عصام مفلح
تبلغ نسبة الماء إلى اليابسة في كوكب الأرض الثلثين، إلا أن نسبة الماء الذي يستطيع الإنسان استخدامه تتراوح بين (2 – 3%) فقط، كما أن 87% من الماء الذي يستخدمه الإنسان موجود في باطن الأرض، أما الباقي فيشكل أنهاراً وبحيرات، وتصب أغلب الأنهار في البحار بحيث لا يستخدم الإنسان منها إلا نسبة محدودة، وتشير إحصائيات منظمة الزراعة والتغذية التابعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن الاستخدام غير العادل للماء من قبل الإنسان يهدد منسوب المياه الجوفية، ويستنزف هذا المخزون الهام في باطن الأرض.
ولقد تنبهت الدول المتقدمة لهذا فوضعت القوانين والضوابط الرسمية في الاستخدام المتوازن للماء والمحافظة على سلامته من التلوث، ولذلك تتم في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا فحوص دورية لمنسوب المياه الجوفية، وتحدد الكميات المسموح باستخراجها اعتماداً على كمية المياه المتوقع نفاذها لباطن الأرض من مياه المطار والثلوج، كما تحرص حكومات هذه الدول على ضمان نقاء المياه الجوفية، وذلك بوضع الضوابط التنظيمية في حفر الآبار والسماح بتركيب أنابيب للضخ على أن تغلق الفتحة السطحية تماماً لمنع التلوث البكتيري والطفيلي، وقفل البئر تماماً في حالة وقف استخدامه، ويقوم مشرفو الصحة بزيارات دورية تبدأ عند تقديم ترخيص حفر البئر وتنتهي بقفل البئر. وفي عالمنا نرى ونسمع عن جفاف الكثير من العيون والينابيع والآبار وحتى الأنهار، وصعوبة بالغة في العثور على المياه الجوفية من خلال حفر الآبار.
مما تقدم يتبيّن لنا الأهمية الحيوية للماء ولابد من تدابير عاجلة للحفاظ على هذه الثروة التي أنعم الله بها على الإنسان للأجيال القادمة. وفي عصرنا الحالي تعتبر تنقية مياه البحار من المشاريع الرائدة، إلا أنها مكلفة اقتصادياً إضافة إلى استخدام أنواع من الكيمياويات ذات الآثار الجانبية على صحة الإنسان وما ينتج عنها من تلوث البيئة في التربة والماء، وكذلك ينتج عن التحلية بعض المشتقات الكيميائية ذات الآثار الممرضة للإنسان مثل أمراض السرطان.
مياه الصرف الصحي
ويمكن استخدام مياه الصرف الصحي بعد معالجتها وبتكلفة اقتصادية مناسبة، بحيث تبلغ تكلفتها نسبة 20% من تكلفة تحلية مياه البحر فقط، وبطرق تتيح إنتاج نوعية من المياه ذات جودة طبيعية. ولقد شاع استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة بصورة أولية فقط في ري المزروعات، وهذه المياه تحتوي على البكتريا والفطريات والطفيليات والفيروسات والمواد الحيوية الذائبة بسبب عدم معالجتها الكاملة، وهذا الأمر ينجم عنه أضرار كثيرة من بينها:
- انتشار الأوبئة والأمراض التي تصيب الإنسان.
- توجد مواد حيوية ذائبة في مياه الصرف الصحي لها المقدرة على الاختزال الكيميائي، مما يؤدي إلى استنزاف الأوكسجين من التربة والماء، وهي وسط ممتاز لتغذية ونمو البكتريا، مما يهدد نمو المزروعات طبيعياً، ويسبب نفوق الحيوانات النهرية والبحرية في حال توجيه مياه الصرف الصحي إليها دون معالجة كاملة.
- تكاثر البعوض والحشرات الضارة على مخلفات الري ونشاطها كعامل رئيسي ومهم في نقل الأوبئة المرضية للإنسان والحيوان، ويزداد دور هذا العامل مع زيادة درجة الحرارة، كما أن تجمع مياه الصرف الصحي غير المعالجة في بحيرات وجداول صناعية حول التجمعات السكنية يزيد من خطورة هذا الدور بخاصة.
- إن ري المزروعات بمياه الصرف الصحي غير كاملة المعالجة يسبب مخاطر كبيرة، وبخاصة في حالة مزروعات الخضار التي يستهلكها الإنسان دون طهي، مما يشكل عاملاً مهماً في انتشار الطفيليات الممرضة للإنسان عن طريق الجهاز الهضمي، وكذلك تنتشر البكتيريا والفيروسات عبر تلوث الهواء إلى الجهاز التنفسي للإنسان.
