هل من حيرة في فهم محاولات الإنسان منذ القدم معرفة سر النوم الذي جهله وما يزال يجهل كثيراً من تفاصيله؟
في سبيل فهم هذا السر كتبت الدراسات العلمية المطولة وأجريت التجارب العلمية وسجلت الملاحظات التي طالت أطيافاً واسعة في هذا المجال.
كم بنى الإنسان على النوم من حكايات وأساطير وملاحم، ولا أدل على ذلك من ملحمة جلجامش الذي بحث عن سر الخلود فوجد أن قوة النوم هي من أضاع أمله في الحصول على الخلود؟
ولكن أليس من الحيرة أيضاً أن نجد من الناس من يبحث عن لحظات من نوم عميق قد تدخله في سعادة منشودة لديه منذ أمد بعيد.
قال الله تعالى في محكم تنزيله {ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون}(1).
النوم تلك الظاهرة الفيزيولوجية المهمة والتي أبسط ما يقال عنها: إنها عملية حيوية لا يمكن الاستغناء عنها يدخل فيها الإنسان ضمن حالة من الهجوع والسكون ذات مظاهر محددة يتناوب فيها مع حالة اليقظة.
ويعد النوم عند الإنسان ظاهرة منتظمة ويوصف بأنه سلوك يمارسه الدماغ بشكل منظم وبآلية دقيقة ومتقنة تهدف إلى إعادة نشاط لهذا الإنسان في قدراته المختلفة العقلية والجسمية، لافتين الانتباه إلى أن الحرمان من النوم يؤدي إلى الإعياء والتعب ثم الموت.
إذاً، نحن أمام دورة للنوم واليقظة؛ أي إننا أمام تناوب بينهما يطلق عليه المصطلح العلمي اسم "التواتر" وتواتر النوم واليقظة يعد ظاهرة حيوية ومعظم الأبحاث التي أجريت حول الظواهر الحيوية المتناوبة والدورية أدت إلى استنتاج أن هذه الظواهر على مختلف مستويات الحياة العضوية لها صفة وراثية يشاركها في ذلك البيئة والعوامل الخارجية فالعوامل المحيطة بالإنسان يمكن أن تؤثر على هذا التواتر حيث أطلق العالم "هالبرغ" عليها اسم "مزمنة "(2) ويقول إن "تعاقب النور والظلام أكثر المزمنات شدة".
ولكن مع هذا اتخذت العوامل الاجتماعية عند الإنسان مكاناً ذا أهمية كبيرة. إن أهم مثال على المؤثرات البيئية عامل النور فهو يساعد على اليقظة عند المخلوقات إنسانية الشكل (الإنسان والقرود).
بينما نلاحظ أن عامل الظلام يؤدي دور المنشط عند الخفاش والهر والبوم...الخ.
إن لفظ كلمة النوم Sleep له وقع بالغ في حياتنا فالنوم أحد العمليات الأساسية في الحياة فعندما نأوي إلى الفراش للنوم بالليل ندخل في حالة من الشعور تدوم عدة ساعات عندئذ لا نعود نرى أو نسمع أو ندرك إدراكاً شعورياً لما يجري حولنا وكأن الاختلاف بين عالم النوم واليقظة يدعونا للقول إن كل واحد منا يعيش في عالمين اثنين. وأكثر الناس لا تستوقفهم قضية مسلمة فلا توجد رغبة لديهم لمعرفة أصل النوم ومعناه، ولا يصبح موضوعاً للتفكير الشعوري الواعي والنظر إليه على أنه مشكلة إلا إذا تعرض نومه للاضطراب.
