يتناول علم الفيزياء الموجات التي يخضع انتشارها لقانون انخفاض الطاقة، لكن تركيز الطاقة يتناقص مع الابتعاد عن مركز الموجة، كما يتشوه شكل الموجة بفعل التبدد، نعرض في هذه المقالة المحاولات التي أجراها العلماء للتعرف على موجات ذات خصائص مغايرة.
ألف العلماء منذ زمن ظواهر موزعة في حقول متباينة كالبيولوجيا والفيزياء والكيمياء وسواها.
لكن الجديد هو أن صوغ نظرية بشأن هذه الظواهر انتهى إلى نمط من الموجات غير مألوف يماثل ويقابل في نفس الوقت النمط التقليدي للموجات.
إذا تصورنا وسطاً لانتشار الموجة تتوزع فيه مصادر مختلفة للطاقة، لما انخفضت الطاقة أثناء الانتشار المذكور، تسهم هذه المصادر بالإبقاء على شكل الموجة وسعتها بخلاف ما يحدث في حالة الموجات الكلاسيكية. تُدعى الموجات الجديدة: الموجات غير المألوفة، هذا على الرغم من أن هذه الموجات تتحقق على مرتكزات فيزيائية مألوفة، تُحرّض الموجات غير المألوفة الإطلاق المحلي للطاقة المخزنة التي تُستخدم بدورها لقدح عمليات مشابهة في مناطق مجاورة، يقاوم حجر الفتيل الالتهاب لكنه يشتعل إن غُمس بالزيت، إلا أن سرعة اشتعاله أكبر من سرعة امتصاصه للزيت، لذا سرعان ما ينطفئ، ثم يمتص الزيت من جديد فيشتعل وهكذا. لو تصورنا مجموعة من أحجار الفتيل بجوار بعضها، لأشعل كل حجر لحظة انطفاء الحجر المجاور، إنها موجة اشتعال غير مألوفة.
قدمت الطبيعة للإنسان موجة اشتعال مشابهة منذ أقدم الأزمان، إنها موجة اشتعال الغابات، يقول العلماء إن الحرائق الصنعية في الغابات يجب أن تُخمد على الفور، أما الحرائق الطبيعية فلها أن تُترك كي تنطفئ وحدها، تتحول الغابات فجأة عند تخومها إلى سهوب عشبية، تعلل نظرية الكوارث في الرياضيات الظاهرة بشكل دقيق.
تتداخل الموجات العادية كما يحدث في حالة الموجات الناجمة عن صدم حجرين لسطح ماء ساكن في نقطتين متجاورتين.
تعتبر المنطقة الواقعة خلف جبهة موجة غير مألوفة حيث نفدت الطاقة المحلية وثم الانتقال من حالة طاقة عليا إلى حالة طاقة دنيا، لن تستطيع أية موجة أخرى غير مألوفة عبور هذه المنطقة، لعدم توفر طاقة كافية فيها لتغذية الموجة، تعني هذه الحقيقة اندثار الموجة الأخرى واستحالة تداخل موجتين غير مألوفتين بالتالي، إلى جانب هذه الاستحالة لا تستطيع الموجة غير المألوفة الانعكاس عن حاجز كما تفعل الموجة التقليدية، أخيراً يشترك نمطا الموجات بالقدرة على الحياد.
إن النبضات العابرة للعصبونات هي موجات غير مألوفة، عندما تطلق النبضة، تتحرر الطاقة بشكل تدريجي عبر غشاء العصبون وفي كل نقطة منه وذلك بهدف الإبقاء على سعة وشكل النبضة دون أي تغيير، تنجم الطاقة المحررة عن اختلاف التركيز لشوارد الصوديوم والبوتاسيوم على طرفي الغشاء.
تمكن العلماء من اختزال الموجات غير المألوفة مهما كانت طبيعتها الفيزيائية في نموذج واحد. لقد اكتشف العلماء إمكانية توصيف هذه الموجات بمصطلحات، تتحاشى خصوصية الموجة المدروسة، تعبر الموجة غير المألوفة وسطاً يتحدد بحالتين للطاقة، حالة عليا وأخرى دنيا، عندما تتخلل الموجة غير المألوفة هذا الوسط، تنتقل نقاطه بشكل متسلسل من الحالة الطاقية العليا إلى الحالة الطاقية الدنيا، لكن هل تستطيع موجة أخرى غير مألوفة عبور نفس الوسط؟ أشرنا فيما تقدم إلى استحالة ذلك.
إلا أن الانتظار مدة كافية من الزمن يعيد نقاط الوسط إلى الحالة الطاقية العليا، تماماً كما يحدث لدى امتصاص حجر الفتيل كمية جديدة من الزيت أو عودة تركيز شوارد الصوديوم والبوتاسيوم إلى ما كان عليه على طرفي غشاء العصبون.
