصفوراً خافت الصوت
عشق طائرة "كونكورد" مزهوة بعظمتها
ولكل أسلوبه في التحليق والحرية
وترى "غادة" أن الرجل والمرأة في لعبة الحب مزدوجاً الشخصية شأن "الدكتور جيكل" وبدرجات متفاوتة، ففي أعماقها "قبيلة نساء" يتعايشن بصعوبة، وفيه أكثر من شخصية، وهذا التلون والازدواج يدفع إلى رسوخ الحب، لأنه يشي بالغموض، وإن كان يفضح الأثرة:
أحبك، لأنك لا تعرف كيف تحب غير ذاتك
ولا تبذل مجهوداً لإخفاء ذلك
والتوهج في الحب مرغوب، فأكره ما ينفر المحبوبة رجل الثلج الأوروبي، أو كما تسميه "غادة" رجل الصقيع المهذب الذي يتقن الغزل الموارب والرثاء الضاحك، فالغرب لم يكن أبداً أماً تعرف الحنان، ورجاله جعلوا من الحب سلفة، فإذا تجاوزنا حب الرجل والمرأة قادتنا "غادة" إلى عوالم من الحب أرحب، لعل من أبرزها حب الكتابة التي تحقق فيها حريتها:
"حين سقطت سهواً على هذا الكوكب، اكتشفت أن حقوقي لا تتعدى الأكل والشرب والإنجاب والموت، فقررت أن أضيف إليها حقي في الطيران..!!
أكتب.. أكتب.. وفي آخر الليل تتحول الورقة البيضاء فجأة إلى حقل شاسع من الثلج وأنا أنزف وسطها".
ومن ألوان المحبة الأثيرة لديها محبة قارئها، وهي محبة لا يحس بها ذلك المحبوب البعيد، وإن كانت توجه إليه رسالتها لأنها تحبه.
وللوطن نصيب من الحب متجلياً في دمشق وبيروت، فحب دمشق متجذر في قلبها، حب يمازجه الألم والحنين والعتاب، وهو وحده القادر على قهر إبائها وكبريائها، مع أنه حب يمتزج بالألم والمرارة، فثمة ظروف قاسية ونعتها إلى مفارقة وطنها الأم، لكنها ظلت عالقاً بفؤادها.
"أعرف أنني أينما كنت، مازلت في بيت الدمشقي، تحت ظل عينيك يا حبيبي الوحيد، يا زين الشباب، يا قاسيون الأبد".
وقد تغدو الورقة البيضاء بديلاً عن الوطن.. فالكتابة هي الوطن والملجأ: "قضيت عمري تائهة بين القارات والقلوب والفنادق، ولم أنعم يوماً بأي أمان إلا داخل مغاور حروفي، في الكهوف المائية الزرق للمحبرة.."
إنها بالكتابة تداوي جراحها على مدى ألف عام وعام لا ألف ليلة وليلة.. وهي تريد وطناً يرد للإنسان كرامته:
لا أريد وطناً يربطني بالخيط
ويجرني خلفه مثل كلب صغير
أريد وطناً جاداً كموتي
أريد وطناً أعاشر فيه الحرية بالحلال
لا مهرجاناً دموياً.. قضبان سجنه أصابع الديناميت
لا أريد وطناً يذوي أطفاله..
ووحدها الطحالب تنمو فيه..
وتضيف في خاطرة أخرى:
حين أموت يا صديقي.. أكتب على قبري
لا رحلتْ كثيراً، ولم تغادر دمشق!"
ويتأجج حبها بالحرمان، ويحيا عليه، فالحب كما تقول: هو المخلوق الذي يقتله أن يأكل أو يشرب أو ينام، ولكي يحيا، عليه أن يظل أرقاً وجائعاً وعطشاً ومحروماً وصعلوكاً حافياً على بوابات الحنين..
ومع الرتابة تفقد الذاكرة ذاكرتها"، ولذلك مضت مرتحلة وأهدت وطنها بطاقة السفر وتوجتها بالفراق، لأنها لا تريد أن يكون حب الوطن رتابة مدجنّة.
"غادة السمان" دارت الدنيا وهي تبحث عن حبيبها، وكان دائماً في قاعها، واسمه وطنها، وهي ليست نادمة على حبها الشقي، فقد علمتها الغربة كيف تكتب اسم وطنها بالنجوم على سبورة الليل أكثر من أي أستاذ آخر".