إن البحث في النوم له تاريخ مغرق في القدم فهذا أبقراط "أبو الطب" يقول "إن النوم ينشأ عن انسحاب الدم والدفء إلى المناطق الداخلية من الجسم" وأرسطو يُرجع سبب النوم إلى الطعام الذي نأكله فهو يطلق أبخرة في العروق وحرارة بالبدن تندفع إلى الرأس حيث تتجمع وتسبب النوم وفي القرن الثاني عشر كتبت الراهبة هيلد جارد رسائل في الطب وازنت فيها بين النوم، والطعام. وفي القرن السادس عشر جعل الطبيب باراسلسوس النوم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالطبيعة فنحن نصحو عندما تشرق الشمس ونأوي إلى الفراش عند غروبها.
وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر فُسّر النوم تفسيراً مزج بين المفاهيم الفيزيولوجية والميتافيزيقية فالطبيب ألكسندر ستيوارت ذهب إلى أن النوم ينشأ عن نقص في الأرواح الحيوانية.
ثم أدى اكتشاف الأوكسجين دوراً مهماً في إماطة اللثام عن سر النوم حيث ذهب الفيزيولوجي الألماني "جاكوب فيد يليس آكرمان" إلى أن الأوكسجين الموجود بالهواء ينطلق منه "أثير الحياة" حيث أكد "العالم الكسندر فون همبولت بقوله "إن النوم ينشأ عن نقص في الأوكسجين كما أن عالِم الفيزيولوجيا "إدوارد فريدريك بفليجر" يذهب في الاتجاه ذاته حين يقول:" (إن النوم ينشأ عن نقص في كمية الأوكسجين الذي تمتصه جزيئات المخ الحية). وقدّم عالِم الفيزيولوجيا الألماني "فلهلم برايبير" نظرية مفادها أن التعب يخلق مواد كيميائية في جسم الإنسان تمتص الأوكسجين من الجسم فيتسبب هذا بحرمان المخ من الأوكسجين اللازم لنشاطه وهذا ما يؤدي إلى النوم، وسمّى بعض هذه المواد الكيميائية ومنها حامض اللبنيك والكرياتين. ورغم كل ما قُدم من نظريات وأبحاث ودراسات فالقرون التي سبقت القرن العشرين تبقى عاجزة عن تفسير النوم وامتلاك الأدلة والبراهين العلمية المقنعة لذلك.
إن البحث والتجربة في موضوع النوم يختلف عن ذلك في حالة اليقظة التي تسمح لنا بملاحظتها وقياسها ونستطيع أن نتزود بالمعلومات عنها بسهولة ويسر بينما حالة النوم عكس ذلك. وبالرغم من أنه يمكننا ملاحظة التغيرات التي تطرأ على وضع جسم النائم أو يمكننا تسجيل معدل تنفسه ونبضه ودرجة حرارته في أثناء نومه إلا أننا لا نستطيع من تلك المعلومات دراسة السبب الحقيقي للنوم أو مراحله المختلفة وكذلك الأحلام؛ إلى غير ذلك من الأسئلة التي ما زالت تنتظر من يجيب عليها.
وبناء على ما قدمته الدراسات في هذا المجال فإن النوم يمضي ويتقدم في مراحل متتابعة حيث أثبت كول شيتر (kohls chutter) أن النوم يكون عميقاً في الساعات الأولى ثم يزداد سطحية كلما مضى الزمن.