مما تقدم يتبيّن المضار الفادحة لمياه الصرف الصحي غير المعالجة بصورة كاملة على صحة الإنسان والحيوان والنبات، والتكلفة الاقتصادية العالمية التي يتحملها الاقتصاد من الصرف على الدواء والعلاج لمواجهة آثارها الصحية بعامة.
معالجة النفايات
بدأ تطور مفهوم معالجة النفايات مع انتشار وباء الكوليرا بأوروبا في القرن التاسع عشر، فلقد كان المفهوم السائد حتى منتصف القرن الماضي، أن جمع النفايات وصرفها من الأحياء السكنية بقصد النظافة والجمال في البيئة المحيطة، ويتم التخلص منها على أطراف المدن أو في الأنهار والبحار في حال كون المدينة ذات منفذ على أحد منهما، ولقد عُرف القسم المنظم لهذه العملية بقسم النظافة العامة، ومنذ العام 1960 بدأ مفهوم حرق النفايات الصلبة ومعالجة مياه الصرف الصحي، ووضعت القوانين والضوابط الآمنة لمنع انتشار الأمراض الوبائية، وفقط منذ ثلاثين عاماً عمَّ تحديث مفهوم معالجة النفايات، بحيث أصبح يشمل ما يلي:
1 – خفض تأثير هذه النفايات على البيئة، ويتمثل في منع تلوث عناصر البيئة الرئيسية، وهي الهواء والتربة والماء، فصدرت القوانين التي تحرِّم حرق المخلفات الصلبة ومنع تراكم المخلفات في منطقة محددة من البيئة، وتم تشجيع إعادة تدوير النفايات بل وفرضت تنظيمات تلزم التدوير الآمن لهذه النفايات ومنع التلوث البيئي محلياً وعالمياً، كما وضعت المواصفات التي تتضمن المحافظة على عناصر البيئة ومن أهمها الماء والتربة.
2 – الاستفادة التصنيعية من إعادة التدوير من أجل الحصول على الماء لتغذية مصادر إعادة شحن المياه الجوفية، والاستفادة من النفايات الصلبة كتربة سطحية للزراعة ومصادر للطاقة البديلة.
3 – وضع الضوابط الصحية للوقاية من الأمراض، وأصبحت وزارة الصحة في معظم دول العالم مسؤولة عن ضمان معالجة النفايات، وتأمين مصادر صحية لمياه الشرب والري.
4 – تم فرض ضرائب بيئية على إنتاج الملوثات البيئية، بما فيها مياه النفايات الصلبة ومياه الصرف الصحي، مما زاد ربحية معالجتها والاستفادة منها، كما وضعت بعض الدول قيوداً على مخلفات مستوردة.
5 – الاستفادة القصوى من إعادة التدوير كعائد مهم ومربح بعامة في كافة الميادين.
الهدف من إعادة التدوير
1 – إنتاج مياه نقية كاملة المعالجة وذات مواصفات طبيعية معتمدة عالمياً.
2 – زيادة منسوب المياه الجوفية، وزيادة البقعة الزراعية والتبخر الجوي الذي يزيد من فرص هطول الأمطار.
3 – وقف استخدام مياه الصرف الصحي غير المعالجة بصورة كاملة، والذي ينتج عنه انتشار الأمراض البكتيرية والطفيلية.
4 – استخدام مياه الصرف الصحي غير الكاملة المعالجة ينتج عنها ضعف وموت النباتات، كما أن إلقاء مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو المعالجة جزئياً في البحار يضعف معدل تكاثر ونمو الثروة السمكية فيها.
5 – توافر أماكن رسمية مطابقة للمواصفات البيئية لمعالجة واستقبال مياه الصرف الصحي والقضاء على ظاهرة رميها في أماكن غير مؤهلة تضر بالصحة العامة، وبذلك يمكن وضع الضوابط الرسمية نحو الالتزام بالضوابط الآمنة.
6 – القضاء على بقعة المستنقعات في أماكن إلقاء مياه الصرف الصحي، والتي يتم فيها تبخير مياه الصرف الصحي تحت أشعة الشمس وتسرب جزء للمياه الجوفية، فتتلوث به وما ينتج عنها من أخطار حادة على الصحة العامة.
7 – تجنب تصاعد الروائح الكريهة من الأراضي الزراعية التي يتم ريّها بمياه الصرف الصحي غير المعالجة بصورة كاملة، وما ينتج عنه من أمراض وبائية.
