لقد نشأ علم جديد في نهاية القرن العشرين هو علم الحياة خارج الأرض، كيف ينظر الباحثون في هذا العلم إلى الحياة في الكون يا تُرى؟
على الرغم من شُح المعلومات المتوفرة عن التنوع الحيوي في الكون فقد انقسم الباحثون في علم الحياة خارج الأرض إلى فريقين فيما يتعلق بالمنظور الأساسي لتلك الحياة، يرى العلماء من الفريق الأول أن الحياة خارج الأرض تتميز بكونها تباعدية وبعبارة أبسط أن الحياة المذكورة تقوم على أساس استثمار الفرص والإفادة من الظروف المتاحة.
يذهب علماء الفريق الثاني إلى الأخذ بالرأي القائل إن الحياة خارج الأرض تقاربية بمعنى أنها حتمية أو جبرية فبصرف النظر عن المؤثرات المتغيرة تنتهي الحياة إلى أنماط مقررة، نجد عدداً أقل من العلماء ممن يعتقدون أن الحقيقة قد تقع بين وجهتي النظر المتطرفتين هاتين وعلى مسافة ما من كل منهما.
تؤكد التباعدية على كل ما هو غير متوقع وما لا يمكن أن يتكرر من أطوار الارتقاء التي تفضي إلى التجديد والتحديث والتي تقدم أنماطاً حية مغايرة في كل مرة وتسهم بالتالي بتوسيع امتداد التنوع الحيوي على صعيد الكون دون أي التزام بمواصفات محددة أو ميزات مقيدة، من جانب آخر، تقرر التقاربية أن الظروف والاشتراطات المتباينة لاشك أنها تُسهم بظهور فروق وتباينات بين الأجناس الحية المختلفة في الكون، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الانتقاء الطبيعي الذي يكمن على خلفية الارتقاء لأي جنس حي، يجنح إلى إبراز كائنات حية على أساس البحث عن حلول أمثلية يتجسد ذلك بخطة عامة متشابهة تتظاهر عبر بنى الكائنات الحية وسلوكها.
يستمد الباحثون في كل من الفريقين أدلة يدعمون بها وجهة نظرهم لدى استعراض الجوانب المختلفة للحياة على الأرض، تتأيد وجهة النظر التباعدية بالتنوع الحيوي الواسع على كوكبنا.
إذا نظرنا إلى الفروق الكبيرة مثلاً بين طائر الكناري وشجرة البلوط، أو بين الحيتان والبكتيريا، أو بين التماسيح والقردة، لاستنتجنا على الفور أن تضييق الإمكانات فيما يتعلق بأشكال الحياة خارج الأرض هو أمر غير مقبول وغير معلل وأن علينا أن نتوقع كل ما هو غير متوقع عند دراستنا تلك الأشكال، آخذين بعين الاعتبار حقيقة وجود تاريخ حيوي واحد لطيور الكناري وأشجار البلوط والحيتان والبكتيريا والتماسيح والقردة.
لقد ذهب بعض علماء تاريخ الحياة وفي مقدمتهم ألفريد راسل والاس إلى أن تكرار الظروف التي شهدها كوكبنا بكل تفاصيلها لن يفضي بالضرورة إلى نفس الأنماط الحياة السائدة الآن، قد يفشل ذلك التكرار بتصنيع الفقاريات.
كما قد لا يفضي سقوط النيزك الذي أنهى حقبة الديناصورات إلى تنحيتها عن السيطرة على كوكب الأرض بشكل كامل كما حدث منذ 65 مليون سنة.
ولو تمت تنحية الديناصورات بتكرار نفس الظروف فإن أحداً ما لا يستطيع الجزم أن تملأ الثدييات التي انحدرنا منها الفراغ الذي خلفه انقراض الديناصورات.
يعلمنا انقراض الديناصورات أن الكوارث الكونية تتدخل بشكل غير متوقع وعشوائي لتغيير مسار الارتقاء لجنس حي أو مجموعة كبيرة من الأجناس الحية، لا يعني تكرار الظروف إعادة عرضها كما يحدث لدى إعادة عرض شريط سينمائي، حتى لو أعدنا عرض شريط سينمائي، فإن العرض المكرر لن يطابق من الناحية الفيزيائية العرض الأسبق، هكذا ليس بالضرورة أن يفضي تكرار الظروف إلى نفس الأنماط الحية.
ماذا عن أوجه التشابه بين الحياة على الأرض وبين الحياة في الكون؟ لا توجد حياة متقدمة كالإنسان على كواكب المجموعة الشمسية الأخرى، لكننا لا نستبعد وجود حياة متقدمة في مجموعات نجمية بعيدة.