إن أكبر الاكتشافات المتصلة بالنوم تمثلت بالكشف عن وجود تموجات كهربية تنشأ في المخ في أثناء النوم حيث أمكن تسجيلها تسجيلاً متصلاً بجهاز خاص يسمى المسجل الكهربي؛ للمخ فمنذ الثلاثينيات من القرن العشرين لاحظ عالما الفيزيولوجيا الأميركيان لوميس (Loomis) ودافيس (Davis) التغيرات النمطية في السجل الكهربي للمخ في أثناء النوم وأثبتا أنه عندما تزداد هذه التموجات في الحجم والبطء يتحول نمط نوم المفحوص فيصبح أكثر عمقاً وعلى أساس هذه النتائج صنّفوا النوم إلى مراحل وأطوار متعددة، وفي الوقت ذاته كان من أول الاكتشافات في هذا المجال هو اكتشاف "هانس برجر" الذي لاحظ أن المرء عندما يغلق عينيه فإن مخططاً بيانياً يحدث من موجات معينة وهو مختلف عن المخطط البياني لليقظة وفي البدء أطلق على هذه الموجات اسم موجات "برجر" أو موجات الراحة، أما اليوم فإنها تسمى موجات ألفا ونستطيع أن نميزها من تلك التي تحدث في نشاط اليقظة إذ نجد أن المسجل الكهربائي للمخ يسجل في حالة النوم من 20 إلى 30 دورة في الثانية وهي تختلف عن موجات ألفا التي هي مظهر حالة من التيقّظ الاسترخائي وتختلف عن حالة الانتباه الشعوري وفيه يسجل تردد مقداره من 8 إلى 13 دورة \ثانية ومن هنا فلقد برهن كل من "لوميس وهارفي وهاجارد "أن النوم غير متدرج من خلال التسجيل المستمر لليلة واحدة من النوم أي أن النوم يعود فجأة إلى أقل المراحل في أثناء النوم.
مراحل النوم:
إن أبرز العلماء الذين صنفوا النوم العالمان ديمان وكليتمان منذ العام 1957م وهي أربع مراحل متزايدة العمق في النوم يضاف إليها مرحلة خامسة وكذلك يضاف إليها مرحلة النوم ذي الحركات العينية السريعة.
1- مرحلة النعاس والنوم الخفيف: في هذه المرحلة يختفي تواتر ألفا الذي ذُكر سابقاً ويحلّ محله نشاط كهربي منتظم من موجات متوسطة البطء تبلغ من 4 إلى 6 دورات \ ثانية ويطلق عليه اسم التواتر (تيتا) ونلاحظ أن العينين تبدأان بالحركة من جانب إلى آخر وتنسدل، الجفون وتمثل هذه المرحلة من 2 إلى 4% من فترة النوم.
2 – المرحلة الثانية: هذه المرحلة تحتفظ بتواترات بطيئة تتراوح من 3 إلى 6 دورات \ ثانية ثم تظهر في هذه المرحلة أيضاً موجات تتراوح بين 12 إلى 15 دورة \ ثانية وهذه تسمى موجات بيتا ويطلق عليها تسمية أخرى وهي مغازل النوم وتبرز أيضاً في هذه المرحلة ما يسمى عقدة ك وتتشكل من ثلاثة عناصر وهي موجة حادة وموجة كبيرة بطيئة وموجات أكثر سرعة وتعزى إلى المؤثرات الداخلية للبدن وفي هذه المرحلة تدور عينا الشخص ببطء في محجريهما وأية ضجة خفيفة سوف توقظه ويخيّل إليه بعدها بأنه لم ينم علماً إنه يكون قد أمضى عشر دقائق نائماً. وتمثل مرحلة النوم الخفيف هذه حوالي 50% من مجمل فترة النوم ويقال إن الأحلام تحدث في هذه المرحلة.
3 المرحلة الثالثة: تظهر في هذه المرحلة موجات تسمى دلتا وتتراوح من 5, 0 إلى 3 دورات \ ثانية ويلاحظ أن مغازل النوم تستمر في هذه المرحلة وتعدُّ هذه المرحلة انتقالية نحو النوم العميق.
4 – المرحلة الرابعة: وهي مرحلة النوم العميق وفيها تسيطر الموجات البطيئة (دلتا) ولا ترى في هذه المرحلة العقد " ك" وتمثل كلتا المرحلتين الثالثة والرابعة 20% من إجمالي فترة النوم.
5 – المرحلة الخامسة: تمثل هذه المرحلة استمراراً للنوم العميق لا تختلف عنه إلا من الناحية الكمية وتتميز بكيفيتها حيث تترافق أحياناً بالأحلام والحركة وتشكل هذه المرحلة حوالي 25% من إجمالي فترة النوم.
