سحب بيضاء، داكنة سوداء أو ما بينهما، تسيِّر غماماً تنجب الظلال، تحجب النور إلى حين، محدثة أجواءً لطيفة في بعض من أيام صيف دافئ، أو خريفي معتدل، أو شتوي عاصف بأشكالها الركامية، حيث تفصل ما بين نقاء السماء وجغرافيّة اللقاء، تترافق بالرياح والعواصف، وبها يكوِّن البرق والرعد حبات البرد والمطر والثلج، وخلال تأمّل نوعي لحضورها نجدها تأخذنا إلى عوالمها؛ فتظهر كمشهد يرسم صورة في السماء، ندقق بها لنعلم أنها حقائق على الأرض، هل حاولتم أن تراقبوها وتتعمقوا بعد أن تديموا النظر إليها.. اعتبروها لحظات تأمّل، وإنني لأؤكد لكم أنكم سترون ما رأيت، طبعاً ضمن فارق الحالات التي أكون وتكونون عليها، هذا في الاعتياد من الحالات العامة، أما الندرة من الجمع فهي تشاهد وتبصر، وتتبصّر لتقرأ وتحلل وتعكس ما تصل إليه ممّا سيجري للإنسان أو للجغرافيا التي يحيا عليها، وضمن مجموعها العام أو الخاص، وذات الفعل المتابع من تحتها، حيث ترينا وجوهاً محببةً جميلةً وحنونةً أحياناً، وشيطانيةً في أخرى، وكذلك صراعات جبابرة وحيوانات شرسة عنيفة وغيرها الأليفة واللطيفة.. ألم يأتكم الله في ظُلل من الغمام..؟! أو حينما نعتليها من مراكب الفضاء (الطائرة) نشهد عوالمها الغنية بالحضارات، أو المعارك الافتراضية، وعربات فينوس، وممالك التاريخ. فهل هي فقط غيوم تخصّ السماء فقط، وكذلك هل هي من أجل المطر، أم أن لها أسراراً تدعونا لطلب العلم من أجل فهم حضورها؟ ومن بين هذه الكلمات أدعو الجمع لرفع مستوى البصر كي يطالها، فكم هم الذين يرونها ويشاهدونها ويعون أنها فوقهم..؟، لكن دون دراية منهم بما تشكِِّله.. لذلك علينا أن نهتم بقراءة ما تكتبه وتصوِّره وكلٌّ يعمل متبصراً كي يعلم بلغته، وحينما نعلم أنها سحب وغمام وغيوم ومزن، ونمتلك بالطبع آليات تشكّلها الحاصل من عمليات البخر، وحركة سيرها بفضل التيارات الهوائية المنخفضة، أو المتوسطة، أو العالية وأشكالها الرقيقة، أو الركامية السميكة الثلجية من قطرات مائية بيضاء، أو رمادية، أو سوداء داكنة، تهطل أو تسبح إلى أماكن تحتاجها الحياة المتكونة على كوكبنا.
إذاً، غيوم وغيم وغمام تظهر في السماء من أجل الإنسان خيره وشرّه، سكنت المقدَّس، وفي ذات الوقت أظلّته، وكذلك جمعت الإنسان إلى أخيه الإنسان ليقرأها؛ فيعرف قيمة الآخر من جنسه، كما فعل الراهب بحيرى لحظة أن حضر محمد العربي "عليه السلام" إلى الشام، وكان غلاماً صغيراً واكتشف من الغمام نبوّة الغلام، والحقيقة أثبتت أنه آخر أنبياء الزمان.. فأين أنتم يا أهل الشام، ما هي أحوالكم؟ ألا تعلمون أن الغمام في عظمته، وأنه أعلى منّا، فوجب علينا قراءته لمعرفة ما نحن فيه، هذا ما سكن مُقدّس العهود القديمة، فإن لم نكن نعلم؛ فلنعلم أن الشام حدودها من الفرات إلى العريش المصرية، وأنهم اليوم يستهدفون الشام بكل ما أوتوا من قوة، فإن سقطت الشام سقط الحاضر والماضي والمستقبل، ماذا تحتاج الشام منكم أيها السوريون، تسألكم: لماذا غدت وجوهكم مكفهرة وقلقة، والمزن ينزل عليكم مدراراً وبغزارة، ألم يغسل بعد قلوبكم، ألم يكشف حتى اللحظة حالكم وأحوالكم؟ إلى متى وأنتم تهيمون بحثاً عن رشدكم، ألم تصلوا بعد لما يحاك لكم؟ وللأسف من محيطكم الشقيق والصديق؛ الخاضع لسيطرة الغريب وأمره وأوامره وخططه ومخططاته، إنهم يريدون لكم التشرذم والتشريد والضياع واللهاث وراء رغيف الخبز المدوّر، والمصنوع على شكل عجلة في الطريق، ألم ندرك بعد أن غيومنا كانت سمحة ومتسامحة وآمنة في سمائنا وأمينة على جميعنا.. أيها السوريون، تعالوا نُعِد الله إلى غمامنا، وليظلِّل إيمانُنا بعضنا، ولنقرأه بالحب الذي قرأ به الحَبر بحيرى لغة محمد عليه السلام..آمِنوا بأن الغيوم السوداء الشريرة ستنجلي، وستظهر سحب السلام وغيوم الله الحاملة للحب والخير لكم، لنا، نحن أهل الشام.
د.نبيل طعمة
المصدر : الباحثون العدد 68 شباط 2013