أما عن أوجه التشابه بين هذه الحياة في حال وجودها بين الحياة على الأرض خاصة الإنسان فالآراء متباينة ومتعارضة، يذهب بعض العلماء إلى أن الأصناف الحية ذات الإمكانات المتشابهة يمكن أن تتطور إلى هيئات وبنى متماثلة، هناك مثلاً ثلاثة أصناف من الكائنات البحرية المصممة للسباحة السريعة، تبدو متشابهة فعلاً: أولها نوع من الزواحف المنقرضة هو الإكصور والثاني سمك القرش والثالث الدلفين وهو من الثدييات البرية التي عادت في وقت متأخر إلى الحياة البحرية، يرى هؤلاء العلماء أن الكائنات التي تعيش في غلف جوية غازية ولها من الذكاء ما يمكنها من تغيير محيطها باستخدام الأدوات لابد أن تطور تناظراً نصفياً وأن تكون لها أجهزة محيطية ممتدة كاليدين وأن تمتلك أعيناً للرؤية البانورامية وما إلى ذلك من سمات مماثلة.
على العكس، يرى علماء المستحاثات أنه إذا كانت الحياة قد تطورت فعلاً عبر سلسلة مديدة من التبدلات والقفزات فإن احتمال تكرار هذه السلسلة الطويلة المنتهية بالإنسان في موضع آخر في الكون هو احتمال ضئيل جداً، هكذا لن تكون الكائنات الكونية الأخرى إن وُجدت شبيهة بنا.
ينتقد علماء المستحاثات كل المحاولات الجارية لحصر احتمالات وجود الكائنات الكونية بكونها محاولات غير مجدية نظراً لافتقارنا للأمثلة والتجريب في هذا السياق، نجد في عداد علماء الفيزياء من يعتقد أننا نملك الأمثلة المناسبة، فعلى كوكب الأرض قادت مناحي تطورية مستقلة ومختلفة إلى أشكال حياتية متباينة، فمنذ حوالي 180 مليون سنة انفصلت أستراليا عن القارة المعروفة باسم غوندوانا لاند ويمكن أن نعتبرها بمثابة كوكب بعيد حيث انطلق التطور عليها بدءاً من أشكال أولية من أصناف الزواحف.
انفصلت أميركا الجنوبية عن إفريقيا منذ 130 مليون سنة ويمكن أن نعتبرها أيضاً كوكباً مستقلاً، تابع التطور طريقه المستقل على ما تبقى من الأرض أي قارة إفريقيا وجوارها على وجه التحديد وكذلك على الكوكبين المعتبرين البعيدين في أميركا الجنوبية وأستراليا في هذا المثال.
لم يظهر الإنسان نتيجة هذه العمليات إلا في إفريقيا فقط وكان ذلك منذ حوالي أربعة ملايين سنة أي أنه لم يشغل من تاريخ الأرض الطويل إلا نسبة ضئيلة جداً تقل عن واحد بالألف، أما في أستراليا فقد ظهرت الحيوانات الجرابية كالكنغر وأمثاله بينما ظهرت في أميركا الجنوبية الفقاريات.
يعني ما تقدم أن علينا أن لا نعجب إذا اكتشفنا حياة مغايرة على كواكب أخرى ليس فقط في بنائها الحيوي بل وأيضاً في منتوجها العيني والمادي، فقد يكون الفراء والريش والبذور والجنس والسيمفونيات والروايات كلها منتوجات أرضية صرفة لا تتواجد نظائر لها على كواكب أخرى، ومع تعثر الأداة المادية المباشرة في وصل الكائنات المتباينة يدخل العقل كأداة قادرة على التنظير والتجريد والارتفاع عن مستوى المعطيات المباشرة، كأجود وسيلة للتفاهم والتفسير.
إن كانت السلاسل الفحمية الطويلة قد جندت التكاثر الجنسي في الانتقال إلى أجيال جديدة بين الكائنات، فإن الكواكب التي يغلب فيها عنصر السيليكون لن يظهر عليها هذا النوع من أنواع التكاثر، نتخيل كوكباً بعيداً من النمط المذكور، هناك تقوم الكائنات بتصنيع الأجيال التالية وفق خطط قابلة للمراجعة والتعديل، ذلك أن السيليكون لا يمتلك إمكانية تصنيع السلاسل الذرية الطويلة.
المراجع
1- shu, frank h1982 the physical
universe, micl villeg, california, usa
universety science books.
2- carroll,bradaley w.2007 an
introduction to modern astrophy sics,usa: addison- wesley.
3- sagan, carl 1966 intelligent life in the universe, san francisco, usa: holden- day, inc.
4- فرنسيس برونه (ترجمة مهاة فرح خوري): 1981 عالمنا الرائع في مغامرة الحياة- وزارة الثقافة- سورية.
المصدر : الباحثون 34 - نيسان 2010