كثيرةٌ هي الأبحاث والدراسات التي كُتبت عن الآراميين وأصولهم وتجارتهم وفنونهم ولغتهم، ونجد من الضرورة أن نتوقف عند آخر ما كُتب من أبحاث تاريخية عنهم، والتي تشير إليهم كسكان ممالك قديمة في سورية، ومؤسسي إمبراطوريات، وأن لغتهم تبدو قريبة جداً من لغات المنطقة القديمة من آكادية وبابلية وحيثية وكنعانية، ثم إلى عربية التي ورثت كل تلك اللغات وجمعتها فيها... ويبدو أن اسم «آمورو» قد جاء من صيغة الأمر والسيادة، أو من صيغة العين «عمورو» أي ما يدل على صيغة العمران، وهو في هذه الحال لا يدل على بدو رحل غير مستقرين كما يحلو لبعض المختصين أن يصفهم، حيث أن البدو المتنقلين لا يسكنون الجبال أو شواطئ البحار، كما كان شأن الآموريين، ولا يستخدمون اسم «داجان» رب الحبوب والزراعة في قائمة أسماء الألوهية، حيث أن هذا الاسم يدل على اعتمادهم على الزراعة، ولا ننسى في هذا المجال أن الملك «حمورابي» وهو أموري الأصل، كان أول من وضع "نظام مدني حقوقي إداري" ينظم علاقة الفرد بالمجتمع وبالدولة، ويحفظ حقوق المواطن ويحدد واجباته في حالتي السلم والحرب وهذا أمر لا يكون إلا في الدولة.
لقد كان الباحث الأمريكي الشهير «ألبيرت كلاي» في كتابه«إمبراطورية الآموريين» أول من اعتبر الآموريين أصلاً تفرعت عنه المجموعات الأخرى بأسمائها المختلفة، والتي في أكثر الأحيان تدل على اسم مدينة أو منطقة أو مملكة، وكان «كلاي» أول من أشار إلى نزول الآموريين من سورية الطبيعية منذ الألف الخامس قبل الميلاد إلى العراق، محدداً بذلك موطنهم الأصلي ومشيراً إلى قِدم الاختلاط بين الشمال والجنوب، وقد فعل ذلك بعد أن فنّد النظريات الأخرى وردّ عليها، وقال إن عدم وجود الكثير من الوثائق الآمورية يعود إلى أنها كانت لغة محكيّة في المنطقة لمدة تزيد عن ألفي سنة، قبل ابتكار نظام الكتابة، ولما دُوّنت كلغة كانت قد تفرّعت إلى لهجات جغرافية منوعة، ولكنها ترجع إلى أصل واحد من حيث صيغة الأفعال والأسماء..
وبعد اكتشافات مواقع ماري وأوغاريت وإيبلا وإيمار وعمريت وقطنة وغيرها من المواقع الممتدة من البحر المتوسط إلى نهر الفرات، تبيّن أن الآموريين كانوا يمثلون سكان سورية القدماء، الذين هم في الأصل مزيج من مشرقيين متوسطيين وميتانيين وحيثيين وحوريين، والاختلاط يمكن تبيّنه واضحاً من الأشكال المنوعة من بشرة سمراء، وشعر أسود إلى بشرة بيضاء وشعر أشقر إلى عيون منوعة الألوان (سوداء وزرقاء، وخضراء) كما تبيّن المنحوتات والرسوم القديمة لسكان المنطقة، وكذلك قصائد الشعر الغزلية القديمة في تفضيل السمراء على الشقراء، أو العيون الزرقاء على السوداء، وهي أمور نعثر عليها في الأشعار الشعبية والأغاني التراثية – حتى اليوم، وهذه الأشكال ورثها عن ذلك المزيج العرقي أحفاد اليوم، في كل أرجاء المنطقة التي نتحدث عنها، والتاريخ يعلمنا أن تمازج الأعراق والثقافات المنوعة هو الأساس الذي تقوم عليه الحضارات، ومن ثم الإمبراطوريات وهذا ما حدث على يد الآموريين..