لم يكتب أديب أبداً نشيد الحب الخالد كما كتبته "غادة السمان" ولم يتغلغل إلى أعماقه مثلها.. الآخرون داروا حول الحب، وتحدثوا عن منغصاته وعذابه، أما هي فقد نفذت إلى جوهره، وبرهنت أنه المحرك الأول لإنسانيتنا، وهو مصدر ذلك التناغم الأبدي الذي نلحظه في حياتنا بين الماء والشجر والطير والإنسان، ولولا الحب لفقدت الحياة معناها ولذتها: "وهو الوحيد الذي يتعالى على جراحه، ويرفع منارات السلام في قلوبنا رغم المنغصات، ويعلمنا التحليق والطيران، وهو لا يعرف المقايضة أو الثأر، أما أولئك الذين خلت قلوبهم من الحب فهم قتلة الإنسان والحياة.. تقول غادة:
أحدق في الفؤوس
وهي تمشي في نومها إلى الأعناق
وفي قاع غربتي
أنادي أحباء الأمس، وأتحسس عنقي بخوف
ففي الكابوس، أيديهم هي التي تحمل الفؤوس..!!
في الفن والأدب
ورسالة الفن والأدب في نظر "غادة" هي ترسيخ جذور المحبة بين البشر:
حين أكتب بالحبر الأخضر
أصير خضراء كشجرة في غابة الخصب
وحين أكتب بالحبر الصيني
أصير سوداء متأججة "الزنوجة"
وأسمع قرع طبول غابات المحبة
ويدب الدفء في عروقي
وأنا أركض في إفريقيا مع الزرافات
وحين أكتب بقلم "الكوبيا" العتيق
أعود طفلة في مدرسة "خديجة الكبرى" بدمشق
وحين أرى "المسكة والريشة" في المتحف
يطلع أبي من محبرته الأثرية
كما فرسان المصابيح السحرية
الحبر كالعطر
يعيدنا إلى أزمان أخرى
والورق الأبيض منديل الذكريات
نجفف به دموع الحنين من أول السطر
مع الحكمة والخواطر
إن ما يميز كتاب "غادة السمان" يكمن في أنها وجهت خواطرها نحو موضوع إنساني عميق، فنفذت إلى أدق أسرار الحب الإنساني من خلال تجربتها الذاتية وحياتها الخاصة، فكان ذلك السفر الغني الذي يتجاوز حكمة العقل ليسبر أعماق الروح، وقبلها كانت الحكمة جافة لأنها ثمرة التأمل والعقل، ولعل أعظم إضافة قدمها الأدب الحديث إلى تراثنا تلك القفزة من عالم الفكر الجاف إلى النزوع الروحي الذاتي الذي يحمل في طياته قلق العصر وتمرده، لكنه في الوقت ذاته يضع الفكر في قلب الواقع الاجتماعي، ولا يعزله عن مجرى الحياة والتجربة، لم تعد حكمة لقمان وأنوشروان وأفلاطون تصلح لعصر بدا فيه الإنسان وقد هجر عقله ووعيه واستسلم لما وراء الوعي من نزوات، وحين جاء شكسبير بدا محايداً يرسم شخصياته وينطقها بالحكمة، لكنها ظلت حكمة محايدة.
أما كتاب العصر ومنهم غادة السمان، فإن الكتابة لديهم عمل حياتي ذاتي، والتاريخ لحمة من النزوات والتطلع، فالخاطرة لدى "غادة" فعل حياة، لا ثمرة تأمل جاف، وتطلع إلى عالم أسمى يحكمه الحب أي القلب، ولذلك نجد تأملها لا ينفصل عن ذاتها وأحلامها، على أن فن الخاطرة يكمن في أسلوب تقديمها، حيث التكثيف والعمق والتشخيص والترميز، وحيث يدخل التكوين الثقافي رافداً هاماً يستغل فيه التناص والمفارقة وخصوصية اللغة والانزياح، وتستغل "غادة" النزعة القصصية بنجاح للتعبير عن الفكرة، فبعض خواطرها يُعد من القصص ذات التوهج والفيضان العاطفي: تقول:
قال عامل البناء: إنها تمطر.. سيكون يومي موحلاً
قال ساعي البريد: إنها تمطر.. سأقضي يومي بائساً
قال سائق التكسي: إنها تمطر.. سيزداد عدد زبائني
قالت العانس: إنها تمطر.. وستنهار تمشيطة شعري
ضحك الفلاح الأول وقال: إنها تمطر.. وسيزدهر قمحي
بكى الفلاح الثاني وقال: إنها تمطر وسيفسد قطني
قال بائع المظلات: إنها تمطر.. ما أجمل الطقس اليوم
قال حفار القبور: إنها تمطر.. وسيزداد التراب ثقلاً وسأتعب.
قالت العجوز: إنها تمطر.. وسأعجز عن مغادرة البيت
العاشقة لم تقل شيئاً.. قالت لنفسها بلا صوت:
إن تمطر أولا تمطر، إن تشرق الشمس أو لا تشرق عبر الغيوم.