والجدير ذكره أن الانتقال إلى النوم العميق يتصف بازدياد في سعة الموجات وبتباطؤ في ترددها وهو يختلف عن حالة اليقظة حيث يبيّن الرسم التخطيطي لها ضيقاً في سعة الموجة وسرعة فيها.
ولا بد من الإشارة إلى أن المراحل الخمس تشكل تصنيفاً نظرياً ولا توجد حواجز حقيقية بين مرحلة وأخرى في أثناء النوم وتعدُّ التغيرات المصاحبة للنوم أقرب إلى التدرج والانسيابية.
6- النوم ذو الحركات العينية السريعة: يعد شانيال كلايتمان من أوائل العلماء الذين بحثوا في النوم حيث نشر كتابه (النوم واليقظة عام 1939) وأظهر كلايتمان اهتماماً واضحاً بحركات العينين في أثناء النوم ومن ملاحظاته أن الحركات البطيئة المرتبطة بدوران العينين عادة تصاحب المرء في بداية النوم، ثم إن أحد طلابه ويدعى (آزرنسكي) لاحظ تغيرات في السجل الكهربي للعينين تبيّن حدوثاً مفاجئاً لحركات العين السريعة جداً بعد أن يكون المفحوصين قد استسلموا للنوم واستنتج من ذلك أن الهدوء في النوم يكون متبوعاً بانتظام بفترات قلقة تتمثل بالعودة الدورية للحركات العينية السريعة في أثناء النوم وتختلف عن تلك الحركات العينية الموجودة في أثناء النوم البطيء. إذاً، في الدورة الكاملة للنوم تتسلسل فترتان: فترة نوم تنعدم الحركة السريعة للعينين، وفترة أخرى من نوم تتسارع فيها حركات العينين.
المظاهر المرافقة للنوم:
هناك مجموعة من المظاهر التي يمكن ملاحظتها وتسجيلها لدى الشخص النائم تختلف عن تلك المظاهر للشخص اليقظ وسنذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر.
1- إن حركة العينين تتناقص تدريجياً وتجحظ الكرتان العينيتان وتضيق الحدقتان وتنسدل الجفون.
2- إن حالة توتر عضلات الجسم تميل إلى الانخفاض ولكن بدرجات مختلفة ولعل أكثر ما يلاحظ ذلك على عضلات الفك السفلي.
3- يلاحظ انخفاض في معدلات النبض والتنفس حيث يسجل نقصاناً ملحوظاً في تواتر عضلة القلب وينخفض الضغط الدموي.
4- يلاحظ انخفاض حراري للجسم في أثناء النوم.
5- يلاحظ أن استهلاك الأوكسجين يبقى ثابتاً فأجهزة الجسم تبقى تعمل.
6- تنقص إفرازات اللعاب فلا نبتلع في أثناء النوم كما تقل الإفرازات الدمعية والإفرازات المعدية والصفراوية.
7- يصبح التدفق البولي أبطأ في أثناء النوم.
8- تكشف الدراسات عن مستويات أدنى لهرمون الكورتيزول الذي تفرزه الغدة الكظرية.
9- تكشف الدراسة عن مستويات مرتفعة لهرمون النمو في أثناء النوم.
10- يلاحظ إنه خلال فترة نوم الحركات السريعة للعينين يزداد النشاط في وظائف الجسم حيث يسجل عدم انتظام في النبض والتنفس وضغط الدم.
11- يكثر النائم من تغيير أوضاع جسمه خلال الجزء الأخير من النوم وكأنه يعد نفسه بعد فترة زمنية للاستيقاظ. والسؤال الآن كم ينام المرء؟.