على مستوى اللغة يستطيع من يتعمّق في دراسة لغات المشرق القديمة، وفي لهجات بلاد الشام المحكيّة اليوم، أن يلاحظ أن تلك اللغات، وفي نهاية المطاف، هي لغة واحدة تتباين لهجاتها بتنوع المناطق الجغرافية وذلك رغم الأسماء الكثيرة التي تم إطلاقها عليها، والتي تبدو غالباً اسم سلالة مالكة أو منطقة جغرافية أو مملكة، ونحن حين نقول «الأكاديون» فهذا الاسم لا يدل على شعب خاص، بل اسم سلالة مالكة حكمت البلاد هي سلالة« شرعو-كين- سرجون» الآكادي الكبير، نسبة إلى اسم أسرته، «جددي» وهو اللفظ القديم لاسم آكاد كما هو مدّون باللغة السومرية، وحين نتحدث عن اللغة الآكادية فهي ليست سوى الآمورية القديمة التي كانت لغة المجموعة القادمة من سورية الطبيعية إلى بلاد الرافدين، وسُميت الآكادية نسبة إلى العصر الذي سادت فيه، حيث امتزجت مع اللغة السومرية، وصارت لغة عالمية ولغة مراسلات دولية ودبلوماسية، في أرجاء العالم القديم كافة، ولكنها لم تكن في الألواح الكتابية المدونة بالمسمارية سوى المزيج الذي تشكّل فيما بعد من الأمورية الأولى والسومرية، وهو المزيج الذي أُطلق عليه في البداية اسم الأكادية ثم اسم البابلية ثم الآشورية، وذلك فيما يخص لغات مابين النهرين، غير أن الأمر ذاته ينطبق على مجموعة اللغات السورية القديمة من كنعانية وحيثية، وآرامية، ثم إن القدوم الآموري إلى بلاد الرافدين لم يكن عن طريق الحرب والغزو، بل عن طريق تبادل تجاري- ثقافي- ديني- استغرق زمناً طويلاً، حيث استقر عدد كبير منهم في بلاد الرافدين وأصبحوا جزءاً من سكانه واتخذوا أسماءً سومرية، واتخذ السومريون أسماء آمورية، كما تخبرنا الوثائق الكتابية بذلك، وقد تمكن بعض زعمائهم من الوصول إلى سّدة الحكم في بعض الممالك السومرية على نحو ما فعل الملك «شاروكين»
وعلى هذا النحو، الذي تحدثنا فيه عن الآكاديين، يمكننا التحدث عن البابليين، فهم ليسوا شعباً مختلفاً عن الآكاديين، وإنما أخذوا اسمهم من العاصمة /بابل/ بعد سقوط إمبراطورية آكاد، وتأسيس مملكة بابل فيما بعد، وكان حمورابي يحمل لقباً مؤلفاً من كلمات سومرية وبابلية وآمورية مما يدل على عمق الاختلاط اللغوي والثقافي والديني والعرقي، وهذا اللقب /لوغال – داجان – مارتو/ فنحن نرى هنا لوغال السومرية، والتي تعني الملك، واسم إلهي /داجان/ رب الحبوب، والزراعة الكنعاني – واسم /مارتو/ أي الآموري، كما أن حمورابي حمل أيضاً لقب /أبو مات – عمروم أو أمروم/ أي سليل الآموريين.
ومن خلال الدراسة والملاحظة أن الآموريين كانوا سكان مدن، ومؤسسي ممالك، وكان اسمهم يدل على الأمر، يقولون عنهم: قامة الآموري مثل قامة الأرز، وهو قوي كالبلوط، وكل ما سبق يدل على أناس مستقرين متمرسين في فن الحرب، وليسوا رعاة أو قبائل بدوية تغزو أطراف الحواضر، كما تم تصويرهم في كثير من الأبحاث وبأكثر من لغة، ويعتبر العلماء اليوم وبعد دراسة الوثائق المتنوعة، أن أقرب لغة إلى الآمورية الأم، من خلال دراسة المفردات وأسماء الأعلام هي اللغة الكنعانية، وعلى نحو أخص، الفرع الفينيقي، من لغات غرب المنطقة / سورية ولبنان/ أو موطن الآموريين الأصلي، ونعلم من وثائق العهد الآكادي أن لهجة الآموريين بعد دخولهم العراق االقديم، قد اختلفت بعض الشيء عن لهجة الذين سبقوهم، وهنا يجب أن لا ننسى أن الآموريين الأوائل قد تأثروا بصيغ اللغة السومرية مما جعل لغتهم تختلف عن لهجة أسلافهم الذين بقوا في الغرب السوري، ومن المفيد الإشارة بأن هناك مجموعة كبيرة من الكلمات والمفردات التي انتقلت إلى اللغات الأخرى من الآمورية، مما جعلها خليطاً من مكونات حضارية وثقافية وفكرية متنوعة، تدل على عظمة وتطور وغنى تراث عريق يعود تاريخه إلى فجر التاريخ في الألف الخامس قبل الميلاد.
المصدر : الباحثون العدد 67 كانون الثاني 2013