لقد كُتب الكثير حول هذا العنوان، وروّج له في الغرب وفي أمريكا الكثيرون، وللأسف حتى الكثير من العرب تكلموا به دون فهم علمي أو دراية بوثوقية ما كتب عن هذه المعركة، كما ساهم الكثير من المحطات العربية بعرض أفلام عن هذه الافتراضية؛ التي ادّعت وعززت سيطرة اليهود على العالم، مما أدى إلى تعاطف إنسان الغرب المخدوع بالتفاسير المزيّفة للكتب المقدسة من قبل بعض المندسّين والممنهجين، والغاية خداع العقل البشري، وعكس الصورة وقلب الحقائق. لذلك أدخل على هذا العنوان بقصد كشف الزيف والتزييف الذي تمّ إخضاع العقل الإنساني له.
طبعاً، هي أسطورة تلمودية نُسجت في سراديب بابل،- وللأسف لم يذكرها العهد القديم أي التوراة - وإنما وردت في تلك التفاسير التي حملت نظام حكم العالم وإرهابه، والموجودة في ذلك التلمود الخطير، وما يحزُّ في النفس أن تكتشف أن العهد الجديد قد أقحم هذه الأسطورة ضمن إصحاحاته، والغاية صهينة العالم المسيحي وتهويده، وللأمانة الروحية: المسيحية والسيد المسيح وبولس الرسول براء من كلِّ ذلك.
خيال أم حقيقة؟!
الخيال ينقسم إلى وهم وعلم، فالعلمي منه قابل للتحقق لحظة توفر مكوناته، أما الوهم ففيه تكمن خطورة حامله الأشر، وبه أشير إلى أولئك المتمتعين بوهم معركة الهارمجدون؛ التي سكنت بعضاً من عقل الغرب الأوروبي والكثير من القادة الأمريكيين، إضافة إلى تفاسير المتدينين: فالإسلاميون يعتبرونها نهاية اليهود، والمسيحيون يقولون عنها: إنها معركة سينتصر فيها الله على أتباع المسيح الدجال، وهذا ما ورد في النبوءة المقدسة (رؤية 16:16 و20 :1-3 و7 -10).
ما هي معركة الهارمجدون؟
ما هي معركة الهارمجدون الافتراضية، وأين ستقع، وماذا يُعدّ لها أولئك المتصهينون واليهود الصهاينة؟. لمن لا يعلم إنهم يؤمنون بالطبيعية، وبأن هناك أشجاراً ناطقة وأشجاراً خرساء، وكذا في بعض النبات والحيوان، ومنذ لحظة إنشاء الكيان الصهيوني بحث التوراتيون المتطرفون، وأقصد: جميع التوراتيين اليهود متطرفون، لماذا أقول هذا؟ لأن شعور النقص والانكفاء، وعدم الاكتفاء، وقلة التكاثر، والمنع من الانتشار، والعالم أجمع يسعى لحصرهم لأجل الخلاص من شرورهم وشرِّهم المستطير، كل ذلك أدى إلى محاولاتهم الدائمة لإقناع العالم بأنهم مستضعفون في العالم، وفي ذات الوقت أنهم شعب الله المختار، وبما أنهم يعتمدون على الكيمياء أي: السِّحر، وغايتهم السيطرة على الفيزياء الإنسانية من أجل اكتمال معادلتهم الافتراضية؛ اخترعوا معركة الهارمجدون، فماذا تعني هذه المعركة وأين بالتحديد مكان وقوعها؟.
قبل أن أجيب - أبدي أسفي مرة أخرى- لأن العالم العربي بمسلميه ومسيحييه، والعالم المسيحي برمّته نراهم يجمعون في اللامعرفة واللاوعي للترويج لهذه المعركة الأسطورية وتحويلها إلى حقيقة، كما حوّل المسلمون كامل الأساطير إلى معجزات، كان ذلك في العصر الروحي البسيط عصر النبوات وتحويل الآلهة الوسيطة- التي أمسكت بزمام أمور الدين والدنيا- إلى قامات روحية، الآن ومع اتساع ذاكرة العقل الإنساني؛ سكن الكون بين مفاصل جزيئات تلك الذاكرة التي تَرى ولا تُرى..