من المؤكد أن عدد ساعات النوم ترتبط بالفئة العمرية وإذا ثمة من اختلاف وفروق فردية في ذلك فإنه يعود لحالة معينة يعيشها المرء. فقد حدد لوسيوس الشاعر القديم خمس ساعات من النوم للشباب والكهول وست ساعات للتاجر وسبع للأرستقراطيين وثماني للكسول والخامل تماماً. إلا أن الدراسات تذكر أن الرضيع يقضي ثلثي الوقت في النوم موزعاً على امتداد الأربع والعشرين ساعة حتى الشهر الثالث فقلما يستيقظ في أثناء الليل وفي الشهر السادس يقضي اثنتي عشرة ساعة في النوم ثم في السنوات الأولى من حياة الطفل يبدأ نومه يتناقص وفي مرحلة التعليم الأساسي يمكنه مواصلة الاستيقاظ طوال النهار أي إنه ينام من 7 إلى 9 ساعات تقريباً. بعدها يتحول نومه إلى نمط النوم ذي الطور الواحد عند الراشدين الكبار فينام من 6 إلى 8 ساعات تقريباً. وهذه الفترة من النوم تقل عند كبار السن ويميلون إلى النوم في أثناء النهار وهذا يؤدي إلى نقص النوم في الليل فيكتفون بـ4 إلى 6 ساعات من النوم ولكن كلما تقدم الإنسان في العمر صعب عليه الدخول في النوم وكثيراً ما يقضي كبار السن أوقاتاً طويلة في الفراش عاجزين عن النوم ويميلون إلى الاستيقاظ في الصباح الباكر ولا يزعجهم ذلك.
ولا بد أن نذكر أن هناك أناساً يوصفون بنشاطهم الليلي ويسمون "أنماط المساء" وآخرين بنشاطهم الصباحي ويسمون "أنماط الصباح" وما زالت الدراسة عاجزة عن إبداء السبب الرئيسي لذلك؛ أيعود ذلك للاستعداد الوراثي أم أن العادات التي يكتسبها المرء في أثناء حياته هي العامل الرئيسي في ذلك؟
وهنا نذكر أن المشاهير عرضة لتسجيل عاداتهم ومنها كم ينامون فقد ذكر أن نابليون بونابرت كان لا يحتاج إلا فترة قصيرة من النوم بين أربع إلى ست ساعات في كل ليلة وقد اعتاد توماس أديسون وكذلك ونستون تشرشل أن يواصل العمل حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً ثم النوم والاستيقاظ في الثامنة صباحاً ولكن كان نصيب كلاً منهما ساعتين من النوم في فترة ما بعد الظهر.
والعالم ألبرت أينشتاين صاحب النظرية النسبية كان يستمتع بقضاء عشر ساعات كاملة كل ليلة في الفراش وكانت عادة القيلولة لا تفارق الفنان التشكيلي الإسباني سلفادور دالي.
هرمونات النوم واليقظة:
في دراسة قديمة استنتج العالم "برايمر" من تجارب عديدة بأن اليقظة تنشأ عن التقاء السيالات العصبية الحسية الناشئة عن النخاع الشوكي وأن النوم يظهر عند الحرمان من المؤثرات الحسية فالراغب في النوم يغمض عينيه ويطلب الهدوء والابتعاد عن الإزعاجات المختلفة.
ولقد اعتمد العلماء في دراساتهم وبحوثهم على تجارب مختلفة من خلالها تبيّن لهم أمور شتى منها أن مركز النوم في الدماغ؛ وقد ثبت ذلك من خلال التجربة والحوادث التي تصيب بعض الأشخاص وأن للهرمونات أثر في النوم فذكروا أن هرمونات النور أدرينالين Noradrenaline والسيروتونين Serotonine والدوبامين Dopamine والتريبتامين وكلها من فئة النواقل العصبية ضرورية بكميات محددة لليقظة والنوم، وأكد العالمان "بيون" في مكسيكو و"لينج" في أوتاوا بأن النورأدرينالين والأستيل كولين وهما ناقلان كيميائيان أكدا بأنهما يلعبان دوراً أساسياً في النوم واليقظة وتم إثبات ذلك من خلال تجربة تم فيها حقن هر بالأستيل كولين ما أدى إلى نومه بينما أدى حقنه بالنورأدرينالين إلى اليقظة.