إن يتطلع قوس قزح أو تنسكب العتمة.. أن يعربد الرعد أن تجن سياط البرق المضيئة..
ما الفرق..؟
ما دام حبيبي سيأتي لنسهر الليلة معاً..
فالطقس بديع كيفما كان..
حب بلا مقاييس
قد تبدو تأملات "غادة" رفضاً لكل ما تواضع عليه البشر في دنيا الحب، والجرأة في تبني أفكار خاصة تخالف المألوف في دنيا المحبة..
هي ترفض حباً مطمئناً لا مشاكسة فيه أو مصارحة، وتريده حباً صريحاً يطرح تلك المثاليات التي ألف العشاق وأصحاب المثل التزامها، فهي تنطلق من الواقع، وتؤمن بأن تلك المثاليات لا وجود لها في دنيا الحب، فالحب لا يقاس بمبادئ وقوانين ومعايير إنه ضرب من الاندفاع والتهور الذي يعز تفسيره ولا يصح تقويمه ووضع مبادئ وقوانين كما فعل "ابن حزم" في كتابه "طوق الحمامة" أو ما كتبه النقاد.. معتمدين على تجارب أبطال الحب العذري، إن الحب في نظر "غادة" نزوع عاصف كالرعد أو البرق، يستعبدنا دون أن يضع الأطواق في أعناقنا، ففسحة الحرية فيه يجب أن تكون أقوى من قيوده، وبهذه الحرية واحترام الذات يعيش وينمو ويتغذى على الحرمان والرفض والمعارضة والعناد، وسيظل في تطرفه تعبيراً عن عصرنا القلق والغريب، حيث تبدو فيه المحبة نزوة ومزاجاً أكثر مما تخضع لقوانين صارمة.
ترى.. هل تبدل الحب مع تبدل الإنسان؟
هل الحب في عصرنا بما يحكمه من نزوات أجدى من صور الحب المستقرة في العهود السالفة التي نعدها – نحن- زاهية؟
في اعتقادي أن المحبة في عصرنا قد ارتقت لدى الفرد لأنها أصبحت تنبع من ذات الكاتب ومثلها الخاصة، ولا تمليها الأعراف والقوانين الاجتماعية، إنها محبة على الرغم من توهجها في قلوب أصحاب المبادئ والرسالات.. ومازالت تنتحر كل يوم.. ويُضحّى بها في سبيل النزوع المادي والأهواء الدنيا والتسلط.. وهو الذي يزعج أرباب الأقلام ويدفعهم إلى تقديس الحب والمحبة لترتفع رايتهما في القلوب فوق الأطماع الرخيصة، فالأبدية كما تقول – غادة- لحظة حب ولولا الحب لما كانت هناك أبدية، لأن القلب المتحجر كعقدة الأفاعي تنتهي حباته بموت صاحبه، ولا يتطلع أبداً إلى الخلود والأبدية.
إن الحب – كما تقول غادة - ليس أكثر من ومضة (فلاش) في المقبرة يعود بعدها كل شيء ليفرق في الظلام.
واليوم إذا أردنا أن نجنِّب عصرنا ما يعانيه من مآس دموية وتطرف في العنف ليس لنا إلا أن نتبنى تربية الحب في نفوس الأجيال، نعلمهم الإيمان بالمثل التي نادى بها أرباب الأقلام، والرسالات ونجعلها جوهر التربية قبل العلوم والتكنولوجيا ليعرفوا معنى أن نعطف على الزهرة فلا ندوسها، ونحترم الكائنات وإنسانية الإنسان وحقه في الكرامة الحرية.
إن خواطر غادة السمان في كتاب "الحب.. لحظة أبدية" إنجيل المحبة، منه نتعلم كيف نتعالى على غرائزنا العدوانية، ونقهر العنف والأثرة والانغلاق، والركض اللاهث وراء المادة في عصر الإخفاق.
المصدر : الباحثون 34 - نيسان 2010
عدد القراءات :
8574
توحة
ملهمتي
ماانا الا شاعرة عابثة اتدوق الشعر واكتب الخواطر وقد اعجبني صراحة اسلوبها اتمنى ان اصبح شاعرة كبيرة مستقبلا ان شاء الله
12:41:29 , 2010/05/15 | Algeria
عدنان الشرمان
غاده فقط ومصادفه
يا لروعة غاده لطالما رسمت جميع لوحات العشق على وجوهنا بجميع الوانه ...وكل احساسه ....بصراحه كلمات لن تجدها حتى بالاحلام ....كم احببتك يا غاده ....اقدم كل شكري وامتناني لغاده السمان ....لاني اصدمت بحبي مع كلماتها عرفت وجهي الحقيقي داخل كلماتها وعرفت حبيبتي ابتسام الصيداوي ... بالمصادفه على كلامها