شرح ما لم يُشرح.. وإيضاح ما لم يُفهم
منه أعود إلى قضية معركة الهارمجدون المشابهة لقضايا المخلِّص التاريخي. لماذا أتحدث بغيبية عميقة؟ لأن غايتي أن تقلبوا السمع وهو حسير، وأن تتمتعوا ببصر البصير، فألاعيب وأحجيات التلمود خطيرة، أنبِّه وأحذر منه بكونه أغرى الكثير من البشر، ولم يُقنع الندرة الإنسانية؛ التي تحمل على عاتقها وكواهلها قيمة وقوة محاربة ذلك الفكر التلمودي التوراتي الصهيوني.
وإنني إذ أقدِّم التلمود على التوراة، ولغرض في نفسي لا في نفس يعقوب اليهودي، وغايتي شرح ما لم يُشرح، وإيضاح ما لم يُفهم، فالذي فسّر سفر حزقيال (إريسيد) الإصحاح 38 و 39 عن هذه المعركة، ذكر أن هذين الإصحاحين يشكلان نبوءة واحدة، تحدّث عن تحالف الأمم، من شمال البحر الأسود، وبحر قزوين، وشمال إفريقيا ضدَّ اليهود بعد تجمّعهم في فلسطين، من أجل تخليص العالم ومن شرورهم، لذلك كانت هذه المعركة المنسوجة في الرؤية الأسطورية للنسيج التلمودي التوراتي،على أنها المعركة الأخيرة كما جاء في سفر (أشعياء 63 :1) الذي أشار إلى هذه المعركة، بسبب حدوث معركتين شهيرتين في العهد القديم الأول: انتصار بارك على الكنعانيين (قضاة 4 :15)، وانتصار جدعون على أهل وديان (قضاة الإصحاح 7).
أين تقع الهارمجدون؟
هي في سهول مرج ابن عامر، فـ " الهار" تعني جبل، و"مجدون" هو وادٍ في فلسطين بمنطقة الجليل الأعلى. الكيان الصهيوني المتواجد الآن في فلسطين صنعه عالم الشمال، من روسيا القيصرية؛ التي اضطهدت اليهود وسعت للخلاص منهم، وأوربا الغربية وأميركا. لماذا لأن الجميع آمنوا بالأسطورة التلمودية والعهد الجديد، والهدف فيما أعتقد الخلاص من الشرِّ اليهودي العالمي، للنظر فيما صنعت هذه الأسطورة ضمن العقل اليهودي؛ الذي أوجد في الأساس هذه الخرافة الأسطورية، عاد ليصدِّقها، ما إن قام الكيان على أرض فلسطين التي اغتصبها الغرب وقدّمها إليه؛ حتى باشر في البحث ضمن الخرافة عن الأسطورة الثانية، وهي العثور على الشجر الأخرس أي: الذي لا ينطق، وهذا ما ذكرته الأحاديث الإسلامية واسم الشجر (الغرقد)، لقد اقتنع حاخامات اليهود بالحديث الإسلامي القائل: "سيأتي يوم تحدُث فيه معركة كبرى بين العرب واليهود، ينطق فيها الشجر والحجر قائليَن يا عربي تقدّم، خلفي يهودي يختبئ ". وبعد بحث طويل، أكد علماء الزراعة اليهود المتطرفون والمتشددون: إنه تم العثور على هذه الشجرة؛ التي طوّروها وتتمّ الآن زراعة ملايين الأشجار منها شمال فلسطين أي: جنوب لبنان وشرقها بمحاذاة الحدود السورية، وهذا محيط مرج ابن عامر المكان الافتراضي لحدوث معركة الهارمجدون.
النهاية المحتومة!