وكذلك الدوبامين له دور في اليقظة كما أثبت أن السيرتونين يسبب النوم ووجد أن الضوء يبطئ إنتاج الغدة الصنوبرية من الميلاتونين والظلام ينشطه؛ ففي دراسات أجريت من قبل الدكتور ريتشارد أستاذ علم الأعصاب في معهد (ماسا) التكنولوجي تبيّن بأن الأشخاص الذين أجريت عليهم التجربة والذين تناولوا الميلاتونين استغرقوا في النوم بعد خمس إلى ست دقائق فقط بينما الأشخاص الذين تناولوا علاجاً مموهاً أي لا يحوي الميلاتونين استغرقوا حوالي 25 دقيقة حتى دخلوا في النوم، وتبيّن أن الميلاتونين يساعد الأشخاص المصابين بالأرق على استعادة النمط الطبيعي للنوم وله دور في تحسين اضطرابات النوم المتعلقة بالشيخوخة فهرمون الميلاتونين يعتبر حبة منوم طبيعية.
اضطرابات النوم:
تمتُّعُ الفرد بصحة كاملة جسدية يعني أنه سيحصل على كمية مناسبة من النوم فذلك يؤدي إلى قيام الجسم بأداء وظائفه على نحو جيد فالتغلب على الإجهاد بحالاته المختلفة الجسمي والعصبي يكون بنوم الفرد ساعات توازي هذا الإجهاد؛ وهناك الكثير من حالات الغضب والكسل وضعف القدرة على التركيز وفقدان التوازن الحركي تعود إلى سوء نظام النوم أو قلته وكثير من الأطفال تبرز عندهم اضطرابات على شكل أحلام مزعجة ونوم غير هادئ وكوابيس أو حالات أرق وتكون من أسبابها اضطرابات عضوية أو إثارة زائدة أو خوف من الظلام والخوف من الانفصال عن الوالدين وسرد قصص مخيفة للأطفال، وتشمل اضطرابات النوم صعوبة الانتقال من حالة اليقظة إلى حالة النوم وتسبب الأرق والتنقل خلسةً والنوم غير المريح والتجوال الليلي.
ومن بين اضطرابات النوم التي يعاني منها بعض الأشخاص وتؤثر في حياتهم الشخصية الشخير وتوقف التنفس أثناء النوم ما يؤدي إلى انسداد للمجرى العلوي للتنفس بشكل متكرر بصورة كاملة أو جزئية ما يؤدي إلى انقطاع التنفس أو ما يُسمى بحالة (التنفس غير الفعال) والذي يؤدي إلى تقطع في النوم، وهناك مرض نوبات النعاس أو النوم القهري حيث يصيب الجهاز العصبي ويرافق المريض مدى الحياة وهذا يتطلب علاجاً سريعاً خشية تدهور حالة المريض وهناك شلل النوم والهلوسة التي تسبق النوم.
ومن نظرة إلى الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات النوم فإننا نلاحظ أنهم بحاجة إلى التخلص من هذا الاضطراب كالأرق أو عدم تنظيم ساعات النوم وهناك بعض النصائح التي ينصح بها الأطباء منها الراحة النفسية والجسدية وتنظيم ساعات العمل والراحة وعدم اللجوء إلى التفكير في أثناء الدخول بالنوم كذلك عدم شرب الكثير من المنبهات وعدم أخذ غفوة في أثناء النهار.
إن العطارين وأصحاب الطب البديل لديهم مجموعة من الأعشاب قد تفيد في النوم منها الفراسيون الأسود ولسان الحمل السناني الكبير والناردين المخزني وحشيشة الهر وحشيشة الدينار والعسل والخس والحبة السوداء والمريمية والمشمش والبابونج...إلخ.