8 - تحقيق ربح اقتصادي آني ومستقبلي، وذلك بتشغيل عمالة منتجة وتوفير في تكاليف العناية الصحية بتحقيق الوقاية من الأمراض الوبائية.
9 – ينتج عن هذه المعالجة أسمدة طبيعية تستخدم في استصلاح الأراضي وزيادة البقعة المزروعة.
مبدأ معالجة مياه الصرف الصحي
تتم عملية المعالجة على عدة مراحل، حيث يتم أولاً الترسيب الأولي للمواد الصلبة لمياه الصرف الصحي فيزيائياً حسب قانون الكثافة، فيؤدي إلى ترسيب أولي للكتل الصلبة في القاع بنسبة 5% وانفصال مياه الصرف الصحي في الطبقة العليا بنسبة 95%. وفي حال خزانات المنازل (الحفرة الفنية) لمياه الصرف الصحي، فإن هذا الترسيب سيحدث في الحفرة الفنية للمنازل، وتقوم شاحنات الشفط بسحب الماء وتترك الرواسب من النفايات الصلبة تتراكم في الحفرة، بحيث يتم تفريغها في فترات زمنية لاحقة، وغالباً ما تستمر فترة أطول من المياه. وتحتوي مياه الصرف الصحي على طبقة المياه الرائقة بعد الترسيب الأولى على مواد حيوية ذائبة ومعلقة وكائنات دقيقة، مثل البكتريا والفيروسات والطفيليات والفطريات، ولا يمكن فصل هذه المحتويات عن الماء بالطرق الفيزيائية مثل الترسيب بركود الماء بسبب ذوبانها أو قلة كثافتها، ولذلك يعتمد على تسخير البكتريا لتخمير مخلفات المواد الغذائية الشرهة للأوكسجين بتحويلها إلى مركبات ذات كثافة عالية مما يؤدي إلى ترسيبها. ولهذا لابد من توافر كميات كافية من الأوكسجين لهذا التحول الحيوي، كما يعتمد ذوبان الأوكسجين في الوسط المائي على درجة الحرارة حيث يتناسب عكسياً معها.
التقنيات التقليدية لإعادة التدوير
تحتاج هذه التقنيات إلى خزان خرساني البناء ذي سعة محددة، إضافة إلى تقنية حقن الأوكسجين لتفعيل التحويل الحيوي، وكمية من الراسب الأولي من معالجة سابقة والذي يحتوي على البكتيريا لتنشيط التحول الحيوي، كما تحتاج إلى تقنية عالية لضبط نسبة المواد الغذائية إلى وقت التحول الحيوي لضمان تحول المواد الحيوية بالأكسدة وترسيبها، مما يشكل كتلة نفايات صلبة في المرحلة الثانية من المعالجة، فهي تحتاج إلى تقنية عالية في التشغيل لضمان التحول الحيوي الكامل، وتعتبر تقنية حقن الأوكسجين مكلفة اقتصاديا ويقل ذوبانه في الماء مع ارتفاع درجة الحرارة، وارتفاع عمود الماء في حوض المعالجة. وتمتلك أحواض المعالجة طاقة استيعابية محددة، ولا يمكن التوسع بها دون إنشاءات خرسانية إضافية، ويتم التخلص من النفايات الصلبة الراسبة بصورة دورية، وذلك بشفطها من أسفل أحواض المعالجة، ومن ثم يتم تجفيفها بالطرق الفيزيائية واستخدامها كمصدر للطاقة البديلة في المحرق، أو يتم دفنها بالتربة للتخلص منها، وهذه التقنيات ذات تكلفة اقتصادية عالية، وقد تكون مصدراً للتلوث الهوائي في الوقت نفسه.
تقنية التنقيط بالرش
وتعتمد هذه التقنية على رش مياه الصرف الصحي على سطح حوض مائي تطفو على سطحه طبقة أحجار ذات سطح واسع تعلق عليه البكتريا وتنمو لتخمير المواد الحيوية مع تعرضه للأوكسجين الهوائي، ويدور محور رش الماء بواسطة ضغط تغذية مياه الصرف الصحي، ومن ثم توزع المواد الغذائية إلى نشاط البكتيريا بصورة متوازنة، وتحقق هذه التقنية إزاحة (80-90%) من المواد الحيوية الشرهة للأوكسجين. كما تحتاج إلى تقنية عالية لضبط معدل رش الماء نسبة إلى البكتيريا في تحويل المواد الحيوية وذوبان الأوكسجين في الماء، وهذه أيضاً من عيوب هذه التقنية في الظروف الجوية الحارة، كما أن طاقتها الاستيعابية محدودة ولا يمكن التوسع بها دون إنشاءات إضافية. وتوجد تقنيات مشابهة في المبدأ ومختلفة في طرق تزويد الأوكسجين لتحقيق الوافر الاقتصادي في المعالجة، وذلك بحقن الهواء أو الاعتماد على معدل الذوبان الطبيعي للأوكسجين في الهواء. وهذه العوامل تؤثر على كفاءة المعالجة بشكل عام، وجميع هذه التقنيات بعامة لا تعالج المخلفات الصلبة الناتجة في المرحلة الأولية أو الثانوية، بل يتم تجفيفها ومن ثم دفنها بالتربة أو حرقها كبدائل للطاقة، ولقد منعت بعض الدول حرقها بسبب تلوث الهواء. كما أن المواد الصلبة الناتجة عنها تحتوي على نسبة عالية من المعادن الثقيلة، مما يجعل استخدامها كأسمدة طبيعية دون معالجة أمراً محظوراً أيضاً بسبب تراكمها في المنتوجات الزراعية (الخضار والفاكهة) وتأثيرها الضار على صحة الإنسان.