أسطورة تجمّع اليهود- كثرة نفيرهم وعلوّهم في الأرض – بل هي نكبة تجمّعهم، وتحرّر الشعوب بإنهاء وجودهم الحي من الأرض، التي كلّما تجمّعوا فيها اقتربوا من نهايتهم المحتومة، في موقعة يطلقون عليها معركة الهارمجدون، والمفترض أن تقع في عام 2012 بحسب الرواية الرياضية الأسطورية، لماذا؟ هذا أولاً، وثانياً، ستنتهي مملكة اليهود الثالثة عام 2022 قمري، بناء على العمليات الرياضية الحسابية، وعلم الجبر الرقمي؛ الواقع بين القمري والشمسي، فالأسطورة اليهودية تتحدث عن مملكتين: يهودا والسامرة، وكل واحدة منهما دامت اثنين وسبعين عاماً، وإذا أخذنا في الحساب قيام الكيان الصهيوني عام 1948 وجمعنا إليها 72 عاماً نجد أن عام 2020 ميلادي هو نهاية الكيان الصهيوني، وهذا ما يخافه الكثير من اليهود المتدينين حقيقة مثل " ناطوري كارتا "، لا المتصهينين المؤمنين بحقيقة الشتات، وأن عليهم عدم التجمّع في فلسطين، ففي تجمّعهم نهايتهم من خلال معركة الهارمجدون.
هنا أُخضع هذه المعادلة إلى لغة الحقيقة التي يهابها اليهود والمتصهينون معهم؛ بعد مقارباتها بما جرى لحظة تدمير نبوخذ نصّر لمملكة إسرائيل، ومحوها من الوجود، وزوال شعبها زوالاً تاماً، كان ذلك سنة 721 قبل الميلاد، ومن ثمَّ مسح مملكة يهوذا ومحوها على يد البابليين سنة 586 قبل الميلاد، ما أشرحه من قصٍّ أسطوري يتحدث عن قضايا النكبات وروايات التحرر؛ التي بحث عنها الآشوريون والبابليون من أجل تخليص شعوبهم من ملوك يهود همج، حكموا شعباً من اليهود الهمج، التأريخ اليهودي يمنحنا حكايات السبي المختلقة والمنسوجة في الخيال اليهودي فقط، ومحاولات تعميم اضطهادهم على البشرية جمعاء، وإدخالهم التاريخ، وتحويل كلِّ ذلك إلى حقائق؛ كما جرى في مرحلة النازية، وأسطورة الهولوكوست التي تم الاتفاق عليها، والتي أنجبت اتفاقية بين هتلر والمنظمة الصهيونية العالمية، وكان من نتيجتها أن لهتلر الحق بحرق ستة ملايين يهودي مقابل ألف وثمانمئة يهودي وعالم، كانوا يمتلكون الثروات الكبرى. كل ذلك من أجل ابتزاز العالم والسيطرة عليه، وليس للتاريخ علاقة بما جرى، إنما هو تأريخ كُتب من أجل كسب عطف العالم وابتزازه، وهذا ما أحاول أن أوضحه في حواريتي هذه .
الجميع قادمون
بما أنهم يسترقون السمع ويعلِّمونه من أجل التفريق بين المرء وزوجه، والأخ وأخيه، وبين الشعوب والأمم، وحوَّلوا هذه السرقات إلى سحر يمارسونه، وينشرونه بين البشرية، ويضغطون به على العالم أجمع، والذي أخافوا به الإنسانية، فظهروا من خلاله على شكل الشرِّ المستطير؛ باعتمادهم على تفسيرات مؤوَّلة ومحرَّفة للمعركة التلمودية القادمة، وطالما أن المعركتين السابقتين قد حدثتا في فلسطين، وكان الدخول إليهما من الشمال، حيث دخل البابليون ونبوخذ نصّر أيضاً من سورية؛ فإنني سأخالف الأسطورة محولاً إياها إلى واقع، وإنها قادمة من خلال معرفة الإنسانية بأن السحر سينقلب على الساحر عاجلاً أم آجلاً، وطالما أنهم تجمّعوا وانتهوا، وتجمّعوا مرة ثانية وانتهوا، الآن هم يتجمعون كي تُكتب نهايتهم، وبما أن هذه المعركة الافتراضية ستقع في مرج ابن عامر؛ فستكون من شمال فلسطين التي تحدّها سورية الطبيعية ( سورية ولبنان والأردن وفلسطين ) فإن تطرّفهم وإرهابهم وتشدّدهم الذي حاولوا أن ينسبوه إلى الأمم الأخرى، وإن كلَّ من يعادي اليهود مسلماً كان أو مسيحياً أو حتى بوذياً هو" لا سامي" ومعاد لليهودية والصهيونية، لكل هذا؛ الجميع قادمون إلى الهارمجدون من أجل إنهاء هذا الإرهاب والتطرّف والتشدّد اليهودي .