إن للنوم وظائفه فالنوم ضروري جداً لصحة جيدة وهو لفترة كافية يؤدي إلى راحة الجسم وإلى نسيان ما هو مؤرق ويؤدي إلى التعلم بشكل أفضل وتأدية العمل بفعالية مطلوبة، وقلة النوم قد تؤدي إلى السمنة والإصابة بمرض السكري كذلك قد تؤدي إلى مشاكل في القلب والجهاز الوعائي الدموي وهو يساعد على إصلاح الخلايا والنسج، وتذكر إحدى الدراسات أن النوم أقل من 6 ساعات يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، وإن توقف التنفس في أثناء النوم يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بالسرطان.
وذكرت دراسة أخرى أن تناول الأدوية المنومة قد تعرض صاحبها للموت أو بعض أنواع السرطان هذا ما ذكره مركز "سكريبس كلينيك فينبري" المتخصص باضطرابات النوم في كاليفورنيا الأمريكية. وعلى سبيل المثال هناك حالات نادرة من مرض النوم يطلق عليها اسم "متلازمة كلين ليفين" تدخل صاحبها في نوم يطول إلى عدة شهور وهذه المتلازمة يعاني منها حوالي ألف شخص في العالم والدراسة تقول: إن العلماء يبحثون عن علاج لهذه الحالة.
وهذا كله يدعونا إلى النظر في أنفسنا: كم ننام؟ وهل نعاني في أثناء نومنا؟ ونحن بدورنا نؤكد على أهمية أن نذكر كل التفاصيل المتعلقة بنومنا للطبيب المعالج وذلك كي نساعده على تشخيص المرض على نحو أدق.
ومن باب الاهتمام بوظائف الدماغ ودوره في النوم فقد أدت نتائج أبحاث فريق "كيسبوس" في أمريكا إلى دعوة ملحة لكل مختبرات العالم لوضع خرائط للنشاط الداخلي المنشأ لمنظومة الدماغ الرئيسية وقد تم رصد هذا النشاط في أثناء التخدير العام والنوم الخفيف؛ وتوصلت فرق البحث إلى أن الدماغ يبث طيفاً واسعاً من الذبذبات الكهربائية ويتراوح ترددها بين البطيء والعالي إلا أن آلية تأثر تلك الإشعارات بتردداتها المختلفة لمّا تكتشف حتى الآن وما زال فهمها يشكل أحد أهم التحديات الكبرى التي تواجه العلوم العصبية الحديثة، فالحصيلة الجديدة من المعرفة لا تزال ناقصة ومنها ما يفتقر إلى إشارات الاتصال الأساسية ومنها ما يعطي إشارات مضللة، ويقول الفيلسوف مارتن هيدجر "إن الشفافية التي تقدم بها الطبيعة نفسها إلينا بوصفها تفاعلاً يمكن التنبؤ به بين القوى قد تسمح لنا بالوصول إلى ملاحظات صحيحة؛ ولكن هذا النجاح ذاته هو بالضبط ما قد يجعلنا نضل الطريق بحيث إننا حين نرى ما هو صحيح نعجز عن رؤية ما هو حقيقي".
المصادر:
1- بوربلي الكسندر. ترجمة د. سلامة أحمد عبد العزيز. أسرار النوم.
2- مونريه سيمون. ترجمة د. م رصاص محمود سيد. النوم والأحلام.
3- د. الأهواني أحمد فؤاد. النوم والأرق.
4- د. النمر عبد الرحمن.: النوم أسرار ومراحل.
5- الثورة. العدد 14780 تاريخ 1 آذار 2012.
6- الثورة. العدد 14804 تاريخ 28 آذار 2012.
7- الثورة. العدد 14885 تاريخ 1 تموز 2012.
حواشي:
1- (آية 23 سورة الروم )
2- ( أطلق العالم هالبرغ على دورة النوم واليقظة اسم الدورة السركارية)
3- هو مرض يؤدي بالشخص إلى التجوال في المنزل دون معرفة الآخرين.
المصدر : الباحثون العدد 74+75 تشرين2 – كانون1 2013