تقنية الإيكوبلانت
وتتصف المعالجة في تقنية الإيكوبلانت بالحيوية (100%)، وتتم في أحواض زراعية معزولة عن التربة بواسطة بطانة بلاستيكية غير نفاذة يتراوح عمق الحوض (0.5 – 1) متر بالعمق، ويوضع فيه طبقات متدرجة الحجم من الحصى والتربة الرملية، وتعتمد المعالجة في هذه الأحواض على ثلاثة عناصر أساسية هي:
1 – نبات الحلفا: تم استحداث سلالات متطورة وراثياً من نبات الحلفا يتصف بقدرة استيعابية عالية في تثبيت الأوكسجين الهوائي ونقله وتخزينه في الجذور، ويستخدم هذا الأوكسجين لأكسدة مواد حيوية ذائبة هوائياً بمساعدة البكتيريا التي تحيط بجذور نبات الحلفا في باطن الأرض عند جريان مياه الصرف الصحي عبر أحواض المعالجة، وترسب هذه المواد الحيوية المعلقة في مياه الصرف الصحي، وتتشكل على شكل طمي وينساب الماء لنهاية الأحواض نقياً من المواد الحيوية الذائبة والكائنات الدقيقة الحية، ويمكن التحكم بدرجة نقاوة المياه الناتجة حسب مجال استخدامها وذلك بضبط معدل جريان الماء عبر الأحواض ومسافة الجريان.
2 – بكتيريا لا هوائية وهوائية: يجاور جذور النبات البكتيريا الهوائية وتحيط بها طبقة من البكتيريا اللاهوائية، حيث يتشكل وسط حيوي لتفاعلات هوائية ولا هوائية في آن واحد، مما يحفّز كفاءة التحول الحيوي لجميع المواد الذائبة في مياه الصرف الصحي ويؤدي إلى ترسبها.
3 - التربـة: تشكل التربة وسطاً ممتازاً لجميع العناصر والمواد الطيارة، ويساعد غمر التربة بالماء في منع نفاذ الأوكسجين لطبقة التربة العليا، وسيطرة وسط لا هوائي في الطبقة تحت السطحية، وتنفذ المواد الطيارة مثل الأمونيا إلى العمق، وتمتاز بالتبادل الأيوني على حبيبات التربة، وهكذا يتم تخليص الماء منها ومنع تطايرها إلى الجو الخارجي وانتشار روائح كريهة في آن واحد، وتراكم الأمونيا وعناصر سامة أخرى في جزيئات التربة يشكل وسطاً هاماً لتسمم البكتيريا ومنع انتشارها على السطح، ومن ثم تطاير وانتشار الروائح من الأحواض بشكل عام.
ويمكن استخدام هذه التقنية لمعالجة النفايات الصلبة الناتجة عن الترسب الأولي من المعالجة، ويتم هذا في أحواض منفصلة، حيث تتحول حيوياً بنفس المبدأ ولكن تستغرق وقتاً زمنياً أطول، وبهذا لا تحتاج النفايات الصلبة إلى تجفيف أولي كما في التقنيات التقليدية التي تستخدم تقنيات متعددة وذات تكلفة اقتصادية لهذا الغرض، وكذلك ينتج من معالجة النفايات الصلبة بواسطة تقنية الإيكوبالت مواد حيوية منخفضة التركيز بالعناصر الثقيلة مقارنة بالطرق التقليدية، مما يعزز استخدامها كأسمدة طبيعية (100%)، حيث يتم خلطها بالرمل كتربة سطحية زراعية.
المصدر : الباحثون العدد 70 نيسان 2013