هل التاريخ يعيد نفسه؟
للأسف، إن الكثير من العالم الغربي- مفكرين وباحثين- قادة وحكاماً- يؤمنون بوقوع هذه المعركة، كما يؤمنون بأن اليهود أصحاب النكبات التاريخية سيُنكبون مرة أخرى، ولذلك تراهم يتعاطفون معهم بشكل لا حدود له، فالصهيونية الهارمجدونية بلغت ذروة سيطرتها على أميركا في العقود الثلاثة الأخيرة، ويكفي أن نعلم أن خمس عشرة مدينة أميركية تحمل اسم "صهيون" صراحة، وسبعاً وعشرين مدينة تحمل اسم "سالم" المذكورة في التوراة، وأربع مدن تحمل اسم "أورشليم". لننظر نظرة الباحث المتأمّل في هذه الأحداث التاريخية كلها، وما يجري الآن في الشرق الأوسط؛ وبشكل خاص على أرض فلسطين والقدس، نجد أن التاريخ يعيد نفسه، والعالم يستعدُّ للمعركة الأخيرة بين المؤمنين بالله والأرض والإنسان، وبين المتسلِّطين عليها، وهذا ما تحاول الصهيونية اليهودية تسويقه في الغرب؛ من أجل جلب حمايتها واستدرار عطفه.
وإني لأعتقد أن انجراف الغرب الهائل يتجلّى في المعارك المحيطة، والتي ظهرت في العراق بالاحتلال الأميركي له، وتهديد إيران، ومحاولة مسح أفغانستان، والسيطرة على الباكستان، وإخضاع الخليج العربي للهيمنة الغربية، وإخراج مصر وتحييدها من دائرة الصراع، وإشغال العالم أجمع وانشغاله اللحظي والمستمر بقضايا نصرة اليهود والصهيونية، وتقديم الدعم اللامحدود له، كلّ ذلك من أجل ألاّ تقع معركة الهارمجدون الافتراضية، بيد أن المؤشرات جميعها تتحدث عن وقوعها.
عناوين
تقع الهارمجدون في سهول مرج ابن عامر.. فـ "الهار" تعني جبل.. و"مجدون" هو وادٍ بمنطقة الجليل الأعلى في فلسطين
إن خمس عشرة مدينة أميركية تحمل اسم "صهيون" صراحة.. وسبعاً وعشرين مدينة تحمل اسم "سالم" المذكورة في التوراة.. وأربع مدن تحمل اسم "أورشليم"
هي أسطورة تلمودية نُسجت في سراديب بابل- وللأسف لم يذكرها العهد القديم- وإنما وردت في تلك التفاسير التي حملت نظام حكم العالم وإرهابه
إن الكثيرين من قادة ومفكري وعلماء الغرب يؤمنون بوقوع هذه المعركة كما يؤمنون بأن اليهود أصحاب النكبات التاريخية سيُنكبون مرة أخرى.. ولذلك تراهم يتعاطفون معهم بشكل لا حدود له
المصدر : الباحثون العدد 74+75 تشرين2 – كانون1 2013