ماذا عن النمذجة الرياضية للموجات غير المألوفة؟ يتحدث العلماء عن الشحنة التبولوجية للموجة غير المألوفة، لما كانت التبولوجيا فرعاً بالغ التجريد من فروع الرياضيات، فإن العلماء بذلك إنما يوحدون بين تشكيل المجرات في الفضاء الكوني وتكوين العصبونات في الجسم، لا بل وعمل القلب، إن كافة النجوم تنبض، كذا ينبض القلب في كل كائن حي. تفيدنا التبولوجيا بأن التناغم الوظيفي بين خلايا الدماغ لا يفرض بالضرورة التجاور الجغرافي، نذكر في هذا السياق أن انتشار الموجات غير المألوفة في مناطق غير متجانسة من العضلة القلبية يؤدي إلى ما يُعرف بالرجفان البطيني، ذلك أن نفاد الطاقة في تلك المناطق يسيء إلى التناغم القائم في التقلصات المتزامنة لمختلف الخلايا، ويتحول القلب بذلك من مضخة حية إلى مجرد محفظة عضلية مرتجفة عاجزة عن نقل الدم وضخه، تُطبق نفس الأفكار في حالة داء الصرع، ففي هذه الحالة تنتشر موجات انزياح بطيء للكمون الكهربائي الخلوي للعصبونات في القشرة الدماغية، تعاني العصبونات جراء ذلك تفريغاً كهربائياً سريعاً ومفاجئاً فتتوقف عن العمل.
تتغذى الموجة المتقدمة بالطاقة الكامنة في العصبونات.
تُعتبر الكتل المائية في المحيطات والبحار بمثابة أوساط فيزيائية تنتشر عبرها موجات غير مألوفة، أدى استخدام جهاز الهيدلوفون لمتابعة الكائنات التي تعيش في أعماق المحيطات إلى استنتاج مفاده أن عالم تحت الماء لا يقل ضجيجاً عن عالم اليابسة فهناك القرقعة والنخر، وهناك النواح والأصوات الحادة، نستطيع أن نتصور أن مختلف الموجات في الوسط المائي تحت سطح البحر أو المحيط سواء كانت ذات مصدر طبيعي أو حياتي تتعزز على الأخص بحركات الكائنات الحية إضافة للتيارات البحرية والمحيطية والكتل المائية الصاعدة والهابطة، واقع الأمر، إن كثافة الحياة تتناقص مع ازدياد عمق الماء، فوسطي عدد الكائنات الحية في واحدة الحجوم على عمق حوالي 7.50 كيلو متر يساوي عشر الوسطي المقابل على عمق ثلاثة كيلو مترات.
استطاعت بعض الكائنات الحية البقاء والاستمرار بعد تبدل الظروف على اليابسة وبقرب سطح الماء إذ لجأت إلى الأعماق وصمدت متكيفة إلى حد ما مع متطلبات الأعماق، كان الدلفين من الكائنات التي عاشت على اليابسة، لكنه تحول إلى الماء وغدا كائناً مائياً منذ حوالي خمسين مليون سنة كان من هذه الكائنات أيضاً نوع من الأسماك ظن العلماء لفترة طويلة أنه انقرض منذ حوالي سبعين مليون سنة لكن اصطياد سمكة من النوع المذكور بالصدفة يوم 25 كانون الأول من العام 1938 قلب هذا الاعتقاد وزود العلم بكنز لا يقدر بثمن فيما يتعلق بتعقب تاريخ الحياة، استنتج العلماء أن هذا النوع من الأسماك لا يصاب بالأورام، ما يهمنا أن صلة تلك الأسماك بالعالم تتحقق بواسطة قطارات من الموجات غير المألوفة تعبر المقطع المائي من العمق إلى السطح وبالعكس، من المعروف أن لكل كائن حي عمراً زمنياً محدداً لا يستطيع تجاوزه.
يُعزى ذلك إلى حقيقة عجز الخلايا عن استثمار الطاقة الحرة بعد انقضاء مدة ذلك العمر.
تستخدم الحياة آلية التكاثر للتعويض عن حقيقة موت الكائنات واندثارها، توفر الشمس الطاقات اللازمة للتكاثر بعد حقن تلك الطاقات في بنى بروتينية مناسبة، هكذا تنشأ موجات غير مألوفة من أجيال متتالية من الكائنات الحية تعبُر التاريخ من ماضيه إلى مستقبله.
المراجع
1- hocking and young: topology:
Addison- wesley publishing company 1961.
2- skilling: fundamentals of electric waves: wiley 1948.
3- Feynman: lectures on physics: Addison- Wesley publishing company 1964.
4- Roberts; callum: the ocean of life Viking: 2012.
المصدر : الباحثون العدد 68 شباط 2013